نص مسرحي من نوع المسرح النفسي.. يسعى إلى التركيز على ما يعتمل داخل النفس البشرية قدم محترف الثقافة والفن بسلا ضمن فعاليات المهرجان الوطني للمسرح وضمن المسابقة الرسمية مسرحية: «من يخاف فيرجينيا وولف» للكاتب المسرحي الأمريكي إدوارد ألبي. حملت توقيع المخرج الشاب خالد جنبي الذي سبق وأن أمتع الجمهور المغربي قبل سنوات قليلة مضت بمسرحية «أمر» التي وقعت على حضور لافت في المهرجان الدولي للمسرح التجريبي بالقاهرة. بداية أعتقد أنه لا يمكن فهم النص المسرحي خاصة هذا النص خارج السياقات التي أنتجته، سيما فيما يتعلق بصاحبه. معلوم أن إدوارد ألبي قد تبنته أسرة غنية وفرت له كل سبل الحياة السعيدة، لكنه لم يحس يوما بالانتماء إلى تلك الأسرة وفكر غير ما مرة في الهرب منها.. وكان السبب في مقته لهذا الوسط كونه وسط يكذب على نفسه وأنه يعيش ومعه المجتمع الأمريكي أزمة أخلاقية وسياسية وفكرية.. تعد مسرحية من يخاف فيرجينيا وولف المسرحية الطويلة الأولى لألبي.. وحين عرضت لأول مرة حققت نجاحا جماهيريا واسعا نالت على إثره جائزة دائرة النقد والدراما بأمريكا، كأحسن مسرحية عرضت في موسمها.. بل إنها تحولت إلى فيلم سينمائي، وحققت نفس النجاح سالف الذكر.. وعليه فالمسرحية بصيغة ما تعتبر واحدة من روائع المسرح العالمي في القرن العشرين.. من هنا فلفريق العمل مبرراته في اختيار هذا النص لما يشكله من إرث في ريبيرتوار المسرح العالمي من جهة.. ومن جهة أخرى كون النص في حد ذاته يعتبر علامة بارزة في كتابات إدوارد ألبي الذي اختصره الكثيرون في مسرحية «قصة حديقة الحيوان».. فالفرقة إذن سعت في اختيارها إلى تعريف المسرحيين والجمهور بتجربة أخرى من التجارب المسرحية العالمية.. وبعيدا عن التقييمات الأخلاقية التي حاولت عبر النقاشات الهامشية التي أثرتها مع البعض.. والتي رأت في المسرحية خروجا عن الثقافة والتقاليد المغربية على اعتبار أن جل أطوارها تتم في مشرب ببيت الشخصيتين الرئيسيتين.. وتتناسل أحداثها وتتصاعد على إيقاع الشرب لتنهي في الأخير بالخلاص وتحرير الزوجين من ثقل الماضي الذي يجثم عليهما.. وللأسف الشديد فالكثيرون.. ولعجزهم عن قراءة العرض جماليا.. رفعوا لواء الأفلاطونية وراحوا يطردون العرض من جمهوريتهم التي لا يقيم فيها إلا النوع الذي يرضي جهلهم وغباءهم.. يعتبر عنوان النص المدخل الأساسي لقراءته وفهمه.. فهو ليس مجرد حلية أو زينة.. بل خطاب مفكر فيه ومقصود.. يشكل العلامة التي يواجهها المتلقي ويرسم انطباعا أوليا على العرض.. هذا الانطباع سرعان ما يتضح أكثر من المشاهدة/ القراءة. فالعنوان بهذا المعنى؟.. سلطة النص وواجهته الإعلامية.. وفي الوقت نفسه الجزء الدال منه قبل كشفه.. إذ يساهم في تفسير النص/ العرض وتفكيك غموضه.. فهو المفتاح والبوابة التي تفتح عوالم الأثر سيميائيا. من هنا فإن إدوارد ألبي لم يضع عنوان نصه اعتباطا.. كما أن الفرقة لم تحافظ عليه اعتباطا أيضا.. بل قصدا معا أن يشكل مدخلا لفك رموز النص/ العرض. «من يخاف فرجينيا وولف».. هذا هو العنوان الذي انتقاه ألبي لنصه المسرحي.. وهو نفسه العنوان الذي حافظ عليه المخرج خالد جنبي.. وأياً كان الأمر فالمؤلف لا يضع عنوانه اعتباطاً، بل يتقصد من ورائه مزيداً من الدلالات والإضاءات التي تساهم في فك رموز نصه سواء أكان ذلك في صياغته وتركيبه أم في دلالته، وتعالقه بالنص اللاحق. ويبقى أول سؤال يمكن أن يتبادر للذهن.. لماذا أقحم ألبي فرجيينا وولف في عنوانه.. مع