محاورة تراهن على تأسيس سيرة فنان وعرض لخارطة تكون المسرح المغربي يرى مدير المعهد العالي للصحافة والاتصال بالدارالبيضاء محمد طلال، أن كتاب الأستاذ حسن حبيبي الموسوم ب»الطيب الصديقي قصة المسرح» باعتباره مقابلة صحافية، نحا منحى مغايرا على مستوى تقنية صياغة الحوار، وهو ما سمح بخلق التناغم بين الأسئلة والأجوبة، وبالتالي جعل من هذه المقابلة نصا مفتتا ومتكاملا في آن واحد. وقدم الكاتب المسرحي محمد بهجاجي خلال هذا اللقاء الذي احتضنه مقر المعهد في بحر الأسبوع الماضي والذي غاب عنه الصديقي بسبب ظروف صحية، قراءة نقدية في كتاب «الطيب الصديقي قصة مسرح»، مشيرا في مستهل عرضه إلى أن الحوار الصحفي يعد أصعب الأجناس الصحفية وهو يضاهي ما يتطلبه التحقيق أو الاستطلاع من مهارات، وهناك قواعد تضبطه، وأنه للحصول على أهم الاستجوابات، لا بد من الأسئلة الجيدة، فهي التي تساهم في صناعة المادة الصحافية، كما أن على المحاور أن يحافظ على مسافة ثقة ونقد بينه وبين من يجري معه الحوار، فلا يسقط في لحظة انبهار أو تعالي، وعليه كذلك أن يكون على إلمام بالمساحات التي يعالجها الحوار، وأن يتمتع بذخيرة معرفية وقوة انتباه. واعتبر بهجاجي أن ما ساهم في إنجاح مادة هذا الكتاب، حصول تواطؤ بين المحاِور حسن حبيبي والمحاوَر الطيب الصديقي، أخذا بعين الاعتبار أن التواطؤ يعد أرقى المستويات التي تسمح بإنتاج مادة صحفية عن شخصية ما. الحوار مع الطيب الصديقي في هذا الكتاب يشكل توليفة وتقابلا مع أجناس أخرى، ويراهن على تأسيس سيرته الإبداعية وعرض لجنيالوجيا أو خارطة تكون المسرح المغربي، إيمانا بأن تاريخ مسرح الطيب الصديقي هو تاريخ المسرح المغربي بكل لحظات التوهج والانكسار، فقد قام بالاقتباس وفتح بذلك المغاربة على ربرتوار المسرح العالمي: موليير وغوغول وغيرهما، مشكلا لحظة أساسية في البحث عن أسلوب مسرحي وإثبات إمكانية العقل المسرحي على محاورة المسرح الآخر، قبل الانتقال إلى بناء كلمته وأسلوبه الخاص، والانخراط في جدل نظري وفكري كان مرتبطا بأسماء متعددة، غير أنه لم يظل محصورا في الاجتهاد النظري بل سعى إلى بناء شكل مسرحي مميز، من قبيل: بديع الزمان الهمذاني ورسالة الغفران والحراز.. وأكد بهجاجي كذلك على أن الحوار في هذا الكتاب، يعرف تقاطعا مع أجناس تعبيرية أخرى: التحقيق والاستطلاع وغيرهما، ورصد لحظات دقيقة في تجربة الصديقي، هذا الذي بدا جليا أكثر كرما من حيث التعبير عن مشاعره المختلفة، والوقوف عند لحظة معبرة في تاريخ المسرح بمدينة الدارالبيضاء على وجه الخصوص، وهي تلك المتعلقة بهدم المسرح البلدي، هذا الفضاء الذي كان يشكل خزانا للمسرح والذي ترك فيه الفنانون قطعة من دمهم وعرقهم وأحلامهم. وقد كان قرار الهدم، مناسبة لولادة نص مسرحي للطيب الصديقي، وهو الموسوم ب «حفل عشاء ساهر». وخلص بهجاجي إلى أن كتاب «الطيب الصديقي قصة مسرح» يعد ثمرة نجاح بين المؤلف حسن حبيبي باعتباره إعلاميا وبين كرم الصديقي بصفته فنانا، نذر حياته للمسرح. وأشار مؤلف الكتاب حسن حبيبي إلى أن الحوار مع الطيب الصديقي، كان شبيها بتطهير ذاتي، وأنه تمت صياغته أصلا باللغة الفرنسية، قبل أن يعمد إلى إعداد نسخته العربية. وتحدث عن البدايات الأولى لتشكل هذا الكتاب، حيث أنه كان قد نشر قراءة نقدية حول مسرحية «أبو حيان التوحيدي»، وأبرز الجانب الانزياحي فيها، وعقب ذلك اتصل به الصديقي ودعاه إلى بيته، وتمتنت الصداقة بينهما، ومن ثم تولدت فكرة إجراء مقابلة صحافية طويلة معه. هذه المقابلة التي كانت بالنسبة إليه بمثابة اختبار، على اعتبار أن المحاوَر متعدد الاهتمامات: مسرحي وشاعر ورسام ومخرج وخطاط ينتبه-حسب تعبيره- إلى أشكال تشبه الحروف وتجعل لها مقاما. وعبر حبيبي أيضا -في هذا اللقاء الاحتفائي بمؤلفه- عن نيته إصدار جزء ثان له، يشغل مرحلة ما بعد هدم المسرح البلدي بالدارالبيضاء. تميز هذا اللقاء كذلك بحضور فرقة تكدة لأجل المتابعة فقط وليس التنشيط الغنائي، وبالنظر إلى الماضي المشترك الذي يجمعها بالمسرحي الطيب الصديقي؛ فقد استحضر أحد أفرادها –أحمد الروداني- مجموعة من الذكريات التي اتسمت بالكثير من الطرافة والغرابة.