الجائزة الكبرى لفيلم «هم الكلاب» للمخرج هشام العسري أسدل الستار مساء أول أمس الأحد بدار الثقافة بزاكورة، على فعاليات الدورة العاشرة للمهرجان الدولي للفيلم عبر الصحراء، بفوز الفيلم «هم الكلاب» بالجائزة الكبرى للمدينة. وخلال الحفل الختامي لهذه الدورة، التي نظمت على مدى خمسة أيام، تم تسليم الجائزة الكبرى للمهرجان ( جائزة زاكورة الكبرى) لبطل الفيلم الممثل حسن باديدا. ويحكي الفيلم، لمخرجه هشام العسري في مدة 85 دقيقة قصة رجل «المجهول» الذي قضى في السجن 30 سنة، ليفرج عنه ويجد نفسه في خضم حراك اجتماعي، ليقوم فريق تلفزيوني بصدد إنجاز ربورطاج حول الأحداث الاجتماعية، بمرافقة «مجهول» خلال رحلته للبحث في ماضيه. وسبق لفيلم «هم الكلاب» أن نال جائزة أفضل فيلم روائي طويل في الدورة العاشرة لمهرجان السينما الإفريقية بقرطبة. من جهة أخرى، عادت الجائزة الخاصة بلجنة التحكيم للفيلم المصري « الخروج الى النهار» لمخرجته هالة لوطفي، وجائزة أحسن سيناريو للشريط التونسي « الاستاذ» لمخرجه محمود بن محمود . وشاركت في المسابقة الرسمية للافلام الطويلة تسعة أفلام وهي، «يوم وليلة « للمخرج المغربي نوفل براوي، و»طابور» للمخرج الايراني وحيد وخليفر، و»الاستاذ» لمحمود بن محمود، و» أنا زفيرا» للمخرجة ابولين تراوري من بوركينا فاسو، و» ارض مجهولة» لمانويل دو كوكو ( اليونان / قبرص) و» الخروج الى النهار» للمصرية هالة لوطفي، و» هم الكلاب» للمغربي هشام لعسري، و» ظل البحر» لنواف الجناحي من الامارات العربية المتحدة، و» طعم المطر» لريتشارد باكليبا من ناميبيا . وتكونت لجنة تحكيم المسابقة الرسمية لهذه الدورة، التي ترأسها الكاتب والروائي المغربي الطاهر بن جلون، من ايريك غارانادو المدير السابق للمركز الوطني للسينما والسمعي البصري بفرنسا، والمصرية عزة الحسيني مديرة مهرجان السينما الافريقية بالأقصر والجزائري الطاهر الحوشي المخرج ومدير مهرجان الفيلم الشرقي بجنيف بالاضافة الى الممثلة المغربية فاطمة خير. من جهة أخرى، عادت جائزة لجنة الصحافة والنقد، التي ترأسها علي أوجدنا، للفيلم التونسي «الاستاذ» في حين فاز بالجائزة الخاصة بهذه اللجنة الفيلم «طعم المطر» لريتشارد باكليبا من ناميبيا. أما لجنة السيناريو التي ترأستها الفنانة نعيمة المشرقي، فمنحت جائزتها الاولى لمراد خلو عن سيناريو «عيد ميلاد سعيد» والثانية لمعاد محال عن «اللوح» والثالثة ليونس شغمون عن «قبلة هندية». وأكد مدير المهرجان أحمد شهيد، أن هذه الدورة عرفت نجاحا كبيرا نظرا لقيمة الأفلام الطويلة التي تبارت للظفر بالجائزة الكبرى للمهرجان، مشيرا إلى أن فوز الفيلم المغربي «هم الكلاب» بهذه الجائزة يعد دليلا على قوة وقيمة السينما المغربية. وأضاف أن المهرجان حظي بتتبع مكثف من لدن محبي الفن السابع والإعلاميين والفنانين المغاربة والأجانب، مبرزا أن هذا النجاح يضع على عاتق الطاقم المشرف على التنظيم مسؤولية كبرى للتحضير للدورة المقبلة ابتداء من اليوم . ومن جهته أعرب بطل فيلم «هم الكلاب» الممثل حسن باديدا، في تصريح مماثل، عن سعادته بفوز هذا الشريط بهذه الجائزة، التي تنضاف إلى جوائز أخرى حصل عليها من قبل، مما سيجعل هذا الفيلم ذا قيمة مضافة للسينما المغربية. أما رئيس لجنة تحكيم المسابقة الرسمية الطاهر بنجلون، فأشار إلى أنه تم منح هذه الجائزة لهذا الفيلم المغربي لكون مخرجه توفق في الربط بين الماضي والحاضر وإبراز جزء من تاريخ المغرب الحديث. وأوضح أن الأفلام التسعة المشاركة في المهرجان كانت في مستوى جيد، مما جعل الاختيار بينها يتم بعد نقاش مستفيض بين أعضاء