حزب التقدم والاشتراكية يضيء سماء الدارالبيضاء بحفل فني وجماهيري حاشد كوكتيل فني متنوع يتمثل غنى الفنون المغربية ويعكس مرجعية الحزب الثقافية بمناسبة ذكرى مرور سبعة عقود على تأسيس حزب التقدم والاشتراكية، بدا هذا الأخير، وهو في السبعين من العمر، أكثر شبابا وحماسا وهو يجعل منطلق الاحتفاء بذكرى ميلاده مدينة الدارالبيضاء عاصمة الطبقة العاملة... وليعانق الجماهير التي انتدبته للدفاع عن مصالحها منذ سبعين سنة خلت، كحزب وجد لحاجة موضوعية وسيبقى حيا، فاعلا، ثابتاً، لا تهزه الهزات ولا تثنيه الصعاب، كضرورة نضالية حتى تحقيق رسالته التاريخية. بهذه المناسبة الغالية أبى الحزب بكافة أطره، وكفاءاته، ومناضليه، على رأسهم الأمين العام الأستاذ نبيل بنعبد الله ورئيس مجلس الرئاسة مولاي إسماعيل العلوي وأسماء بارزة كثيرة من أعضاء الديوان السياسي واللجنة المركزية للحزب يضيق الحيز هنا عن ذكر أسمائهم جميعا; وكان من بينهم الحسين الوردي، خالد الناصري، عبد السلام الصديقي، أحمد سالم لطافي، المحجوب الكواري، عبد المجيد الدويب، رحال الزكراوي، عبد اللطيف أوعمو، مصطفى الرجالي، امحمد كرين، مصطفى عديشان، سعيد الفكاك، شرفات أفيلال، رشيدة الطاهري، رشيد روكبان، محمد خوخشاني، وآخرون كثر من مناضلي الحزب بالدارالبيضاء الكبرى من جنود الخفاء الذين تألقوا جميعا في توفير تنظيم محكم وسلس لأجواء الحفل أبرزهم المنسق الجهوي بالدارالبيضاء ومدير الإدارة الوطنية للحزب عبد الرحيم بنصر، وكاتب الفرع الإقليمي لعمالة مولاي رشيد مصطفى العتيري.. وكذا أعضاء من قيادات الشبيبة الاشتراكية ومنظمة الطلائع أطفال المغرب، ووفود من بعض الفروع الحزبية من خارج الدارالبيضاء.. كما تميزت أمسية الحفل كذلك بالحضوز اللافت للأمين العام للاتحاد المغربي للشغل الميلودي مخاريق، وكذا بحضور فهد يعته نجل المناضل التاريخي للحزب الأمين العام الأسبق والمناضل أستاذ الأجيال المرحوم علي يعته.. والإعلامي القيدوم كمال الحلو، إضافة الى ممثلين عن بعض النقابات والجمعيات من أصدقاء حزب التقدم والاشتراكية، ونخبة وازنة من الفنانين والمثقفين الذين لبوا دعوة الحزب من بينهم الأستاذ الحسن النفالي والمخرج السينمائي سعد الشرايبي، والممثل عبد اللطيف هلال، وأحمد الصعري، وعبد الإله عاجيل، ومحمود الإدريسي.. ناهيك عن ممثلي مختلف وسائل الإعلام. التقى الجمع، خلال مساء يوم الاثنين الماضي، بمسرح المركب الثقافي بحي مولاي رشيد الذي ضاقت جنباته حيث شهد تقاطر أعداد هائلة من المواطنات والمواطنين جاءوا لمشاركة الحزب تخليد ذكراه السبعينية.... ولعل اختيار الدارالبيضاء ومنطقة مولاي رشيد بالضبط يكتسي أكثر من دلالة ويكتسب معانيه من مرجعية حزب التقدم والاشتراكية السياسية وشرعيته التاريخية. ففي كلمة إعطاء انطلاقة الحفل، التي ننشر نصها الكامل في الصفحة الثانية، واستهلها بكلمات الترحيب بالحضور، قدم الأمين العام للحزب نبيل بنعبد الله لمحة موجزة عن المسار الذي سلكه الحزب ومحطاته الأساسية التي كان شعاره خلالها الدفاع عن المستضعفين وعن المصالح العليا