بلادنا تعطي الدليل على القطع نهائيا مع انتهاكات الماضي ألقت النائبة رشيدة الطاهري، مداخلة في مجلس النواب، باسم فرق الأغلبية أثناء مناقشة مشروع قانون رقم رقم 124.12 ، عبرت فيها باسم فرق الأغلبية، عن موافقتها على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللانسانية أو المهينة، المعتمد بنيويورك في 18 ديسمبر 2002 من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفيما يلي نص المداخلة. يشرفني أن أتدخل باسم فرق الأغلبية في مناقشة مشروع قانون رقم 124.12 يوافق بموجبه على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو المهينة، المعتمد بنيويورك في 18 ديسمبر 2002 من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة.هذه لحظة حقوقية متميزة لا يمكن لأي مغربي ومغربية إلا أن يعتز بها. ويدخل هذا المشروع في إطار استكمال انخراطنا في منظومة حقوق الإنسان، وتعزيز الممارسة الحقوقية التي عرفت في السنوات الأخيرة وثيرة متميزة نعتز بها من جهة، ومن جهة ثانية تفعيل مضامين الدستور الجديد خصوصا مقتضيات الفصل 22 منه الذي ينص صراحة على عدم جواز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة، وعدم جواز معاملة الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لاإنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية، وممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، وكذا مقتضيات الفصول الموالية. بهذا الانضمام تعطي بلادنا مرة أخرى الدليل القاطع على القطع نهائيا مع الممارسات والإنتهاكات التي كانت سائدة في فترة من الفترات بما يعزز تفعيل المبادئ العامة والأساسية لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، وقد كان النضال طويلا وقدمت في سبيله ما عرف وما لم يعرف من التضحيات والحريات، وهو ما نعتز ونفتخر به اليوم ليس فقط كفرق ومكونات الأغلبية، ولكن أيضا كأمة مغربية تواقة إلى الحرية والديمقراطية والمساواة. وتبعا لذلك، فقد كان موقفنا ايجابيا من هذا المشروع لعدة اعتبارات نجملها أولا، في إلزامه لإنشاء لجان وطنية ودولية تتمتع بالاستقلالية والنزاهة والشفافية مهمتها التحري في ممارسات التعذيب، وزيارة أماكن الإحتجاز بصورة مفاجئة للتأكد من عدم وقوع مظاهر التعذيب وكل أشكال المعاملة أوالعقوبة القاسية أو اللانسانية أو المهينة، وإلزام هذه اللجان برفع تقاريرها إلى الجهات المسؤولة من أجل حثها على تحسين ظروف الإحتجاز وتحسين قدرات المراكز التي يقع فيها، والرفع من قدرات القائمين عليها، كما تقوم كذلك بالحوار مع تلكم الجهات ومساعدتها على إيجاد الحلول المناسبة للمشاكل التي تثار في تقاريرها. غير أن المهم في هذا البروتوكول هو كونه الوحيد ضمن رزنامة من البروتوكولات الاختيارية الأممية الذي يكتسي صفة تعاقدية مع اللجنة الفرعية الأممية لمنع التعذيب، على أساس تنظيم زيارات منتظمة تضطلع بها هيئات دولية ووطنية للأماكن التي يقع فيها الاحتجاز، للتأكد من عدم تعرض المحتجزين لأية معاملة قاسية أو لا إنسانية مهينة. إنه إذن خيار لا يسعنا في فرق ومكونات الأغلبية إلا أن نحييه على إعتبار أنه يستكمل إنخراط بلادنا في إحقاق دولة الحق والقانون، والانتقال بمنظومتنا القانونية من إطار المناهضة إلى إطار الوقاية، وهو ما نتمنى أن يتحقق في الأفق القريب، لكن وإن توفرت الإرادة السياسية القوية للقضاء على كل أشكال التعذيب وسوء المعاملة اللإنسانية والمهينة، فإنه على مستوى الممارسة لازلنا نصطدم ببعض الحالات المعزولة والخارجة عن السياق السياسي والإنخراط المؤسساتي للدولة في المنظومة الحقوقية، ونستحضر بالمناسبة التقارير الصادرة في هذا الشأن سواء تعلق الأمر بالأوضاع بالسجون، وكذا تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول الصحة العقلية. وفي السياق، نشير إلى ما تضمنه البرنامج الحكومي بضرورة تعزيز الحريات في بلادنا من خلال استكمال انخراط بلادنا في المنظومة الحقوقية الدولية، ونعتبر ذلك غير كاف ما لم تبذل المزيد من الجهود من قبل السلطات العمومية المختصة، من خلال الاحتكام إلى القانون في تصرفاتها تجاه الأفراد والجماعات. وإذ نعتز اليوم بكون بلادنا هي رابع دولة عربية توافق على هذا البروتوكول الاختياري بعد كل من لبنان وتونس وموريطانيا، نتطلع إلى المزيد من الجهود في هذا الباب، وننتظر التسريع بالمصادقة على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء، وكذا البروتوكول الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية من خلال تدشين ورش حوار وطني مفتوح، وبمساهمة مختلف الفاعلين والهيئات والمؤسسات حول «عقوبة الإعدام»، قصد بلورة رأي متوافق عليه بعيدا عن المزايدات، لكي تتابع بلادنا إنخراطها في المنظومة الحقوقية الكونية وبهدف تحقيق إجماع وطني ورؤية مجتمعية موحدة تجاه هذا الملف . ومادام الشيء بالشيء يذكر، وما دمنا بصدد الحديث عن ظروف الاحتجاز، فلا بأس لو سمحتم، السيد الرئيس، أن نذكر مجددا بمعاناة أخواننا المحتجزين بتندوف، ونتوجه إليكم من هذا المنبر برفع توصية للأمم المتحدة من أجل إيفاد لجنة مختصة للبحث والتحري في الظروف اللإنسانية التي يتم فيها هذا الاحتجاز، والأحوال التي تتم فيها معاملتهم.إننا نتألم كثيرا عندما نسمع أو نقرأ عما يعاينه إخواننا بتندوف من معاناة يومية في فضاء جغرافي لا تتوفر فيه أدنى مقومات الحياة والاستمرار، ونتساءل إلى متى سيستمر هذا الوضع، وإلى متى ستستمر المتاجرة في بؤسهم، وإلى متى سيستمر المنتظم الدولي في التنكر لهم؟ السيد الرئيس المحترم، إن هذا الانخراط يحمل الدولة والحكومة مسؤوليات والتزامات، مما يتطلب مقاربة متعددة المداخل والمستويات بين ما هو قانوني ومؤسساتي من خلال الآليات الوطنية لمناهضة التعذيب، وكذا التكوين والتحسيس وتغيير العقليات للإنتقال من ثقافة العنف والتمييز والإهانة والتعذيب إلى ثقافة الحق والمساواة والقانون واحترام الكرامة الانسانية. إن هذا المشروع متقدم بكل المقاييس، ومن شأنه أن يمكن بلادنا من الإستمرار على سكة الإصلاح، وأن تتبوأ مكانتها في مجال احترام حقوق الإنسان، كما يضاف إلى مجموعة من الإتفاقيات والبروتوكولات التي سبق لنا أن وافقنا عليها، ونجدد في فرق الأغلبية ومكوناتها إشادتنا بهذا المشروع، ونصوت عليه بالإيجاب.