اللجنة التي كانت منسجمة تماما وكان قاسمها المشترك حب السينما. *** قراءة في فيلم هم الكلاب بفم مليان يردّد شعارات مناوئة للنظام تقول، بتكرار لا يجزع: «احتجينا. المعيشة غالية علينا. على التغيير اللي بغينا. الجماهير تقول الحل الوحيد من كل الحلول: تغيير الدستور، تحرير القضاء، تحرير الإعلام، إسقاط النظام». دعوات تتناسل منذ انتفاضة الخبز في العام 1981 حتى احتجاجات 2011، وما تبعها من إعلان ل«حركة 20 فبراير» الناشطة، التي يفتتح لعسري عمله بواحد من اعتصاماتها، امتحنت استقراراً اقتصادياً وهمياً يُغلِّف العطالة الشائعة بين ملايين الشباب، وشرعية سياسية تهادنت مع مدّ إسلاموي للحفاظ على جبروتها، وعمالة لا تجد نصيراً سوى الأرصفة والانتحار حرقاً. هذا ليس فيلماً آخر حول مكيدة الربيع العربي. إنه بيان إيديولوجي بارع، يحارب من أجل رفع ضيوم الغاشم، وفكّ الرّيبة عن الكائن الغَشِيم الذي ارتبط قدره بنزعة مناضل رومانسي، وجد نفسه ضائعاً بين غربة اجتماعية وحقوق مدنية أسقطها القانون من دون وازع. لا يُمكن اعتبار لعسري فقيهاً سياسياً، لكنه يملك، من دون ريب، نوازع مسيّسة تستمدّ رونقها من شجاعته كسينمائي لا يلتفت كثيراً إلى اصطلاحية بناء سينما كسولة. نصّ السيناريو في المقام الأول. استفزازي وغير تقليدي وتدميري. شعّ بمقوّمات سينما نضالية بارت، مغوية بالممنوع والتحريضي. اقترب من بشره كفسلجة، وليست قيماً درامية محنّطة واستعارية. بمعنى أن شخصيات لعسري ترتكب حماقاتها لأن عالمها سافل ومليء بالرزايا والقهر. أجسادها قرابين تتحمّل تعذيباً سيزيفياً أزلياً، كحال البطلة الشابة في باكورته «النهاية» (2011)، المغلولة إلى سلسلة حديدية ملك لكل من أعراف سلطوي فاسد ووحشية لصوص. بطله الجديد ضحية منسية لهذا الشرطي، تواجه ارتباكاتها الذاتية بعد اعتقال ثلاثين عاماً، تدفعه لاحقاً إلى شرب الخمرة بفردة حذائه، ويستمع إلى شتائم نجله: «لماذا عدت؟ أمي تعذّبت معك ومن دونك. أنت لست أبي. مكانك ليس هنا. مكانك القبر». تستكمل هذه المهانات حرية العجوز «مجهول» (حسن باديده) المنقوصة. مواطنيته مقطوعة الجذور. لا يلتفت أحد إليه، ولن يعي هؤلاء الشباب المنتفضون أي كائن مجيد التاريخ يدور أمامهم كمعتوه، جعله شكله المزري صنواً لمنبوذي شوارع معسرة. يترسّم المحارب العتيد في ألفيتنا الثالثة على صورة فرانكشتاين حداثي، أعيد تصنيعه في «سجن تزمامارت» السيىء الصيت. ما يفسّر عناده في الوصول إلى عائلته ورفاق نضال يكتشف أن بعضهم غدره، كحال زوجته التي تعترف: «سامحني، لأنّي ما انتظرتك. إذا بغيت تقتلني أقتلني، لأني خنتك». تستفزّ تصرّفات هذا الرجل الهائم فريقاً تلفزيونياً سعى إلى مكاشفة ماضيه، ومعه الجور المغربي كله. تنطلق معهم رحلة مجنونة في أزقة أكثر أحياء الدارالبيضاء فقراً وعزلة، تكشف عن خراب جماعي، وانحطاطات وجهالات وسفه شوارعيّ يشرحه عنوان الفيلم المأخوذ عن كتابة حائط تقول: «هُمْ الكلاب الذين يتبوّلون». حَوّل لعسري (1977) الكاميرا المحمولة إلى شخصية رئيسة فاعلة، أسّست حركاتها الأكروباتية، التي أشرف عليها مدير التصوير المميّز علي بن جلون. مزاج الفيلم ذو الوتيرة السريعة جعله أقرب إلى سيرك سينمائي، تساير مع التهكّم المرير الذي زخرت به مشاهد كثيرة، لعلّ أشهرها وأكثرها إسقاطاً انتقادياً على الوضع الراهن، معركة الأيادي بين عاهرة وقوّادها أمام بوابة «الاتحاد المغربي للشغل»، إثر سؤال يوجّهه المذيع إلى الأولى حول رأيها بشأن الربيع العربي، فتجيب: «يشبه جنون البقر وإنفلونزا الطيور»، قبل أن تضيف أنهم محاطون ب«همج، نصف بوليس ونصف ملتحين».