أنه لا يحيل عليها إلا من خلال الأغنية التي ترددها الشخصيات؟.. معلوم أن فرجيينا وولف روائية انتحرت بسسب مشاكلها النفسية التي فسرها البعض باغتصابها في صغرها من قبل أخيها.. وعجزها عن خلق علاقة جنسية عادية مع رجل.. بل إن البعض اعتبرها سحاقية من خلال علاقتها مع أختها أو صديقتها.. على أي ففرجينيا تعتبر المثال والرمز للموت بسبب المشاكل النفسية العالقة بالشخصية والتي إذا لم تعالج قد تؤدي في آخر المطاف إلى الانتحار والموت.. فالخوف إذن من فيرجينيا هو خوف من مصيرها.. وعليه فالشخصيات خاصة مارثا.. تخاف من الموت الذي قد يكون رمزيا.. مع العلم أنها ميتة بشكل ما.. مادامت عاقرا غير قادرة على الإنجاب والعطاء.. لذلك فهي تخلق بمعية زوجها قصة الولد الغائب الذي سيحضر قريبا حتى تمنح لنفسها مبرر الحياة.. إلا أنها ومع التحاق الضيفين.. تتناسل الأحداث التي يلعب فيها الشرب دورا هاما إذ ينقل الشخصيات خاصة مارثا من حالة الكمون والصمت إلى حالة الاعتراف والبوح.. بل يصل بها إلى حد فضح زوجها بعجزه الجنسي وخيانته.. إن مارثا، ولعجزها على الإنجاب.. وحتى تعطي لنفسها الوجود الذي تستمده من أنوثتها أولا ومن سلطة والدها كرئيس للجامعة.. لا تنفك من استفزاز زوجها الذي يعجز في الدفاع عن نفسه ويكثم غيضه وغضبه في هروبه إلى القراءة.. لكن مع حادث الخيانة الذي يذكر جورج بعجزه.. يقرر إنهاء اللعبة من خلال إعلانه خبر موت الابن بحادثة سير.. لتنهار مارثا أخيرا.. إن موت الإبن هو في آخر المطاف ليس إلا الموت الذي ضلت الشخوص تخافه وتكابر من خلال استنكارها الخوف من فيرجينيا وولف.. فكان عليهم مواجهته بدل الهروب منه.. إن المواجهة هذه هي ما تمنح مارثا وزوجها سبل عيش أخرى عبر وسيط الحب الذي كان مفتقدا بينهما.. مما يجعلهما ولأول مرة يحضنان بعضهما ويذوبان في علاقة حميمة.. إن إطلالتنا هذه على العنوان ومعه مضمون النص ولو بشكل تعسفي.. يقودنا إلى أن نعتبر النص المسرحي هو من نوع (المسرح النفسي).. كنوع مسرحي يسعى إلى التركيز على ما يعتمل داخل النفس البشرية.. راصدا بذلك كل التحركات والتغييرات الداخلية التي تتطور فيها الشخصية.. فالمسرحية في هذا النوع قد تبدو جامدة ساكنة لاشيء يتحرك فيها في الوقت الذي تكون فيه شخصياتها تغلي وتتفجر في عوالمها الداخلية.. مما يقودها إلى صراع قاس ومرير.. وهذا ما يبرر قلة الأحداث في المسرحية.. فالتطور يتم على مستوى الحدث بشكل بطيء لكنه على المستوى الداخلي للشخصيات يعرف غليانا.. وقد اعتمد ألبي الشرب كوسيلة للذهاب بعيدا في هذا.. إذ أن الخمر بقدر ما يعتبر آلية للنسيان والهروب.. يتحول إلى وسيلة للانفجار والاعتراف.. إن هذا النوع من الكتابات المسرحية يفرض اشتغالا خاصا للممثل من خلال استنطاق آلته الداخلية التي تشكل عماد اشتغاله.. ويتحول الفعل الخارجي إلى مجرد تعبير عما يجيش في النفس، وهذا في اعتقادي ما وعاه المخرج خالد جنبي في اشتغاله الإخراجي على نص إدوارد ألبي ودفع بممثليه إلى أقصى حالة التشظي بعيدا عن الانفعالات المفتعلة والحركات المجانية. إن عرض «من يخاف فيرجينيا وولف؟».. عرض يحتفي بالممثل وطاقته واستنطاق لقدراته التعبيرية الداخلية.. تتحول معه باقي المكونات الأخرى إلى عوامل مساعدة لعمل الممثل.. ولا أعتقد أن الأمر بالسهولة التي حاول الكثيرون الإيحاء بها.. بل إن اشتغال الممثلين والمخرج والمقتبس والسنوغراف في هذا العرض يحتاج منا إلى وقفة طويلة.. لأنه عرض يستحق فعلا القراءة..