باشرت المحكمة مؤخرا التحقيق مع منتخبين في إحدى مدن الشمال حول ملفات يشتبه في كونها مرتبطة بفساد انتخابي، ويوجد رئيس جماعة من منطقة الغرب قيد الاعتقال بعد ضبطه متلبسا في قضية رشوة، كما يواصل قضاة المجلس الأعلى للحسابات أبحاثهم وتحقيقاتهم في العديد من الجماعات الترابية بمناطق مختلفة، كما يحصل منذ أسابيع على مستوى إقليمالخميسات، وفي كل هذه الحالات وغيرها يطرح موضوع الفساد المستشري وسط منتخبي الجماعات الترابية، ويبرز بذلك السبب الحقيقي الذي عطل مسلسل التنمية في العديد من مدننا وأريافنا... لا يعني هذا أن كل المنتخبين من طينة الفاسدين، أو أنهم من الذين اغتنوا على حساب إمكانات الجماعات التي انتخبوا لتدبير شؤون مجالسها، ولكن تكرار الحالات، وبروز فضائح مذوية في أكثر من جهة، جعل الأمر ظاهرة حقيقية، تستدعي التأمل، وأيضا الانكباب الجدي على معالجتها. إن عددا من المنتخبين لم يكونوا من قبل سوى موظفين بسطاء، أو من صغار الفلاحين، بل إن بعضهم لا عمل له أصلا، ومع ذلك هم اليوم من كبار الملاك العقاريين، ومن أصحاب الملايين والسيارات الفارهة، وباتوا من ضمن... «الأعيان»، وإن سؤالا بسيطا حول مصدر تحولهم الاجتماعي والمادي هذا من شأنه أن يكشف الحقائق كلها، ويفضح حجم الفساد الذي يحول دون قيام الجماعات المحلية بأدوارها الحقيقية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لفائدة الساكنة. وإن فساد عدد من المنتخبين لا يعوق فقط التنمية، ولا يتسبب فقط في إهدار إمكانات الجماعات المحلية، وإنما هو أيضا من الأسباب الحقيقية وراء عزوف المواطنات والمواطنين، وخصوصا الشباب، عن المشاركة في الانتخابات، وفي ممارسة السياسة بشكل عام، كما أنه نتيجة هذا الفساد لم يعد التدبير الجماعي والشأن الانتخابي المحلي جاذبين للكفاءات السياسية والعلمية الوطنية، وللفعاليات ذات المصداقية والنزاهة، وباتت الساحة، بالتالي، مفتوحة فقط ل «شناقة» الانتخابات، ومحترفي شراء الأصوات، وهذه التداعيات لها كذلك مخاطر سياسية ومجتمعية ترتبط بمستقبل الديمقراطية المشاركاتية في بلادنا. إن التحديات المطروحة على بلادنا اليوم في مجالات التنمية المحلية، وعلى مستوى تفعيل الجهوية، وتقوية انخراط المواطنات والمواطنين في قضايا الشأن العام، وتمتين ارتباط الشباب بالخصوص ببلادهم وتعبئتهم للمساهمة في صنع مستقبلها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، كلها ترتبط أولا وقبل كل شيء بتقوية التخليق وسط الجماعات المحلية، وتحسين الحكامة العامة، وجعل الطاقات الوطنية ذات الخبرة والنزاهة تقبل على المشاركة في الانتخابات المحلية. الملفات والتحقيقات التي انطلقت اليوم في كثير من جماعاتنا المحلية يجب أن تسير إلى نهايتها، ويجب أن تكون إشارات قوية للجميع، على أن الزمن تغير، وأن المغرب الحالي يجب أن يكون خاليا من الفساد والمفسدين.