تبنى الرئيس السوري بشار الأسد مبادرة المبعوث الأممي، الأخضر الإبراهيمي، بشأن الحل السياسي، لكن بعد تطويعها لتثبيت بقائه في السلطة إلى ما بعد 2014، عكس ما تطرحه المبادرة التي تهدف إلى توفير «خروج مشرّف» له. ورفض الأسد أي حديث عن التنحي التلقائي عن السلطة، وهي الخطوة التي انتظرتها قوى دولية وإقليمية مناصرة لحل سياسي في سوريا ينزع فتيل حرب دامية خلفت ما لا يقل عن 60 ألف قتيل. وأعاد الرئيس السوري، في كلمة احتضنتها قاعة الأوبرا بدمشق وحضرها مئات من المسؤولين، مفردات خطابه التي استعملها عند بدء الأزمة، وهي المفردات التي تلقي المسؤولية على الآخرين مثل «مواجهة التآمر من الخارج»، و»المضي في مكافحة الإرهاب»، و»التحاور مع غير المتعاملين مع الخارج» أو «الارهابيين» و»المتطرفين». وقال مراقبون إن حالة الهدوء التي بدا عليها الأسد تعكس رغبة منه في الظهور بمظهر المتماسك في محاولة منه لرفع معنويات القوات النظامية وتشجيعها على الصمود خاصة أن قوات المعارضة أصبحت على أبواب دمشق التي لا تكاد تخلو يوميا من عمليات تفجير تستهدف مراكز سيادية. وأضاف المراقبون أن الأسد يحاول النفاذ من الحصار السياسي الخانق باللعب على قضية الإرهاب في مغازلة للولايات المتحدة التي رفعت الفيتو أمام حصول المعارضة على السلاح النوعي الذي يمكنها من الإطاحة بالأسد. وكانت واشنطن قد وضعت جماعة «النصرة» السورية المتشددة على قائمة الإرهاب، وجمدت أرصدة بعض قيادييها، وتتخوف إدارة اوباما من أن تهيمن هذه الجماعة على المشهد بعد سقوط الأسد خاصة في ظل قدرتها التسليحية وإمكانياتها المالية والبشرية. ولفت متابعون إلى أن الأسد حاول خلط الأوراق ليتهم مختلف المعارضين له بأنهم «إرهابيون» أو «دمى» و»عصابات تؤتمر من الخارج»، ليخلص إلى عدم وجود شريك للحوار، وهي دعوة ضمنية إلى حوار بين النظام وشخصيات بقيت بالداخل تنتمي إلى الجبهة الوطنية التقدمية التي كانت واجهة لحكم البعث طيلة العقود الأربعة الأخيرة، وكأنما البعث يسعى لمحاورة نفسه. وقال الأسد في هذا السياق الذي يستثني معارضة الخارج، والمعارضة المسلحة من أي دور في الحل «سنتحاور مع كل من خالفنا بالسياسة، سنحاور احزابا لم تبع وطنها للغريب، سنحاور من ألقى السلاح». وعرض الرئيس السوري، الذي ظهر إلى العلن بعد أسابيع من الاحتجاب عن الأضواء، تفاصيل خطته للحل في المرحلة القادمة، وهي خطة قال متابعون إنها امتداد لأفكار المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي التي عرضها أمام الأسد، لكن بطريقة تجعل نهاية الخطة في خدمة بقائه، وليس رحيله. وفي أول بنود الحل كما يراه الأسد «تلتزم الدول المعنية الإقليمية والدولية بوقف تمويل وتسليح وإيواء المسلحين بالتوازي مع وقف المسلحين كافة العمليات الإرهابية، ما يسهل عودة النازحين «...» بعد ذلك يتم وقف العمليات العسكرية من قبل قواتنا المسلحة». وتعهد بشار بعد ذلك بأن تتولى حكومته تسهيل عقد مؤتمر وطني واسع «وفق الشروط السابقة» للوصول إلى ميثاق وطني ينتهي بتشكيل حكومة وطنية ائتلافية تعد لإجراء انتخابات برلمانية تستبق موعد الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 2014، والتي يتمسك الأسد بحقه في الترشح لها صحبة آخرين. وخلص مراقبون إلى القول إن خطاب الأسد لم يمثل فقط صدمة للسوريين الذين توقعوا أن يقدم لهم خشبة النجاة من حرب أهلية بخلفية طائفية، وإنما سيكون وقعه قويا على الأصدقاء خاصة الروس الذين يبحثون له عن حل مشرّف للخروج من الحلبة السياسية. وكان الإبراهيمي التقى الأسد وقدم له أفكارا للخروج بحل سياسي راج أنها مبادرة أميركية روسية مشتركة تسعى لمحاصرة الآثار الإقليمية لحرب تداخل فيها الفاعلون بعد تقارير استخبارية عن وصول أعداد كبيرة من الجهاديين إلى سوريا عبر الأراضي التركية وبتمويل قطري. وتتخوف الولاياتالمتحدة من خلق حالة عراقية جديدة في المنطقة، وهي التي ما تزال تعاني من مخلفات تفتيت الدولة العراقية وتسريح الجيش، والسماح للميليشيات والمجموعات الطائفية باستثمار حالة ما بعد سقوط الدولة «حل الجيش، وقوات الأمن». ويقول مراقبون إن المبادرة التي حملها الإبراهيمي تلقى دعما إقليميا وخاصة من بعض دول الخليج التي تريد الوصول إلى حل في أقرب فرصة وتقليل الخسائر، وخاصة التأثيرات المحتملة على المنطقة في ظل صعود تيارات متشددة تركب على الأحداث لتحقيق أجندات تهدد الأمن الإقليمي. كما أعلنت إسرائيل على لسان رئيس وزرائها بن يامين نتنياهو أن عناصر من «الجهاد العالمي» حلت مكان قوات الجيش السوري في هضبة الجولان وأن إسرائيل ستبني جدارا عند هذه الحدود مشابها للجدار عند الحدود بين إسرائيل ومصر. وقال نتنياهو «نعلم أن الجيش السوري النظامي ابتعد عن الحدود ودخلت مكانه قوات الجهاد العالمي، ولذا يتوجب علينا حماية هذه الحدود من التسلل ومن العناصر الإرهابية على حد سواء كما نعمل بنجاح عند حدودنا مع سيناء». ويشير المراقبون إلى أن الدول القليلة التي تدعم خيار الحل العسكري في سوريا تفعل ذلك لأنها تورطت في معاداة نظام الأسد، مثل تركيا التي أصبحت جزءا من الأزمة عبر قضية اللاجئين، ثم عبر تخوفها على مصالحها في حال بقاء النظام.