رابطة أدباء الجنوب تتدارس التنوع الثقافي لمنطقة درعة أطلقت رابطة أدباء الجنوب، خلال اليومين الدراسيين، اللذين نظمّتهما مؤخرا بشراكة مع الشبكة الجمعوية للتنمية والمواطنة، مشروع توثيق وحماية التراث الشفهي بحوض درعة، تحت عنوان :»التنوع الثقافي». واحتضنت دار الثقافة بزاكورة، هذا اللقاء بمشاركة عدد من الفعاليات الأكاديمية من المتخصصين، من المركز المغربي للتراث الشعبي، وطلبة ماستر التوثيق ودراسة التراث الشعبي المغربي بجامعة الحسن الثاني كلية آداب بنمسيك بالدار البيضاء، وعدد من الباحثين المحليين الذين تفاعلوا مع اللحظة التاريخية بوصفها لحظة تسائل ذاكرة خصبة مهددة بالاندثار والتلاشي. وقد افتتح اللقاء الكاتب عبد العزيز الراشدي رئيس رابطة أدباء الجنوب، بقوله إنّ المغرب الذي انتبه طويلا إلى مراكزه وأجزل لها العطاء، قد آن الأوان لكي يهتم اليوم بأطرافه، ويبحث في درره، حتى يتمكن من أن يكون في مصاف الدول الغنية فكريا وإبداعيا. وركّزت كلمة رابطة أدباء الجنوب التي تلاها عضو مكتب الرابطة عمر ابليدة على أهمية هذه الالتفاتة التي تبنتها الرابطة كمشروع لتوثيق التراث الشفاهي وجمعه، شاكرا دعم المباردة الوطنية للتنمية البشرية لتجميع هذا التراث وطبعه. منبها إلى أهمية الاحتفاء بالتنوع الثقافي في درعة ليس بوصفه محركا للتنمية الاقتصادية بل باعتباره وسيلة فكرية ناجعة وأكثر نضجا، كما أنّ حفظ هذا التنوع ومراكمته كفيل بتقديم صورة متعددة الأبعاد لهذه الثقافة. إذ لا يمكن تصور تنوع ثقافي على أساس العداوة والمواجهة والتحارب، بل عن طريق قوة إطلاق العنان لآفاق الثقافة العلمية، منتهيا إلى أن الانخراط في هذا المشروع، كفيل بإعطاء القيمة لهذا التراث وتنمية السياحة الثقافية بالمنطقة. وركزت كلمة رئيس الشبكة الجمعوية للتنمية والمواطنة بزاكورة على أهمية البعد الثقافي الذي تزخر به المنطقة، وتنوع موروثها، ودورها المركزي في تلاقح الثقافات بمرجعياتها المتعددة معتبرا أن إدماج عناصر الثقافة المغربية بوصفها رافعة أساسية للتنمية البشرية من شأنه تطوير الزخم الثقافي، وتحفيز الشباب المبدع من أجل إثراء التنوع الثقافي، منتهيا إلى أن الثقافة تشكل صناعة ثقيلة ورأسمال رمزي يتوجب الحفاظ عليها. أما كلمة رئيسة المركز المغربي للتراث الشعبي والمخطوطات السعدية عزيزي، فقد انطلقت من أن كلمة تظاهرة لا تليق بهذا اللقاء بل هو عمل جاد في منطقة زاكورة التي اعتبرتها «بقعة رديفة للفؤاد». مؤكدة على أن المركز يقوم بتكوينات تحمل رسالة توثيق الذاكرة مستشهدة في هذا السياق بالمثل الإنجليزي «إن موت شيخ إفريقي كما لو أنك أحرقت مكتبة كبيرة في أوروبا» معددة تنوع زاكورة التي تضم تراثا يجمع بين الشمال والشرق والغرب. وقد انطلقت بعد ذلك الجلسة العلمية الأولى بمداخلة للباحث عبد الله خليل عن «صورة الثقافة الأمازيغية والحفاظ على التراث» منطلقا من عدد من الآراء المرتبطة بالتقويم الأمازيغي، مركّزا على بعض العادات الأمازيغية التي تحفر عميقا في الذاكرة الجماعية مثلا عندما تصنع الفتيات دمى من عظام مكسوة بأقمشة ذات ألوان مزركشة يلعبن بها، ويراودهن الحلم بأن يصرن عرائس رفقة فارس الأحلام. أو حين يخرج الشباب ذكورا وإناثا، ليلة رأس السنة الأمازيغية، إلى مغارة أو مكان مهجور باعتقاد أن الجن تسكنه، ويرمون حبيبات