يكثر في مثل هذه الأيام بالذات الحديث عما يسمى الدخول الثقافي، وبات من المألوف أن تطل بعض الأقلام برؤوسها الحادة لتعلن عن تذمرها من غياب احتفاليات الدخول الثقافي في بلدنا، إلى حد أن هناك من تساءل باستنكار: الدخول الثقافي بأي شيء؟ هناك في واقع الأمر من يحلو له أن ينشد أغنية الأزمة، ويجد في هذا الوقت بالذات ( نهاية الصيف) فرصة سانحة لشتم كل ما يدب على الأرض، من أجل إظهار عدم رضاه على الوضع الثقافي ببلادنا؛ ففي مخيلته أن هذه الفترة، ما دامت ترتبط بالدخول السياسي والاجتماعي والدراسي؛ فيجب أن ترتبط كذلك بالدخول الثقافي. من جديد، يتم استحضار الغرب أو الدول المتحضرة؛ لإبراز الفرق بيننا وبينهم، عدد الكتب الصادرة بهذه المناسبة لديهم تعد بالمئات، بينما نحن لا شيء تقريبا، إلى غير ذلك من الأمثلة التي تعكس الدخول الثقافي. الكثير من المقالات كتبت مطلع الشهر الجاري حول موضوع الدخول الثقافي، وأغلبها يصب في الاتجاه ذاته، وهو أن بلدنا يفتقر إلى الدخول الثقافي، على خلاف الدول المتحضرة. لكن ماذا يسمى الحراك الذي يقام خلال شهر فبراير من كل سنة، بهذا البلد الجميل حقا؟ ألا يشكل دخولا ثقافيا فعليا؟ ففي هذا الشهر ينظم معرض دولي للكتاب والنش (الدورة العشرون ستقام في الفترة ما بين 13 و23 بالضبط) وتتنافس دور النشر المغربية في عرض جديد إصداراتها في شتى ضروب المعرفة والإبداع، وتقام لقاءات فكرية وأدبية عديدة، ويجري الاحتفاء بالكثير من رموزنا الثقافية، الأحياء منهم والأموات على حد سواء، وتفي وزارة الثقافة بوعدها في إغناء المكتبة المغربية بإصدارات جديدة: إبداع، فكر، نقد، مجلتان وازنتان: إحداهما تسمى «المنهل»، والأخرى عنوانها «الثقافة المغربية»، إلى آخر القائمة، تفي الوزارة بوعدها كذلك في نشر بعض السلسلات، من قبيل: كتاب «الأعمال الكاملة» التي تحتفي بالأسماء المقتدرة، وسلسلة «الكتاب الأول» التي تهدف إلى تشجيع الأقلام المبتدئة والواعدة. اتحاد كتاب المغرب وبيت الشعر ومختلف مكونات مجتمعنا المدني تنخرط في هذه الدينامية الثقافية. الحراك الثقافي الذي يقام في شهر فبراير من كل سنة، هو حراك ثقافي حقيقي، هذا الحراك هو بمثابة دخول ثقافي، لكن هناك من يصر على القول إن الدخول الثقافي يكون في شتنبر أو أكتوبر، وكأن الأمر يتعلق بكتاب منزل ومقدس. فبما أن الدخول الثقافي في الدول المتحضرة (يتم دائما التشديد على هذه العبارة للإمعان في إبراز أننا متخلفون) يتحدد في هذا التاريخ؛ فعلينا نحن كذلك أن نحتفل بالدخول الثقافي في التاريخ ذاته، وهذا الأمر لا يعدو أن يكون مزايدة من لدن المولعين بإنشاد أغنية الأزمة. السؤال الذي يظل مغيبا، عند حلول الدخول الثقافي ببلادنا في شهر فبراير من كل سنة، هو مدى مواكبة الإعلام لهذا الحراك، ومدى تفاعل المواطنين معه. الملاحظ أن الإعلام ببلادنا، خصوصا ما يتعلق منه بالسمعي البصري، لا يولي هذه المناسبة ما تستحقه من المتابعة؛ فبالرغم من أن تلفزتنا تضم قناة تحمل اسم «الثقافية» هي الرابعة، يفترض أن تهتم بالثقافة بشكل رئيسي؛ فإنها لا توثق ولا تنقل مختلف الأنشطة التي تقام بمناسبة الدخول الثقافي، ففي بلد عربي شقيق، هو مصر على سبيل المثال، نشاهد كيف أن قناتهم الثقافية تبث بشكل مباشر اللقاءات الفكرية والأدبية التي تقام بمعرضهم الدولي الخاص بالكتاب والنشر، وهذا ما ينبغي أن يكون؛ فبما أنه تتم العناية ببث مباشر لمقابلات رياضية، فما المانع من بث لقاء فكري أو أدبي بشكل مباشر كذلك؟ لعل ذلك يعد مقياسا حقيقيا لحرية التعبير، أخذا بعين الاعتبار أنه خلال المباشر، تمر أشياء يفترض أن تكون عرضة لنزوات المقص في البرامج المسجلة. الأدهى من ذلك أن الأنشطة الثقافية التي تقام ببلادنا لا يتم بثها سواء بكيفية مباشرة أو غير مباشرة، وعادة ما يتم الاكتفاء بنقل لقطات خاطفة من هذا الحفل أو ذاك. هناك رؤوس لا تزال تتهيب من الفعل الثقافي. وعندما تسمع كلمة مثقف، تسارع إلى إخراج مسدسها، على حد تعبير أحد وزراء الديكتاتور هيتلير. المغرب يشهد دخولا ثقافيا سنويا، صحيح أنه لا يقام في شتنبر أو أكتوبر، مثل العديد من البلدان، لكنه على كل حال يتم تنظيمه، بالضبط في شهر فبراير، مع انطلاق فعاليات المعرض الدولي للكتاب، ومع انطلاق العروض المسرحية الجديدة.. لكن البعض يرفضون هذا التوقيت ويصرون على القول إن الدخول الثقافي له موعد سنوي متعارف عليه وينبغي بالتالي مراعاته.