أصبح البيت الشعري لشاعر العصر الجاهلي، عنترة بن شداد العبسي، درسا في مقاربة الجديد الموضوعاتي، إذ قال في إبانه: «هل غادر الشعراء من متردم... أم هل عرفت الدار بعد توهم»، ومعناه أن الشاعر وجد نفسه في إشكالية مفادها أنه ما إن فكر في موضوع ما إلا ووجد من سبقه قد تطرق إليه، من تم لجأ أو أشار إلى أن الجديد الحقيقي هو الكيفية أو بالأحرى زاوية النظر أو زاوية التناول والتشخيص، من هنا تكون لدي كمتلق أفق انتظار مفاده: كيف سيتناول المؤلف ميلود الحبشي موضوعا استهلك على عدة مستويات درامية في المسرح والتلفزيون والسينما ثم سردا عبر الإبداعات القصصية والروائية؟، وتساءل أفق انتظاري عن رؤية المخرج ميلود الحبشي الذي عودنا على الإبهار الفني والتقني خدمة للموضوع وإضافة له وليس ترفا زائدا خارج النص، ثم نحن مع هذا المبدع الذي بالتأكيد بدأ ورشته وهو يكتب برؤية تشخيص ويحقق الرؤية بنظرة استخراج الحالة من عالم الورق إلى عالم الظهور والتماثل ثم في النهاية هو طرف ضمن مكوناتها كممثل، وقائد لممثلتين مقتدرتين أبانتا عن اقتدار ومقدرة تشخيصية خدمت العرض المسرحي بشكل كبير، الممثلتان نجية الواعر، ونادية الزاوي. ولعل هذه ثلاثية التأليف والإخراج والتشخيص، هي التي فكت عنصر التجديد والإبداع وستخدم الموضوع بشكل مختلف ومن زاوية نظر دقيقة تسلمت مهمتها الدراماتولوجيا المندمجة في ذات إبداعية متنوعة في شخص المبدع ميلود الحبشي.. وإلى جانب هذه الثلاثية، وجدت نفسي أما أمر رابع والمتمثل في التوافق والشراكة والتعاقد الضمني الذي تأسس بين مسرح الشعب تواصل وجمهوره، وهو رأس مال فني يخدم العملية التواصلية والإبداعية المتمثل في نهج وتوجه مسرح الشعب تواصل، الذي خلق لنا جمهورا يتناغم مع الإبداع ويطالب به وفي نفس الوقت متمسكا بالفرجة والترفيه والضحك وتمرير الرسائل الاجتماعية والإنسانية.. ولا ننسى أمرا خامسا هو بين طيات الأمور الأخرى، الجانب السينوغرافي الباهر والذي اعتمده الفضاء الركحي والذي كان متضمنا لآليات المخيلة الإبداعية لطرح موضوع عام بشكل مختلف، والذي حققه المبدع سعيد الحبشي باقتدار واحترافية ومهنية كبيرة نوه بها الجمهور وكافة التقنيين الذي حضروا للعرض المسرحي «البلومبي». وكانت ليلة الجمعة 25 يناير، بجوها الممطر الذي لم يقف في وجه تلبية دعوة مسرح الشعب تواصل، لبعض العيون الفنية والنقدية والمهنية، لعرضها ما قبل الأول، احتفاء بقيمة العرض واستحسانه وشهادة لمروره من عبر رسالة التصفيقات التي كادت أن تصبح لازمة عبر كل انتقال درامي أو تخريجة فرجوية أو تعليق حواري، كما أجاب انتظار الجمهور للطاقم الفني والتقني لمسرح الشعب تواصل، بتعبير صارخ أن للعرض تجاوبا بصريا ووجدانيا وهذا أكبر تقييم وتقويم للعرض المسرحي «البلومبي» الذي لا مس موضوعا عاما يحاكي تجربة العنوسة عند الجنسين، وكيف يتم التعامل مع هذه الحالة الاجتماعية وكيف يتم الترافع حول حق طبيعي من جوانب سيكولوجية وفيزيولوجية، في قالب مسرحي ينتمي إلى الكوميديا المرة.