القطاني المطبوخة في أكلة «أوركيمن» في ما يسمونه ب»أصيفض» ثم يصيخون السمع في جو من الرهبة، يترقبون ما يمكن أن يصدر من الأصوات كرمز يؤول إلى ما ستكون عليه ما يستقبلون من أيام السنة الجديدة من أفراح وأتراح. لينتهي إلى أن طقوس الاحتفال بحسب رأيه التي تمجّد الأرض وتحتفي بالحياة. أما الباحثة السعدية عزيزي فذكرت في مداخلتها حول توثيق التراث أهمية إدماجه في حياتنا بهدف المحافظة عليه، وهو ما ينبغي أن تقوم به جمعيات عديدة. متأسفة على وضع «ثقافتنا الهامبورغية» التي سيطرت على ذهنيات أطفالنا الذين عندما نسألهم عن أنواعه فإنهم يعددونها لنا، في حين عندما نسأله عن «بركوكش» مثلا لا يعرفونه. هكذا، تطلب السعدية عزيزي من الشيخ غوغل أن يترك طفلها لدقائق حتى تستطيع أن تحس أنها ليست كائنة هلامية. داعية إلى ضرورة الاهتمام بالقصص الشعبية لما تتضمنه من قيم جميلة، والعمل على تحويلها إلى أفلام كارتونية، وإدماجها في المنظومة التربوية، وكذا في منظومة الحياة، ومستشهدة بخصوصية زاكورة في توظيف هذا التراث بدور الضيافة ومحذرة في ذات الوقت من عدم الحفاظ على جوهر هذا التراث، والحفاظ على الأصيل فيه، وأن نتعامل معه من دون تهجينه. لتنتقل بعد ذلك للحديث عن مشروعها «المكنز المغربي للتراث الشعبي»، الذي تطلب ست سنوات من البحث الذي اشتغلت فيه مع مؤسسة الطالب معترفة بجهد من ساعدها آملة أن نساهم جميعا في خلق طلبة مبدعين وليس طلبة متلقين. في حين تمحورت مداخلة الباحث طارق المالكي حول سياقين: يتعلق الأول بتوقيع المغرب لاتفاقية صون الثقافة الشعبية، وصيانة التراث وإدخاله في ما تعترف به الدولة. أما الثاني فيرتبط بمجموعة من التغيرات التكنولوجية التي حتمت على المغرب تجديد آلياته المنهجية القديمة. متوقفا عند» الويب الدلالي» الذي يدخل ضمن الموجة الجديد من الانترنيت التي ألزمت على «المركز المغربي» توثيق العصر، ذلك أن عدم تطوير الآليات سيجعل الآخر بعيدا عنا، وبالتالي لن يتعرف علينا. أما الباحث المصطفى الدفالي فقد وسم ورقته ب «صيانة الموروث الثقافي الشفهي الشعبي، وسبل حماية حوض درعة نموذجا» منطلقا من أهمية الموروث الثقافي الشفهي الشعبي، ومصطلحاته المتعددة من قبيل «الثقافة الشعبية» أو «الفلكلور» أو»الموروث الثقافي أو «الأشكال التراثية» أو «التراث اللامادي».. معتبرا إياها تفيد ثقاقة الشعوب المتداولة بنهم، والمنقولة من جيل إلى جيل بواسطة التناقل الشفهي، فهذه الثقافة تمثل خزانا للقيم؛ لأنها تشكل ذاكرة جمعية ناطقة بهوية هذه الشعوب في امتداداتها (أشعار، رقص، غناء، موسيقى، أمثال، حكاية شعبية، أساطير..) المهددة جراء العولمة وثقافة التنميط. لينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن وظائف الموروث الثقافي المرتبطة بترسيخ ثقافة السلم داخل الجماعة انطلاقا من قدرته على التفاعل مع التيارات الوافدة ليشكل «هارمونيا ثقافية عالية الإنسانية». مبرزا التدابير القانونية المتخذة للمحافظة على الموروث الثقافي الشعبي على رأسها اتفاقية حماية التراث الثقافي غير المادي التي أعلنتها منظمة اليونسكو في أكتوبر 2003 التي صادق عليها المغرب سنة 2006 إلى أن تم انتخابه عضوا في اللجنة الدولية الحكومية لحماية التراث الثقافي اللامادي ما بين 2010 و2014، والتي بموجبها وضع المشرع المغربي