جمالية العروض وأسئلة الراهن السينمائي المغربي تقترح الدورة التاسعة عشر لمهرجان تطوان الدولي لسينما البحر الابيض المتوسط التي ماتزال متواصلة حتى يوم السبت القادم، على ضيوفها، برنامجا دسما يضفي بعضا من إعمال العقل والنقاش في قضايا ذات راهنية وترتبط بمستقبل الفن السابع في حوض المتوسط وفي المغرب على الخصوص، الى جانب العروض السينمائية المنتقاة بعيون تعشق هذا الفن وتملك القدرة على تقييم دقيق لقيم ومعاني الجمال فيه، وهكذا تستقيم المعادلة لتمنحنا مهرجانا يجمع متعة العقل والحواس ويحتفي بالخيال والواقع. فمهرجان تطوان السينمائي ليس مهرجان تباري ومنافسة بين الانتاجات السينمائية المتوسطية فقط، وليس مهرجانا يقتصر على الفرجة الفيلمية فقط، بل هو مهرجان يجمع بين الممتع والمفيد بل كثيرا ما يفتح أسئلة صعبة وشائكة حول الفن السابع وحركيته في المغرب وما يستتبعه ذلك من ندوات ونقاشات، بل هناك أمر مقتصر على هذا المهرجان العتيد، وهو فقرة السينما والمدرسة وتتم كل دورة عبر تنظيم تكوينات منها الورش المدرسي للتكوين الفني الخاص بالمتعلمين لتمكينهم من آليات الإبداع الفني وشروط استخدامها، وأوراش خاصة بالنوادي السينمائية المدرسية بمشاركة منسقي الأندية السينمائية المدرسية، يتلقون خلالها تكوينا في كتابة السيناريو والتنشيط السينمائي من قبل محترفين سينمائيين ينتمون الى دول المتوسط. الجديد هذه الدورة انه ولأول مرة يعرف مهرجان تطوان السينمائي، تنظيم مسابقة للأفلام التربوية القصيرة، ستكون خاصة بمؤسسات التعليم في نيابة تطوان حيث تتنافس ستة أفلام تربوية على جائزة المهرجان للفيلم التربوي، أمام لجنة تتكون من محمد فرح العون، مدير الفيلم التربوي بفاس وخديجة البقالي، مديرة إذاعة تطوان الجهوية والممثلة المغربية فرح الفاسي. ومن الفقرات الأساسية أيضا في هذا المهرجان، عقد الندوات المتخصصة والموائد المستديرة حول قضايا السينما وانشغالات مهنييها ومبدعيها، وهذه الدورة لا تشذ عن القاعدة حيث يتضمن برنامجها عقد ندوة دولية حول «الإنتاج المشترك والتوزيع في الدول المتوسطية» للمساهمة في النقاش الذي يشغل مهنيي القطاع السينمائي بالمنطقة، من منتجين وموزعين وجامعيين، يتحاورون حول واقع ومستقبل الإنتاج والتوزيع والآليات التي يمكن أن تساعد على تعزيز موقع السينما والترويج لها ودعم الإنتاجات وتطوير الصناعة السينمائية. ويتضمن برنامج المهرجان كذلك عقد مائدة مستديرة حول «السينما والرواية المغربية» والمخيلة الإبداعية المغربية المرتبطة بمجال السينما وعلاقة التفاعل والتكامل بين الجنسين الابداعيين (السينما والرواية) وعمق الأبعاد الفكرية والجمالية للعمل الفيلمي»،وتعالج هذه المائدة المستديرة أسباب إعراض السينمائيين المغاربة عن استثمار ما تجود به شجرة الإبداع الروائي المغربي خصوصا وأن علاقة السينما في المغرب بالمتن السردي المغربي تعد هشة انطلاقا من قلة النصوص الروائية، التي انتقلت إلى الشاشة الكبرى، منذ مسرحية «حلاق درب الفقراء» ليوسف فاضل، التي أخرجها الراحل محمد الركاب فيلما سينمائيا، يظل واحدا من أفضل عشرة أفلام عربية، لدى العديد من مؤرخي السينما العربية، وقصة «بامو» لأحمد زيادي، التي أخرجها إدريس المريني فيلما روائيا سنة 1983، و«صلاة الغائب» للمخرج حميد بناني، سنة 1991عن رواية للطاهر بنجلون، و«الغرفة السوداء» لحسن بنجلون، سنة 2003، عن السيرة السجنية لجواد مديديش، و«جارات أبي موسى» لمحمد عبد الرحمن التازي، عن رواية أحمد التوفيق، التي تحمل الاسم نفسه، سنة 2004، و«جناح الهوى» لعبد الحي العراقي، عن رواية«قطع مختارة» لمحمد ندالي، سنة 2011، وآخرها «يا خيل الله»، لنبيل عيوش، عن رواية «نجوم سيدي مون» لماحي بنبين. وتنظم على هامش المهرجان أيضا ندوة حول موضوع «السينما وتاريخ الموريسكيين» تتناول ذاكرة المتوسط التاريخية والإنسانية وتعامل السينمائيين مع قضية الموريسكيين، من خلال إعادة مقاربة هذا الملف التاريخي، من قبل المشتغلين بالحقل السينمائي المتوسطي، حيث تم إنتاج مجموعة من الأفلام الوثائقية والتخييلية التي تتطرق لهذا الموضوع من زوايا نظر متعددة،وسيساهم في هذه الندوة جامعيون ومؤرخون، كما سيتم عرض أفلام وثائقية عن تاريخ المورسكيين، ضمن برنامج الدورة الخاص بالعروض منها «لغز الكتب الرصاصية» لأوسكار بيردوباس، و«طريق الخلافة» لبيلار طافورا، و«حب الوطن» لأنخيل غارسيا وبيدرو مارتين ميان، و«المطرودون 1609 .. مأساة الموريسكيين» لميغيل لويث لوركا. طيلة أيام المهرجان وفي اطار البرنامج الثقافي للدورة، يشرف التشكيلي والسينمائي البلجيكي إيمانويل بايون، وهو خريج عضو الأكاديمية العليا للفنون الجميلة ببلجيكا، واحد المهتمين بجمالية الصورة، على ورشة سينمائية. أما بخصوص عروض المسابقات الرسمية فيبدو أن المهرجان يهدف خلال دورته الحالية ليكون منصة للتعريف بالمواهب السينمائية الصاعدة في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، من خلال عرضه لأعمال المخرجين الصاعدين، بما يحقق مقاربةً بين الأجيال السينمائية من مختلف الثقافات، ويعكس الكثير من الأفكار والمقاربات، التي تنتمي إلى مرجعيات وثقافات متوسطية مختلفة. هذا غيض من فيض مفاجآت الدورة التاسعة عشر لمهرجان تطوان السينمائي الذي ظل وفيا لاختياراته وفقراته الاساسية، وفيا في سعيه لخدمة الفن السابع المغربي مستقبلا انطلاقا من الحاضر وفق المقولة التي ترى أن الكرم باتجاه المستقبل يتمثل في اعطاء كل شيء للحاضر.