بنخضرة تستعرض تقدم إنجاز خط أنبوب الغاز إفريقيا-الأطلسي بواشنطن    قمة الدول العربية الطارئة: ريادة مغربية واندحار جزائري    منع مشجعي اتحاد طنجة من مباراة المغرب الفاسي    مانشستر يونايتد يدخل التنافس على خدمات نايف أكرد    أفضلية إنجليزية وتفوق واضح للضيوف في ذهاب ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا    فصل تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان    اتفاقية شراكة بين وكالة بيت مال القدس ووزارة التنمية الاجتماعية الفلسطينية للتكفل بالأيتام والأطفال مبتوري الأطراف ضحايا الحرب على غزة    شركة لإيلون ماسك تفاوض المغرب لتوفير الإنترنت عبر الأقمار الصناعية في الصحراء المغربية    إيرلندا تدعم جهود المبعوث الأممي    الأداء السلبي ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    توقعات نشاط قطاع البناء بالمغرب    أخبار الساحة    الكاف: إبراهيم دياز السلاح الفتاك لأسود الأطلس وريال مدريد!    تأجيل العطلة البينية بين مرحب ورافض    تساقطات ثلجية وزخات مطرية قوية مرتقبة اليوم الخميس بعدد من مناطق المملكة    طنجة تتصدر مقاييس الأمطار بالمغرب    ارتفاع عدد ضحايا حادثة السير المروعة على الطريق الساحلي باتروكوت    تأجيل ملف الطفلة "ملاك" إلى 13 مارس وسط مطالب بحريتها    قصص رمضانية...قصة الصبر على البلاء (فيديو)    سكينة درابيل: يجذبني عشق المسرح    الملك يهنئ رئيس غانا بالعيد الوطني    السمنة تهدد صحة المغاربة .. أرقام مقلقة ودعوات إلى إجراءات عاجلة    عائلات محطمة بسبب مآسي الهجرة سباحة إلى سبتة مع تزايد أعداد المفقودين    "مرجع ثقافي يصعب تعويضه".. وفاة ابن تطوان الأستاذ مالك بنونة    الفاتنة شريفة وابن السرّاج    حملات مراقبة بالأسواق والمحلات التجارية بأربعاء الساحل بإقليم تزنيت    "كونفدرلية المقاولات الصغرى" تحذر من غياب الشفافية في صرف الدعم الحكومي للمقاولات    مؤشر الإرهاب العالمي 2025    تسرب الغاز في حقل "تورتو أحميم" يهدد مستقبل مشروع ضخم بين موريتانيا والسنغال    السعودية تدعم مغربية الصحراء وتعتبر مبادرة الحكم الذاتي حلا وحيدا لهذا النزاع الإقليمي    كأس العرب قطر 2025 في فاتح ديسمبر    خبير يدعو إلى ضرورة أخذ الفئات المستهدفة للتلقيح تجنبا لعودة "بوحمرون"    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    تضامنا مع حراس الأمن المضربين ببني ملال.. نقابة تحتج للمطالبة بإنهاء معاناتهم    إحباط تهريب مخدرات على متن شاحنة في الميناء المتوسطي    بريظ: تسليم مروحيات أباتشي يشكل نقلة نوعية في مسار تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والولايات المتحدة    تقارير تنفي اعتزال اللاعب المغربي زياش دوليا    البيض ماكلة الدرويش.. تا هو وصل لأثمنة غير معقولة فعهد حكومة أخنوش.. فين غاديين بهاد الغلاء؟ (فيديو)    المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني يعقد اجتماعا برئاسة شي جين بينغ لمناقشة مسودة تقرير عمل الحكومة    أمطار رعدية في توقعات طقس الخميس    قمة أوروبية طارئة بمشاركة زيلينسكي على ضوء تغير الموقف الأمريكي بشأن أوكرانيا    اليابان.. قتيل وجريحان في انفجار بمصنع لقطع غيار السيارات    المغرب حصن عزة وتلاحم أبدي بين العرش والشعب أسقط كل المؤامرات    أوزين: عدم التصويت على قانون الإضراب مزايدة سياسية والقانون تضمن ملاحظات الأغلبية والمعارضة    الأمم المتحدة تحذر من قمع منهجي لنشطاء حقوق الإنسان في الجزائر    صرخة خيانة تهز أركان البوليساريو: شهادة صادمة تكشف المستور    لهذه الاسباب سيميوني مدرب الأتليتيكو غاضب من المغربي إبراهيم دياز … !    وزارة الصحة : تسجيل انخفاض متواصل في حالات الإصابة ببوحمرون    عمرو خالد: 3 أمراض قلبية تمنع الهداية.. و3 صفات لرفقة النبي بالجنة    مسؤول يفسر أسباب انخفاض حالات الإصابة بفيروس الحصبة    «دلالات السينما المغربية»:إصدار جديد للدكتور حميد اتباتويرسم ملامح الهوية السينمائية وعلاقتهابالثقافة والخصائص الجمالية    «محنة التاريخ» في الإعلام العمومي    القناة الثانية تتصدر المشهد الرمضاني بحصّة مشاهدة 36%    أمن طنجة يحقق في واقعة تكسير زجاج سيارة نقل العمال    مكملات غذائية تسبب أضرارًا صحية خطيرة: تحذير من الغرسنية الصمغية    عمرو خالد يكشف "ثلاثية الحماية" من خداع النفس لبلوغ الطمأنينة الروحية    في حضرة سيدنا رمضان.. هل يجوز صيام المسلم بنية التوبة عن ذنب اقترفه؟ (فيديو)    عمرو خالد: هذه أضلاع "المثلث الذهبي" لسعة الأرزاق ورحابة الآفاق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



‎مقال أدبي
نشر في بيان اليوم يوم 25 - 10 - 2013


‎في مديح الكلام
(1)
قيل الكثير من الكلام في مديح الصمت، وصار من المأثورات الذهبية قولهم: إذا كان الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب. وقديماً قال الخطيب الجاهلي المفوّه أكثم بن صيفي: الصمت منجاة.
لكن الصمت ليس سوى صورة لانقطاع اللذة وانسداد الرجاء، وفي أحسن أحواله لوذ بأوقية وقاية. أما الكلام فذروة إنسانية لا توازيها إلا ذروة الصمت عندما يكون أبلغ من كلام. تقدس الكلام. فلولاه لما سمعنا كلام الله:القرآن، ولما حلقنا في ذرى شاهقة مع كلام خير الأنام، وحكميات المتنبي، ولا انتشينا حد الثمالة بخمريات أبي نواس، ولا هسهسات النخيل تحدث الرياح ولا خرير المياه يوشوش الأرض. إذن فالكلام تجلّ، والصمت أفول.
لعل مديح الصمت معادل موضوعي لمديح الأفول. فهل جرّبنا أن نجعل من الأفول لذة كمن يراقب خفوت شمس تغطس في الماء تتمزق على سطحه فيغسلها حد التلاشي؟ هكذا هو الصمت. جدار ماحل تتراءى فيه بقايا بقع قديمة.
(2)
الكلام غير القول، وتفرق العرب بينهما بأن الكلام ما كان مكتفياً بنفسه، وهو الجملة، والقول ما لم يكن مكتفياً بنفسه، وهو الجزء من الجملة إذن فالكلام تمام. واكتمال. ومن إجلاله لدى العرب، أن سموا علماً من علومهم بعلم الكلام وهو علم يستخدم المنطق والجدل للدفاع عن الدين. وأهم القضايا التي عالجها علم الكلام هي: صفات الله، الإرادة الإنسانية، القرآن الكريم. أما أشهر الفرق الكلامية فهي المعتزلة والأشعرية.