قانون يتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة ومادته السابعة المتعلقة بحماية تعابير الفلكلور. ليعرج إلى تعداد سبل المحافظة على هذا الموروث، والتي تتخذ جهودا فردية وتفتقر إلى إجراءات جماعية رسمية، إذ ينبغي توظيف آليات للتوعية والترويج والتثقيف، وتنظيم ندوات علمية وملتقيات تسعى إلى التعاون الثنائي إقليميا ودوليا، وكذا إنشاء مراكز للجمع والتوثيق والبحث، وانفتاح الجامعات عليه، وتوظيف وسائل الإعلام، وإدماج التراث في التربية، واستثماره في المسرح والسينما والتشكيل. لينهي مداخلته بالتطرق إلى مناهج وتقنيات المحافظة على التراث الشفاهي بمنطقة وادي درعة بوصفها من أغنى المناطق في المغرب من حيث التعدد والتنوع الثقافي الناتج بالضرورة عن تنوع في أعراق وأصول ساكنتها مؤكدا على تفرد واحات درعة في الحفاظ على سمات مخصوصة قديمة لمختلف الشرائح البشرية التي استوطنتها كقبائل دراوة، ثم نزحت إليها القبائل العربية الروحا، وأولاد يحيى واعريب والقبائل الأمازيغية آيت عطا وآيت سدرات، من حيث الأغاني والرقصات التي أنتجتها هذه القبائل المنحدرة من فسيفساء ذي أصول عربية وصحراوية إفريقية وأمازيغية يتكون من ما يزيد على عشرين نوعا من الغناء والرقص إضافة إلى الحكاية الشعبية والأمثال والعادات والتقاليد باللغتين العربية والأمازيغية مقترحا لجمع هذا التراث تشكيل مجموعات بعد إخضاعها للتكوين والبحث في كل نوع أو نمط، وفريقا تقنيا يشرع في عملية التدوين انطلاقا من عدد من التوجيهات. وتطرق الباحث عبد الكريم الفزني في مداخلته إلى سؤال «لماذا نحتاج إلى جمع التراث الشفاهي؟»، معتبرا أن التفكير في جمع التراث الشعبي لأي دولة من الدول يطرح إشكالات تتصل بمفهوم الجمع نفسه انطلاقا من علاقة التراث الشعبي بالتراث الرسمي، وخصوصيته وأهميته وسبل جمعه متوقفا بداية عند الحدود بين الأدب الشعبي والأدب الرسمي؛ فالأول يعد ركنا أساسا من الأدب المغربي إلى جانب الفصيح، إذ لا يمكن أن يكتمل تصور أدب قطر معين من دونهما؛ ذلك أنهما يتوفران على قيم إنسانية مشتركة، ويهزان الناس بدراميتهما أو يبهجهم بسخريتهما، ويخلدان لجودته أو يتلاشيان لرداءتهما. أما فردية الأدب الرسمي، وجماعية الأدب الشعبي، كتابة الأدب الرسمي، وشفاهية الأدب الشعبي، وما إلى ذلك من الفوارق، فإنما يعتبر من باب خصوصيات هذا الأدب أو ذاك لا غير، دونما مساس بجوهر العلاقة التي تربطهما بالوظيفة الفنية والإنسانية المشتركة التي يضطلعان بها في كل زمان ومكان»، مستشهدا بمقولة لعباس الجراري باستحالة تصور أدب مغربي من دون أدب شعبي. لينتقل إلى خصائص التراث الشعبي الدرعي بوصفه مكونا لا يمكن فصله عن مكونات الثقافة المغربية، غير أنه ينحصر في حيز جغرافي؛ أي واحات درعة(مزكيطة، تنزولين، ترناتة، فزواطة، اكتاوة، امحاميد)، إضافة إلى أنه أرفع وسيلة للتعبير عن هموم ومطامح وآمال الفئات الشعبية بالمنطقة، بل هو الوعاء الذي يحوي حياة الإنسان الدرعي في الماضي والحاضر وسيشهد عليها في المستقبل، مبرزا بعدها غنى التراث الشعبي بدرعة جراء تنوع العنصر البشري، وموقعها الاستراتيجي، وخصوبة واحاتها وأهليتها لاستقرار السكان الذين يمارسون فنونا شعبية شفاهية متنوعة؛ فالقبائل العربية المعلية تمارس «الصف، والركبة، وسلسة، والوسطي، والمشاط، والترواح». أما