أطفأت الثورة الليبية أول أمس الأحد، شمعتها الثانية في أجواء احتفالية كبيرة عمت مختلف ربوع البلاد وعكست التفافا شعبيا حول مكتسبات الثورة، من شأنه أن يعزز ثقة السلطات الانتقالية القائمة في استكمال مسار بناء الدولة رغم الاكراهات والمعيقات. وخلافا لما واكب احتفالات البلدين الجارين تونس ومصر بالذكرى الثانية لثورتيهما من اضطرابات وأجواء مشحونة٬ انساب الفرح مجموع التراب الليبي تخليدا لهذا الحدث الوطني الفارق ٬ وتداعى مئات الآلاف من المواطنين للاحتفال بتلقائية حاملين الأعلام الوطنية ومرددين شعارات وأغاني ممجدة لثورة خلصت البلاد والعباد من نظام عمر لأزيد من أربعة عقود. ويرى المتتبعون للشأن الليبي، أن هذه الاحتفالات العفوية التي امتدت إلى الساعات الأولى من صباح أمس، واتسمت بطابع حضاري، اختفت فيه المظاهر المسلحة والإطلاقات النارية٬ شكلت استفتاء على شرعية المؤسسات القائمة (المؤتمر الوطني العام والحكومة المؤقتة) الذين انتخبهما الشعب الليبي بطريقة ديمقراطية . كما بدد الزخم القوي للاحتفالات ٬حسب المتتبعين٬ الكثير من المخاوف بخصوص تماسك الجبهة الداخلية لاسيما في ظل بروز دعوات للتظاهر قبيل حلول ذكرى الثورة رفعت شعارات تطعن في شرعية المؤسسات المنتخبة. وفضلا عن كون ذكرى الثورة مناسبة للتعبير عن مشاعر الاعتزاز وتجسيد مظاهراللحمة الوطنية وتثمين ما تحقق من مكتسبات وفي مقدمتها انتخاب أعضاء المؤتمر الوطني والحكومة الليبية المؤقتة بطريقة ديمقراطية٬ فإنها تمثل لشريحة واسعة من الليبيين محطة أساسية لتقييم ما تحقق من انجازات وفقا لما نص عليه الإعلان الدستوري المؤقت والوقوف على مواطن الخلل والتعثر التي أخرت انجاز استحقاقات على درجة كبيرة من الأهمية وعلى رأسها استتباب الأمن وإعادة الإعمار وتشكيل الهيأة التأسيسية للدستور (تقرر تشكيلها مؤخرا عن طريق الانتخاب ) وإصدار قوانين العزل السياسي والعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية وإصلاح القضاء. وفي هذا السياق٬ جددت مؤسسات من المجتمع المدني ونخب سياسية وثقافية و تيارات فكرية مختلفة بمدينة بنغازي (مهد الثورة) التأكيد على مطالب وحقوق شملت «عودة المؤسسات التي نقلها النظام السابق من مدينة بنغازي وباقي مناطق ليبيا إلى مقارها السابقة وتفتيت المركزية الإدارية والتوزيع العادل للمؤسسات الاقتصادية على مختلف المناطق الليبية بما يكفل التنمية المكانية والمناطقية في مختلف ربوع ليبيا» . وأمهلت هذه الفعاليات في بيان صدر عقب حفل نظم في سياق الاحتفال بالذكرى الثانية للثورة٬ المؤتمر الوطني العام والحكومة المؤقتة حتى متم شهر مارس «لإصدار القوانين والقرارات التي تؤكد هذه الحقوق وبما يكفل التزامهم بتنفيذها وفقاً لجدولة زمنية محددة» .وجاء رد السلطات الليبية متجاوبا إلى حد بعيد مع هذه المطالب حيث قطع رئيس المؤتمر الوطني العام محمد المقريف في حفل أقيم أول أمس ببنغازي وعدا بأن تكون السنة الحالية «سنة انجازات حقيقية في كافة المجالات سواء على مستوى الحكومة أو المؤتمر الوطني» مشيرا إلى انه سيتم إصدار مجموعة من التشريعات الهامة التي تهم العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية والعزل السياسي والنظام القضائي ومؤسسات المجتمع المدني». كما أعلن المقريف عن إطلاق مبادرة للحوار الوطني «لبناء التوافقات وتحديد الأولويات الوطنية بمشاركة كافة القوى السياسية وفئات واسعة من المجتمع الليبي٬ وتفعيل المصالحة الوطنية الشاملة والعادلة باعتبارها أحد أهم استحقاقات المرحلة الراهنة». غير أن رئيس المؤتمر الوطني، شدد على ضرورة استتباب الأمن والاستقرار في البلاد «حتى تقام الديمقراطية الحقة ويتم تحقيق انجازات تنموية وعمرانية تخدم أبناء ليبيا كافة»مؤكدا أن الأمن «مسؤولية كل مواطن ومواطنة قبل الدولة .وهناك تكلفة مالية واقتصادية باهضة تدفعها ليبيا بسبب الفوضى الأمنية التي تعيشها أبرزها عزوف الشركات الأجنبية عن العودة إلى البلاد» .