للبلاد. وعرج بنعبد الله على ما تعرض له الحزب جراء ذلك من استهدافات ومضايقات ومحاولات متكررة عبر تاريخه الطويل في محاولات يائسة لنسفه، لكنه ظل صامدا. وهو اليوم بما صار يتوفر عليه من رصيد نضالي زاخر وكفاءات متميزة وأطر منتجة، يعطي الدليل القاطع على أنه صار رقما لا محيد عنه في المعادلة السياسية المغربية. هذا وقد ضم برنامج الحفل نخبة من الفنانين المغاربة، قدموا للمشاركة في إحياء هذه الذكرى المجيدة.... التي تميزت بإلقاء كلمات في حق تجربة الحزب الطويلة والوقوف إجلالا وعرفانا لأرواح شهدائه ومناضليه من الذين أناروا درب الممارسة السياسية في المغرب وقدموا الأيادي البيضاء في مسار نضال الحزب ودفاعا عن مصالح الكادحين والمصالح العليا للبلاد. وجاء برنامج الحفل الذي نشطه الفنان المحبوب عبد الكبير الركاكنة، والذي افتتح بلوحة رائعة لأطفال منظمة الطلائع، عبارة عن كوكتيل فني متنوع يعكس غنى التراث المغربي وتنوع فنونه بمختلف تعبيراتها، ويعكس في نفس الوقت مرجعية الحزب الثقافية التي لا تتضمن مفردة «إقصاء». فسيفساء من اللوحات الغنائية والراقصة قدمها فنانون مغاربة أثبتوا علو كعبهم فنيا على الساحة الوطنية، كان أبرزها العرض الغنائي الراقص الذي قدمته الفنانة الأمازيغية المحبوبة فاطمة تحيحيت رفقة فرقتها على أنغام الرباب السوسي مع ما يميز عروض هذه الفنانة الكبيرة من لوحات رقص متناسق، تحاكي فيه راقصات مجموعتها بأوضاع متنوعة وأساليب يوظفن خلالها أجسادهن بسرعة وإبداع باهرين. ومع كونها صوتا عذبا في الغناء فإن هذا لا يمنع «الرايسة» من أداء رقصات فردية وجماعية من حين لآخر، تظهر بها «تيحيحيت» إمكانياتها الفنية الاحترافية التي تنم عن كفاءة ومهنية عالية. وقبل ذلك، وفي بداية الحفل قدمت الفرقة المغربية للموسيقى، برئاسة المايسترو عبد الرحيم منتصر، مقطوعات موسيقية مغربية عصرية وتراثية متنوعة بإيقاعات كناوية وعيساوية وأمازيغية قدمها زهاء عشرين عازفا من خيرة الموسيقيين المغارلبة.. ونال هذا الريبرتوار الفني الوطني إعجاب الجمهور الذي صفق كثيرا لهذا العرض الرائع، بعد ذلك صعد إلى الخشبة الفنان المبدع والمجدد الموسيقار نعمان الحلو الذي رافقته نفس الفرقة الموسيقية والذي عانقه الجمهور بحرارة وردد خلفه مقاطع من أغانيه المشهورة التي أداها أمامه مثل الدار القديمة، الشاون، ومولاي علي الشريف، ويا جبال الأطلس... ويعتبر الفنان نعمان الحلو من أهم الموسيقيين المغاربة والعرب في جيله، فهو لم يكتف بالغناء أو التلحين، بل هو كذلك مؤلف، باحث موسيقي ومحاضر. دخل عالم الموسيقى والفن في طفولته المبكرة قبل أن يلتحق وهو في سن العاشرة بالمعهد الموسيقي بفاس. وبعد أن قضى بضع سنوات مع مجموعة الموسيقى الأندلسية وحصوله على البكالوريوس، قرر السفر والاستقرار بالولايات المتحدةالأمريكية حيث عاش بفلوريدا / أرلندو. ثم انتقل إلى ميامي حيث كان يغني ويعزف على آلة العود بالرواق المغربي بوالت ديزني، ومن ثم إلى لوس أنجلس حيث التقى بالموسيقار محمد عبد الوهاب الذي أعجب شديد الإعجاب بصوته وموهبته فنصحه بالاستقرار