قبائل آيت عطا وآيت سدرات تمارس «أحواش وأحيدوس»، في حين تمارس قبائل دراوة «السقل، وأقلال». وتمارس قبائل أعريب «الكدرة والشمرة»، وأخيرا تمارس زوايا المرابطين «الحضرة، وجلالة». كما يتجسد غنى التراث الدرعي أيضا بحسب الفزني في التفاعل بين المكونات البشرية للمجتمع الدرعي بأنواعه البشرية، حيث التعايش بين السكان في الأفراح والأتراح. كما أن التراث الشعبي بدرعة يمثل المعبر الحقيقي عن الهوية الدرعية، إضافة إلى عنصر التعدد اللغوي (العربية –الأمازيغية) يثمر أداتين لغويتين للأهازيج الغنائية بدرعة، وتنوع وسائل الغناء، وطرق الأداء من مجموعة إلى أخرى بحسب الفن الغنائي، والجماعة البشرية التي تمارسه، وتنوع الأجناس الأدبية الشعبية (الشعر الشعبي، المثل الشعبي، اللغز الشعبي، الحكاية الشعبي)، وغناها بالقصبات والنقوش الصخرية ذات الحمولة التاريخية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وحتى السياسية. أما المداخلة الأخيرة فقد وسمها الباحث عبد الإله حميد ب»صورة اليهود المغاربة بين البحث الأكاديمي والمقاربة الديداكتيكية، وهي عبارة عن دراسة إسهام إدماج التنوع الثقافي في الكتب والممارسة المدرسية» منطلقا من دوافع الاختيار التي أجملها في ندرة الأبحاث المرتبطة بالموضوع بخاصة تلك المتعلقة بالميدان التربوي، والرغبة في ملامسة مستوى علاقة البحث الأكاديمي بالجامعة حول اليهود الذين شكلوا جزء لا يتجزأ من مكونات أسئلة التعدد والتنوع الثقافي عبر التاريخ عموديا وأفقيا. طارحا عددا من الإشكالات: ماهي ملامح صورة اليهود في الكتب المدرسية الحالية، وفي تمثل بعض أساتذة وتلاميذ المرحلة الثانوية الإعدادية؟ كيف تبرز صور اليهود من خلال الخطاب الديني (مادة التربية الإسلامية)، والخطاب الأدبي (مادة اللغة العربية)، والخطاب التاريخي (الاجتماعيات)؟ ماهي الإطارات المرجعية والفكرية والثقافية التي تحكمت في بناء صورة اليهود في الكتب المدرسية؟ إلى أي حد تنسجم المعرفة المدرسية التي تؤسس صورة اليهود في الكتب المدرسية مع المعرفة الأكاديمية التاريخية حول اليهود؟ باسطا عددا من الفرضيات كانحصار الكتب المدرسية في المقاربات التقليدية في معالجة قضايا العلاقة مع «الآخر» اليهودي، وتكريسها لصور سلبية تجاه اليهود تساهم في التباعد الثقافي بين عناصر المجتمع المغربي، ولا تعكس تنوعه الثقافي. إضافة إلى أن الكتب المدرسية لم تنجح في ترجمة التوجهات التربوية التي تؤكد على التسامح، والتعدد الثقافي في مضامينها، مما يجعلها تكرر القيم والصور السلبية عن اليهود. وقد خلصت الدراسة إلى أن هناك تركيزا على تنوع روافد الثقافة الوطنية، غير أن خطابها مع ذلك بعيد عن إبراز دور الثقافة اليهودية في بناء الهوية الوطنية. وبالموازاة مع لقاء التنوع الثقافي، تمّ نصبُ خيام للتعريف بتراث المنطقة، وارتفعت الأهازيج احتفالا بالسنة الأمازيغية الجديدة، وقد عرف اليوم الثاني تنظيم ورشات تكوينية حول عمليات توثيق التراث الشفاهي أطرته الباحثة السعدية، همَّ تنظيم آليات العمل لفريق البحث المحلي الذي سيشرع في عمليات جمع التراث الشفاهي وتوثيقه بآلات تسجيل خاصة وزعت بهذه المناسبة، والطرق المنهجية التي سيتم اعتمادها في العمل الميداني، وضمّ فريق العمل باحثين من مختلف دواوير زاكورة العارفين بخباياها ودروبها. شاعر