خلف قرار الحكومة تجميد 15 مليار درهما من حجم الاستثمار تساؤلات عديدة، ويؤدي، يوما بعد آخر، إلى نقاشات تتحول، لدى البعض، إلى جدال بغايات تختلف مرجعياتها وأهدافها. الغلاف المالي الذي سيتم تقليصه، والذي خلف زوبعة في فنجان الراكبين على الحدث، سيقسم على الوزارات بحسب درجة إنجاز المشاريع٬ وهي وزارات الاقتصاد والمالية (ملياران و392 مليون و48 ألف درهم)» والفلاحة (2.2 مليار درهما) والتجهيز والنقل (1.75 مليار درهم) والطاقة والمعادن (1.51 مليار درهم)٬ والداخلية (1025 مليار درهم). كما شمل هذا التقليص المندوبية السامية للتخطيط والمندوبية السامية للمياه والغابات٬ وإدارة السجون وإعادة الإدماج. وهو قرار يستدعي قراءة عميقة ومنطقية، يقول عبد السلام الصديقي الخبير الاقتصادي وعضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، بعيدا عن العواطف أو المزاجية للنأي بالنفس عن التهويل بخصوص إجراء يندرج ضمن تدابير لا تروم سوى ترشيد الموارد وتحقيق نجاعة الإنفاق العمومي. ذلك أنه، عند نهاية كل سنة من عمر الميزانية، نجد أنفسنا، يقول عبد السلام الصديقي أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس أكدال لبيان اليوم، أمام واقع غير مقبول يتمثل في الإنجاز الفعلي لجزء فقط من النفقات التي صوت عليها البرلمان (بين 50 و60 بالمائة)، فيما يتم تأجيل الجزء المتبقي إلى السنة الموالية، أو يشطب عليه بجرة قلم!. فمختلف الإدارات تسارع إلى إدراج برامج لا تملك أصلا إمكانيات إنجازها داخل آجال معقولة. وهو ما يشكل مصدر تبذير وزيادة للتكاليف ويقلص بالتالي من فعالية النفقات العمومية ويحد من آثارها الإيجابية على الاقتصاد الوطني. هذا التبذير لا يعتبر فقط نقطة ضعف تحول دون بلوغ نجاعة الأداء العام الذي ينتظر منه المغاربة قيمة مضافة تمكن من خلق الثروة وتوفير فرص الشغل وتحسين الأوضاع الاجتماعية للمواطنات والمواطنين، بل يمس في الصميم صورة المغرب لدى المؤسسات المالية الدولية. وبالتالي كان لزاما على الحكومة، يقول الصديقي، احتواء النفقات العمومية عبر قرار تجميد 15 مليار درهما من حجم الاستثمار برسم السنة الجارية من أجل «تطهير» الوضعية المالية لوضع حد «للنزيف» الذي يهدد بإلحاق ضربة قاتلة بمصداقية المغرب لدى المانحين ويؤدي بالتالي إلى تقليص هامش التحرك». ويرى المتحدث أن التقليص يبقى «ضروريا»٬ لاسيما وأن وضعية المالية العمومية غير مطمئنة٬ بعجز في الميزانية يفوق 7 في المائة يوازيه عجز في الميزان التجاري وميزان الأداءات وادخار عمومي سلبي، مشيرا إلى أن إجراء التقليص لن يمس سوى الاستثمار الذي يندرج في إطار الميزانية العامة ولن يهم الاستثمارات التي تنجزها المقاولات والمؤسسات العمومية٬ والتي تمثل حصة الأسد على مستوى الحجم الإجمالي للاستثمار. وبعيدا عن الجدال العميق الذي يصر على ترويج مقولات لا ترمي سوى الركوب على إجراء اقتصادي معمول به في كل الاقتصاديات العالمية، يرى الخبير الاقتصادي، في حديثه للجريدة، أن الحكومة مطالبة بالحرص على «ألا يكون لهذا الإجراء انعكاس كبير على مستوى عيش السكان٬ وألا يمس بجودة الخدمات العمومية الأساسية٬ وذلك عن طريق استهداف أمثل للنفقات ونجاعة أفضل». كما حث عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية الحكومة على اغتنام هذه الفترة من التراجع٬ والفرص التي تتيحها الأزمة الحالية لكي تسارع بإطلاق الإصلاحات الهيكلية «التي تفرض نفسها وأن تبعث بإشارات قوية لإرساء الثقة»٬ مشيرا إلى أن المغرب لديه «حظوظ مهمة للعودة إلى مسار التنمية المستدامة.. ويتوفر على مؤهلات هامة وإمكانيات نمو كبيرة٬ ويتوجب فقط العمل على إدخال بعض التعديلات المؤسساتية الضرورية».