الذين يتتبعون أعمال الكاتب محمد بهجاجي يعرفونه مؤلفاً مسرحياً جاداً تألقت أعماله مع الفنانة ثريا جبران. يعرفونه من خلال »البتول« و »العيطة عليك« و »الجنرال« و »الورقة الأخيرة في حياة المسمى الطّاهر« إلخ. غير أن بهجاجي هو أساساً باحث أساسي في المسرح المغربي. وقد سبق له أن أصدر كتاب »ظلال النص: قراءة في المسرح المغربي سنة 1991«. وفي هذا الكتاب، الذي اختار له عنوان »بلاغة الالتباس«، يواصل بهجاجي سَبْره للخطاب المسرحي المغربي، سواء على مستوى تتبع تطور موضوعاته التي تعكس انخراط المسرح المغربي في المجتمع، أو على مستوى تجديد اللغة وآليات التعبير، أو على صعيد المشاهدة. إن الالتباس باعتباره مكوّناً أساسياً للمسرح المغربي، لا يُعتبر عنصراً سلبياً، بقدر ما هو نُسغ حيوي يعكس تفاعل المسرحي والمخرج وكاتب السيناريو مع الواقع المتحوّل سلباً وإيجاباً. لذلك، فإن لهذا الالتباس مظْهراً مجازياً واستعارياً هو الذي يشكل بلاغته. غير أن للبلاغة، في الكتاب، بُعداً آخر لا يقل أهمية، هو المراوحة بين لعبة النور والعتمة على الخشبة. في هذا السياق، يقول بهجاجي عن نصوص الكتاب: »هي مسارات متقاطعة تسمح لي، من خلال نشرها في كتاب، باقتسام متعة قراءة المسرح. إذ لاشيء يمكن أن يُسعد قُراء المسرح وممارسيه وعشّاقه أكثر من أن يروا الحياة على الخشبات لاتزال ممكنة، والضوء يواصل تبديد العتمات ويرسم مجدداً بلاغة الالتباس، ودقات القلب مضبوطة على إيقاع المسرح وظلاله«. ثم إن الكاتب لا يقف عند مرحلة مسرحية بذاتها، بقدر ما يربط تجارب الحاضر بالماضي مُتتبِّعاً خيط أرْيان الذي يشكّل لحمة الخطاب المسرحي في بلادنا، ويجمع بين أسماء عشقها المشاهد المغربي: الطيب الصديقي، يوسف فاضل، ثريا جبران، محمد قاوتي، عبد اللطيف اللعبي، عبد الواحد عوزري، جواد الأسدي... نحن نعرف أن محمد بهجاجي من بين الكُتاب الذين يتهيّبون من النّشْر، ويعيدون مراجعة مؤلفاتهم كثيراً. لذلك لا نجد في بلاغة الالتباس، ذلك الحشو الزّائد، ولا تلك اللغة المراوغة التي تختفي وراء افتعال الغموض. ذلك أن جملة واضحة، وخطابه يذهب مباشرة إلى الغرض، وهو الأمر الذي يمكن القول معه بأنه يتميّز، باعتباره كاتباً، بما نسمّيه »بلاغة الوضوح« وهو يتحدث عن »بلاغة الالتباس«.