«الوشاح الأحمر» صرخة سينمائية لتسليط الضوء على مأساة إنسانية يدخل المخرج السينمائي محمد اليونسي بلاطوهات التصوير، خلال شهر نونبر الجاري، بكل من مدن وجدة، جرادة وتازة، في الجهة الشرقية للمملكة المغربية، للشروع في تحريك الكاميرا لإنجاز فيلمه الجديد الموسوم ب «الوشاح الأحمر»، وهو شريط روائي مطول من بطولة كل من كريم السعيدي، محمد بسطاوي، نورة القريشي، يسرى طارق، حسنة الطمطاوي، جمال الدين دخيسي، فريد الركراكي، محمد الشوبي، سعيد أيت باجا، عماد فجاجي.. وآخرون. ويتطرق مضمون الشريط الجديد لمحمد اليونسي، الذي كتب سيناريو الفيلم إلى جانب الجيلالي فرحاتي، لموضوع غير مسبوق في السينما والدراما المغربية، ويتعلق الأمر بمأساة المغاربة المرحلين من الجزائر إبان ما كان يعرف بفترة حرب الرمال، حيث وقع تشتيت عائلات مكونة من مواطنين جزائريين ومغاربة، ولعل هذا الموضوع ذا الطابع الإنساني المحض، يكتسي اليوم أهمية قصوى بالنظر لطبيعة الظرفية التي تجتازها العلاقات المغربية الجزائرية، بحيث كان ولا يزال ينطوي على حساسية كبرى.. وعرف ولا يزال يعرف تداعيات إنسانية ومجتمعية آخرها التجاء المتضررين المغاربة إلى المحكمة الوطنية الإسبانية ضد عدد من المسؤولين الجزائريين الكبار لتصفية وتسوية أوضاعهم الأسرية المأساوية.. من بينهم الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة الذي كان يتحمل خلال عملية الطرد حقيبة وزارة الخارجية، ووزير الداخلية الحالي دحا ولد قابلية الذي كان يتحمل المسؤولية على رأس مدينة وهران.. لأن «ما تعرض له أزيد من 45 ألف عائلة يوم عيد الأضحى من سنة 1975 من طرد تعسفي جماعي وما رافق ذلك من ممارسات، يندرج ضمن لائحة جرائم ضد الإنسانية»، كما صرح بذلك السيد محمد الهرواشي رئيس جمعية الدفاع عن المغاربة ضحايا الترحيل التعسفي من الجزائر، للصحافة في شهر أكتوبر 2013. وتدور قصة الشريط الجديد لمحمد اليونسي حول مأساة زوجين (لويزا من الجزائر ولحبيب من المغرب) فرقتهما الآلة العسكرية الجهنمية بالجزائر وعاشا بعيدين عن بعضهما ما تبقى لهما من حياتهما.. وتبدأ الحكاية من حالة «لحبيب»، الذي ينتظر مولودا جديدا، وهو عائد من السوق بعد أن اقتنى بعض الحاجيات بطلب من الممرضة التي تشرف على زوجته في المستشفى.. وبينما هو في الطريق للمستشفى، فرحا بالحاجيات التي اقتناها للمولود الجدبد، يوقفه أحد العساكر في مفترق الطرق، يستفسره عن هويته، فيكتشف أن «لحبيب» مغربي الجنسية، فيلقي عليه القبض ويضعه في شاحنة عسكرية ثم يتم طرده عبر الحدود البرية. وهنا تبدأ معاناة زوجين كان يجمعهما الحب وفرقت بينها الحرب.. زواج «لحبيب» المغربي من «لويزة» الجزائرية ابنة أحد رجالات المقاومة، كان عربون محبة من والدها له، لما كان يقدمه من مساعدات للمقاومة الجزائرية وذلك بإدخال السلاح من وجدة إلى الجزائر. تشاء الصدف أن ينتظر «لحبيب» مولوده في اليوم الذي ستقوم فيه الحرب بين المغرب والجزائر، فيسقط في يد العسكر الذين يُهَجِّرون كل مغربي صادفوه في طريقهم، فتبدأ رحلة المعاناة مع «لحبيب» الذي يُهَجَّر قسرا إلى المغرب، حتى دون أن يرى مولوده الجديد.. تتوالى الأحداث ليعيش «لحبيب» أقسى درجات المعاناة مع محاولاته المتكررة من أجل الرجوع إلى الجزائر ليرى مولوده وزوجته.. وفي الضفة الأخرى تعيش زوجته «لويزة» نفس المعاناة التي لا تقل مأساوية وقساوة من شدة محنة فراق زوجها وما سيترتب عن ذلك من مضايقات يومية من «الهواري» (أحد الأعيان المقربين من السلطة) الذي يستغل غياب «لحبيب» من المنزل، ويتحرش بلويزة. ويقول المخرج والسيناريست محمد اليونسي عن فيلمه الجديد «الوشاح الأحمر» إنه «يحاول من خلال قصة زوجين عاديين من المغرب والجزائر، عانيا من الفصل القسري، تسليط الضوء على المعاناة والتشرد التي تسببه الحروب»؛ مضيفا أن «الحلم بالتلاقي المنتظر بين الأب والابن والإخوة والأزواج والزوجات وبين أبناء العم والأقارب، كلها آمال تبقى معلقة على تخطي حدود هي في الأصل عبارة عن خيط رفيع من ماء أو سلك.. وهاته حالات مماثلة لكثير من الناس في أجزاء مختلفة من العالم.».. الاستياء والعنف والمؤامرات «فاكهة متسممة» لقرارات سخيفة، ولهذا فسيناريو هذا الفيلم، يؤكد اليونسي، هو عبارة عن صرخة عميقة من النفس البشرية لإنهاء المصائر المأساوية للإنسان. والحروب في الأصل نزاعات، غالبا ما تكون مبنية على أسباب إديولوجية، اقتصادية، دينية، عنصرية أو عرقية.. ومهما تعددت أسبابها فهي في الحقيقة لا تسبب سوى مآسي للشعوب وللإنسان البسيط. وتجدر الإشارة إلى أن الفنان محمد اليونسي سبق أن أخرج فيلمين سينمائيين روائيين مطولين، أحدهما بعنوان «بنيكس» سنة 2012 والآخر بعنوان «ألو 15» سنة 2009، بالإضافة إلى إخراجه لعدة أشرطة قصيرة منها «أب وابن» و»زيارة ليلية» و»الحبق»، و»بروطكان» و»أمل» و»أهذه هي الحياة؟» وكلها أنتجت سنة 2006، وشريط «الدمية» و»مسافر..» و»المطرقة والميدالية» سنة 2005.. فضلا عن إخراجه لعدد من الأفلام الوثائقية والأغاني المصورة (كليبات) وإنجازه لعروض استعراضية لبعض المهرجانات، وكتابته لمجموعة من السيناريوهات، بالإضافة إلى إنتاجه لعدد من الأفلام التلفزيونية ومشاركته في التمثيل في السينما والمسرح..