فاجعة مشرع بلقصيري التي أودت بحياة ثلاثة رجال شرطة على يد زميل لهم، كانت مرعبة حقا... لن نكرر هنا كل الكلام الذي قيل عن الحيثيات القانونية ذات الصلة، فهي موكولة للمساطر والإجراءات والقوانين، ولن نصف هول الكارثة التي أصابت أسر الضحايا، فالمصيبة أبكت الكثيرين حتى خارج بلقصيري. الفاجعة تفرض اليوم على مسؤولي الإدارة العامة للأمن الوطني وعلى السلطات العمومية فتح العيون وحسن قراءة ما حدث. فبعد أن تواردت علينا أخبار في السنوات الأخيرة عن استعمال بعض رجال الشرطة سلاحهم الوظيفي للانتحار، فجعتنا بلقصيري هذه المرة بإقدام شرطي على توجيه سلاحه نحو زملاء له، وهذه الحالات تدعو فعلا إلى التمعن في خطورتها. إن العمل في سلك الشرطة ليس وظيفة عادية، فهو يرتبط بتأمين سلامة الناس والبلاد وحماية الأعراض والممتلكات والاستقرار، وقبل كل شيء الأمر يتعلق بحمل السلاح، وهذا وحده كاف ليفرض متابعة إدارية ومهنية وعلمية للعاملين في هذا القطاع الحساس. إن أول ما تبادر إلى ذهن الكثيرين فور سماع فاجعة بلقصيري، هو المرافقة النفسية لموظفي الأمن، وخصوصا حملة السلاح، فقدماء إدارة الأمن يتحدثون عن أطباء نفسانيين موظفين في سلك الأمن، لكن غالبيتهم لا يبارحون مكاتبهم، والحال أن المفروض هو تكليفهم ببرنامج للمتابعة والعلاج يشمل مختلف دوائر الأمن على الصعيد الوطني، وذلك بدل الاكتفاء بأطباء يجري اللجوء إليهم بعد أن تقع «الفاس في الرأس». من جهة ثانية، يفرض العمل في أسلاك الشرطة تفعيل مخططات للتكوين والتكوين المستمر، تكون متوازية مع المواكبة السيكولوجية والاجتماعية، وتعتمد نتائج ذلك كمؤشرات في المسار المهني، وذلك بدل التركيز فقط على القوى البدنية والسلامة من الأمراض العضوية. لقد تناسلت في بلقصيري هذه الأيام حكايات عما حدث، ومنها أن القاتل كان على خلاف مع رئيسه حول إشراكه في الفرق العاملة في «باراج» بالمدينة، وهذا يعني أن العمل في الحواجز الأمنية بالعديد من المدن، بالإضافة إلى الانتقال إلى مدن محددة، هو مدخل إلى الاغتناء غير المشروع عن طريق الرشاوى، وبتعبير آخر، فإن الإحالة هنا واضحة على استشراء الفساد والرشوة، وفي نفس الوقت على صعوبة الأوضاع المادية والاجتماعية لكثير من رجال الأمن. لا بد إذن من الانكباب بجدية واستعجال على تفعيل منظومة إجراءات متكاملة تشمل تحسين الأجور وأيضا التعويضات، وتوفير خدمات اجتماعية مثل السكن ومراكز الاصطياف والترفيه، فضلا عن المرافقة النفسية والاجتماعية، والتكوين والتكوين المستمر، ثم تقوية التخليق داخل القطاع ومحاربة الفساد وتحسين الحكامة والتدبير، وتعزيز عمل مصالح ومؤسسات الأعمال الاجتماعية، وكل هذا بما يعزز الطمأنينة وسط موظفي القطاع، ويحصن كرامتهم... فقط بمثل هذه المنظومة الشمولية من الإجراءات يمكن للإدارة العامة للأمن الوطني أن تحول فاجعة بلقصيري إلى درس وحافز للعمل بعمق لإحداث التغيير داخل القطاع في أقرب وقت، وفي البداية يجب أولا الاهتمام بمصير أبناء الضحايا وأسرهم في بلقصيري.