في مصر التي كانت ولا تزال قطب الغناء في المشرق. الطرب الحساني القادم من تخوم صحرائنا الغالية، كان أيضا حاضرا خلال أمسية الاحتفاء بهذه الذكرى العزيزة، ومثلته الفنانة الباتول المرواني رفقة أعضاء فرقتها. والباتول هي إحدى بنات الصحراء وفناناتها وتشتغل على التجديد في هذا التراث العتيق الزاخر بالشعر والنغم... وقد تفاعلت هذه الفنانة التي شبت رفقة والدها الفنان عبد الله المرواني الذي غنت رفقته وهي ما تزال طفلة الأغنية الشهيرة التي يقول مطلعها «الصحراوي تحت الخيمة... عندو بيعة مغربية» - مع الجمهور الذي ردد معها بعض المقاطع. وهو تفاعل إنساني جمع بين الغناء وإبراز مشاعر الوطنية المتمسكة بالثوابت وبقيم المغرب الأصيلة والوحدوية. قبل صعود هذه الفنانة إلى الخشبة، كان للحضور موعد مع الكلمة البليغة والصور الشعرية الجميلة والمفردات المنتقاة من خلال مساهمة الشاعر المغربي الكبير إدريس الملياني الذي سيطر على حواس الحاضرين من خلال إلقائه الشعري البديع. كما تميز الحفل أيضا بمشاركة الفنان الكوميدي سعيد أيت باجا الذي قدم لوحات ساخرة من بعض المظاهر الاجتماعية والتناقضات التي يحفل بها واقعنا الاجتماعي والسياسي. وأثبت هذا الفنان الساخر علو كعبه في فن الوان مان شو حيث استطاع أن يمزج في عرضه بشكل خلاق بين الموضوع الجدي والأسلوب الهزلي، الشيء الذي أعطى نكهة خاصة للفقرات الفنية التي قدمها والتي بدا فيها مشاغبا ومشاكسا تواطأ معه في ذلك منشط الحفل زميله الممثل عبد الكبير الركاكنة. وفي ختام الحفل صعدت مجموعة تكادة بطابعها وطبيعتها المألوفة التي تجدد وتتجدد في التراث الشعبي العروبي، لتقدم بعض أغانيها الخفيفة والتي يحفظها الجمهور عن ظهر قلب. وجدير بالذكر أن جل الفقرات الفنية كانت تتقاطع مع الشعارات والأناشيد والهازيج التي كان يرددها الشباب والنساء داخل القاعة بحماس كبير... ويمكن اعتبار الأجمل في الحفل ما قدمه الرفيق نور الدين برشيد من استحضار أسماء كبيرة في تاريخ النضال السياسي للحزب بتقديمه شهادات وازنة وبكلمات جميلة سمتها الوفاء لمناضلين كبار من عيار سي علي يعته، وعبد السلام بورقية، وعبد العزيز بلال، وعبد الله العياشي، وشعيب الريفي، وعبد الكريم بن عبد الله، وشمعون ليفي واللائحة طويلة... بقيت الإشارة إلى أن هذا الحفل الفني الكبير كانت وراءه إدارة فنية محترفة اشتغلت بمهنية عالية وبتضحية ونكران الذات من أجل إنجاح الحفل، وتتكون أساسا من الدكتور مسعود بوحسين كمخرج فني والفنان عبد السلام البوحسيني مديرا للبلاطو وعبد الحليم الختير كمهندس للصوت، وعدد من تقنيي الصوت والضوء الديكور. ليس مجرد حفل فني ما تابعناه ليلة الاثنين الماضي. لكنه كان لقاء يروم تجديد العهد بقيم الحزب العالية، ورواده الشرفاء وعزم على مواصلة خطاهم الواثقة بثبات وإخلاص، حتى تحقيق ما سعوا إليه وناضلوا من أجله. فتحية لذكراهم العطرة، ولذكرى الرفاق الذين لم يبخلوا بجهد وتضحية من أجل قضيتنا الوطنية والاجتماعية العادلة، وهم يرفعون عاليا قيم التقدم والتحرر الوطني من أجل الديمقراطية والسيادة الوطنية.