ويميز علماء اللسانيات بين اللغة والكلام، كما في نظرية فردينان دو سوسير، فثنائية اللغة – الكلام من المبادئ التي ضمّنها دوسوسير نظريته الوصفية البنيوية، فالكلام ظاهرة شخصية وسلوكٌ فردي خاص، بينما اللغة ظاهرة اجتماعية عامة لأن اللغة شيء مجَرَّد و مستقلّ عن المتكلّم عكس الكلام الذي يتوقّف على إرادة المتكلّم و ذكائه.
(3)
وللكلام لدى الشعراء العرب تجليات شفيفة، فقديماً قال كثير عزة:
لو يسمعون كما سمعتُ كلامها خرّوا لعَزّةَ ركّعاً.. وسجودا
وحديثاً قال أحمد شوقي في رائعته ( ياجارة الوادي) التي صدحت بها فيروز:
وتعطلت لغةُ الكلام وخاطبت ..عينيّ في لغة الهوى عيناك
لكن للكلام عند نصر بن سيّار، ارتباطاً بالحرب، دلالةً على أن للكلام سلطته التي تؤدي إلى مصائر، و مآلات قاسية أحياناً كما في أبياته الشهيرة:
أرى خلل الرماد وميض نارٍ ويوشك أن يكون لها ضرامُ
فإِنْ لَمْ يُطْفِهِ عُقَلاءُ قَوْمٍ فإِنَّ وَقُودَهُ جُثَثٌ وهامُ
فإن النار بالعودَين تُذكَى وإن الحرب أولها كلامُ
(4)
ولئن قال سقراط: تكلم حتى أراك. وهي إشارة من الفيلسوف القديم دالة على أن الكلام هو الإنسان، قيمةً وسِيما، فلعل من طريف ما يذكر في سياق الكلام والصمت، ما حدث لأبي حنيفة النعمان وهو بين تلامذته، وبينما هو يعطي الدرس مادّاً قدميه إلى الأمام بسبب آلام في الركبة، إذ جاء إلى المجلس رجل عليه أمارات الوقار والحشمة. فقد كان يلبس ملابس بيضاء نظيفة ذو لحية كثة عظيمة فجلس بين تلامذة الإمام. فما كان من أبي حنيفة إلا أن عقص رجليه إلى الخلف ثم طواهما وتربع تربع الأديب الجليل أمام ذلك الشيخ الوقور، وقد كان يعطي درساً عن دخول وقت صلاة الفجر. وكان التلامذة يكتبون ما يقوله الإمام وكان الشيخ الوقور أو ضيف الحلقة يراقبهم وينظر إليهم من طرف خفي.
‎ فقال لأبي حنيفة دون سابق استئذان: يا أبا حنيفة إني سائلك فأجبني. فشعر أبو حنيفة أنه أمام مسؤول رباني ذو علم واسع واطلاع عظيم فقال له : تفضل واسأل،
فقال الرجل: أجبني أن كنت عالما يُتَّكل عليه في الفتوى، متى يفطر الصائم ؟ ظن أبا حنيفة أن السؤال فيه مكيدة معينة أو نكتة عميقة لا يدركها علم أبي حنيفة. فأجابه على حذر: يفطر إذا غربت الشمس فقال الرجل بعد إجابة أبي حنيفة ووجهه ينطق بالجدِّ والحزم والعجلة، وكأنه وجد على أبي حنيفة حجة بالغة وممسكاً محرجاً: وإذا لم تغرب شمس ذلك اليوم يا أبا حنيفة فمتى يُفطر الصائم؟
وبعد أن تكشّف الأمر وظهر ما في الصدور وبان ما وراء اللباس الوقور، قال أبو حنيفة قولته المشهورة التي ذهبت مثلاً وقد كُتِبَتْ في طيات مجلدات السِّيَر بماء الذهب: آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه.
(5)
الكلام في أعلى تجلياته ليس مجرد كلام، أو كما يسمى استهجاناً، كلامولوجيا، فرُبّ كلامٍ أبلغ من صمت، ورُبّ صمتٍ أبلغ من كلام، ولعل مديح الكلام، في سياق كهذا، هو رديف موضوعي لمديح الصمت، لكن لكل منهما تجليه الذي يعليه في مقامات المديح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.