محطة جديدة في مسار تظاهرة تحتل واجهة المشهد الثقافي عربيا وإفريقيا شهد المغرب خلال العقدين الأخيرين حراكا ثقافيا كان من بين تجلياته دعم وترسيخ سياسة سينمائية وطنية حقيقية، أفرزت العديد من الإنتاجات الفنية في مجال الفن السابع التي انتزعت لها مكانة و حصلت على الجوائز والاستحسان في العديد من المهرجانات العربية والدولية ....كما تم تكريم السينما المغربية الناشئة والاحتفاء بها في العديد من المحطات... ومنذ عقدين ايضا دأب المغرب على تنظيم العديد من المهرجانات والتظاهرات السينمائية تحت مسميات مختلفة و بتيمات متنوعة أبرزها مهرجان مراكش الدولي للفيلم الذي يقام بعد حوالي شهر من الآن. وقد استطاع هذا المهرجان الكبير، بعد عقد من الزمن ونيف، أن يحتل واجهة المشهد الثقافي عربيا وإفريقيا معلنا عن وجوده كتظاهرة دولية لا تقل عن بعض أبرز المهرجانات السينمائية العالمية ذات الصيت الكبير، بالنظر للجدية الكبيرة التي تميزه، ومستواه التنظيمي وانتقائية برمجته، دون الحديث عن مستوى النجوم وصناع السينما من العيار الثقيل الذين يستدعي إليه دورة بعد أخرى، ولعل مهرجان مراكش الدولي للفيلم يكتسب مصداقيته وتميزه عن باقي التظاهرات السينمائية باعتباره منتدى لمناقشة الأفكار الجديدة، التي تذهب إلى أنماط تجديدية في السينما وتظاهرة للتواصل والنقاش بين المتخصصين في الشأن السينمائي عالميا ووطنيا. والجدير بالذكر أن المهرجان المغربي الكبير قد بنى صيته على الترابط الوثيق بين الانفتاح سينمائيا على العالم ودعم الفعل السينمائي وطنيا مع ما رافق ذلك من تطور في الذهنية المغربية من خلال ما يخص الوعي المعرفي السليم بأهمية الفعل الثقافي للصناعة السينمائية في المغرب التي صارت سمتها الأساسية الجرأة ، الاستقلالية والتميز وغزارة الإنتاج سنويا مستفيدة من سياسة الدعم التي تم سنها للدفع بالفن السابع إلى مراتب متقدمة. المهرجان أعلنت إدارة المهرجان، في وقت سابق، ان الدورة الثالثة عشر ستتضمن تكريما للسينما الاسكندينافية، التي لا يعرف المشاهد المغربي عنها الشيء الكثير ما سيشكل فرصة جيدة للاكتشاف و ل»تسليط الضوء على الروابط المشتركة بين أضواء الشمال والنجوم الساطعة بالمغرب». وسيتميز برنامج التكريم، الذي سينطلق ليلة الأربعاء 4 دجنبر، بحضور وفد مكون من ممثلين ومخرجين ومنتجين اسكندينافيين، برئاسة المخرج الدنماركي بيل أوغوست الحاصل مرتين على جائزة «السعفة الذهبية» بمهرجان «كان»، عن فيلميه «بيلي الفاتح» و»أفضل النوايا». ومن المنتظر أن يترأس صديق المغرب وصديق المهرجان المخرج العالمي الكبير مارتن سكورسيزي لجنة تحكيم الأفلام الطويلة، وسبق للمهرجان أن كرم المخرج الأمريكي سكورسيزي سنة 2005 بمنحه وسام الكفاءة الفكرية من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، اعترفا بجدارته الفكرية، فيما حرص منظمو المهرجان آنذاك، على مشاركة مجموعة «ناس الغيوان» في تنشيط فقرات التظاهرة، احتفاء وتكريما لهذا المخرج المتميز، الذي كان أطلق على المجموعة الشهيرة لقب «رولينغ ستون أفريقيا والعرب»، بعد أن تعرف على موسيقاها عام 1981، وظل يداوم على الإنصات إليها منذ ذلك الوقت. وعاد سكورسيزي إلى مراكش، خلال الدورة السابعة للمهرجان، حيث حضر بساحة جامع الفنا عرض فيلم «الطيار»، مرفوقا بالنجم العالمي ليوناردو دي كابريو. كما عاد سكورسيزي، بمناسبة الدورة العاشرة، إلى المدينة الحمراء، حيث سلم الممثلة الشهيرة كاثرين دونوف نجمة تكريم السينما الفرنسية. وقال سكورسيزي، في كلمة بالمناسبة، «أنا سعيد بوجودي، مرة أخرى في مراكش، هذه المدينة التي أعشقها». وتحدث عن مهرجان مراكش فوصفه ب«الرائع». وتجمع صاحب «الثور الهائج» علاقة حب عميقة بالمغرب، حيث صور به فيلمه الشهير «الإغراء الأخير للمسيح» سنة 1988، وفيلم «كوندون» سنة 1995 باستوديوهات الأطلس بورزازات. كما كان لسكورسيزي الفضل في اختيار فيلم «الحال»، الذي يوثق لمسار مجموعة ناس الغيوان الذي أخرجه أحمد المعنوني، لإعادة ترميمه. ويؤكد اختيار سكورسيزي رئيسا للجنة التحكيم مواصلة مهرجان مراكش إصرار المهرجان على الاعتماد على كبار المخرجين العالميين لترؤس لجن تحكيمه، إذ سبق للمخرج وكاتب السيناريو والمنتج البريطاني جون بورمان أن ترأس لجنة تحكيم الدورة ال12، والمخرج الصربي أمير كوستوريكا لجنة تحكيم الدورة ال11 للمهرجان، فيما ترأس المخرج الأميركي جون مالكوفيتش لجنة تحكيم الدورة العاشرة، بينما ترأس المخرج الإيراني عباس كياروستامي لجنة تحكيم الدورة التاسعة، والمخرج الأميركي باري ليفنسون لجنة تحكيم الدورة الثامنة، والمخرج التشيكي ميلوش فورمان لجنة تحكيم الدورة السابعة، والمخرج البولوني رومان بولانسكي لجنة تحكيم الدورة السادسة، والمخرج الفرنسي جون جاك أنو لجنة تحكيم الدورة الخامسة، والمخرج البريطاني ألان باركر لجنة تحكيم الدورة الرابعة، والمخرج الألماني فولكر شلوندورف لجنة تحكيم الدورة الثالثة، والممثلة الفرنسية جان مورو لجنة تحكيم الدورة الثانية، والممثلة الإنجليزية شارلوت رامبلين لجنة تحكيم الدورة الأولى. تكريم تؤكد مبادرة تكريم السينما الاسكندينافية، خلال دورة هذه السنة، إصرار منظمي المهرجان على هذا التوجه النوعي وهو اختيار رافق الدورات التسع الأخيرة للمهرجان، عرفت تكريم السينما المغربية (2004)، والسينما الإسبانية (2005)، والسينما الإيطالية (2006)، والسينما المصرية (2007)، والسينما البريطانية (2008)، والسينما الكورية الجنوبية (2009)، والسينما الفرنسية (2010)، والسينما المكسيكية (2011)، ثم السينما الهندية (2012). في زمن الصورة والحركة والتطوّر التقني الهائل، الذي أفاد السينما كثيراً، يعتبر مهرجان مراكش الدولي التظاهرة الثقافية الدولية التي تنأى عن كل الخلافات والاعتبارات بغية التركيز على قضية كبيرة واحدة، هي السينما؟