تصعب في غالب الأحيان الكتابة عن إعلامنا العمومي، وعن الأداء العام بداخله أو حواليه، وذلك من دون أن تخشى الاتهام بممارسة «الأستاذية» تجاه زملاء تعرفهم وتعز الكثيرين منهم، أو على الأقل من دون أن يكون في التمرين كثير إحراج للذات أولا. ولهذا، يجدر التنويه بداية إلى أنه عندما تقام الحملات ضد هؤلاء الزملاء، ويستهدفون في استقلاليتهم المهنية، كما حدث مرارا مع القناة الثانية، فإن الكلام لا يكون سوى للتضامن المطلق واللامشروط معهم، والصراخ بكل الجوارح بأن يترك المهنيون لعملهم، والتلفزيون لمن يفهم فيه. أما، وأننا منذ فترة طويلة ونحن نتابع كثير تراجعات على مستوى التلفزيون بالخصوص، من حيث مستوى وجودة المنتوج، ومن حيث إبراز تعددية الرأي وموضوعية الكلام، ومن حيث معنى كل هذا الذي يجري أمامنا، فالواجب يحتم التنبيه إلى أننا نحتاج هنا والآن إلى الكثير من المهنية واحترام الأخلاقيات، والكثير من... التلفزيون. لقد تابعنا برامج حوارية سياسية كان الرأي الواحد الأوحد فيها واضحا وفاضحا، وتابعنا حديثا عن «العشابة» كان أقرب إلى تشجيع الجهل والخرافة منه إلى شيء آخر، ونتابع كذلك كيف تعد المواضيع، وكيف يقدم الضيوف والمشاركون، وكيف تصنع الوقائع وتقدم التوليفات. لماذا إذن يعجز تلفزيوننا، بقناتيه، إلى اليوم، عن صنع مادة سياسية رصينة ومفيدة، وتكون أيضا جاذبة للاهتمام والانتباه، ومليئة بالفرجة، وبالصنعة التلفزيونية؟ قد يكون السبب هو تهميش المهنيين، أو دفع كثير منهم إلى الفرار خارج الحدود، وقد يكون السبب هو غياب الموارد المالية الضخمة التي بات اليوم يتطلبها صنع تلفزيون حقيقي، وقد يكون السبب أيضا هو ضعف وتيرة التجديد داخل الهياكل والأشخاص والرؤى، ما يجعل النمطية والرتابة والتكلس تهيمن على الأجواء والعقول، وربما قد يكون السبب الحقيقي هو هذه الأسباب كلها مجتمعة. لكن الأساس اليوم، أن بلادنا التي تصنع ديناميتها السياسية والديمقراطية المتميزة عن جوارها المغاربي والعربي، في حاجة إلى إعلام تلفزيوني بالخصوص، ليتفاعل مع تفاصيلها وحركياتها، وليجعل المغاربة يرتبطون ببلادهم وبذاتهم وب... تلفزيونهم. إن التلفزيون عندما يروج بتبسيطية قاتلة للجهل، وعندما يقدم صورا وأشخاصا ومواقف تغرق جميعها في أحادية التفكير والنظر، وفي سطحيات المواقف والتحاليل والكلام، فهو لا يعارض جهة سياسية أو حزبية ما، إن كان يجوز له أن يعارض أصلا أو يؤيد، وإنما هو يصيب البلاد كلها في تطلعها إلى الأحسن، ويساهم في تكبيل حراكها المجتمعي والديمقراطي. يمكن للتلفزيون أن يكون حليفا للتطلع المجتمعي للديمقراطية والمساواة والحداثة، وفاعلا في الدينامية وفي الترسيخ، فقط إذا تشبث بمهنيته، ويمكن للتلفزيون كذلك أن يحمي الخيارات الكبرى للبلاد فقط إذا أصر على الموضوعية والحياد المهنيين. إن إنجاح مسار الإصلاح والتحديث في مجتمعنا يتطلب أيضا إعلاما تلفزيونيا قويا وناضجا وفيه كثير مهنية، ولهذا يقتضي الواقع اليوم وقفة نظر، لأن المغاربة يستحقون فعلا أحسن من كل هذا الذي يلج بيوتهم. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته