تكريس نهج تشاركي معبئ للطاقات في بلورة وتفعيل السياسة العمومية تشكل سنة 2012 بحق سنة تطبيع العلاقات بين الفاعلين في الحقل الثقافي، وخصوصا بين القطاعات الحكومية الوصية والمنظمات المهنية، مما يؤشر على تكريس نهج تشاركي معبئ للطاقات في بلورة وتفعيل السياسة العمومية في مجال حيوي مدعو الى مواكبة التحولات العميقة التي تعرفها البلاد، سياسة واقتصادا ومجتمعا. وبغض النظر عن طبيعة المكتسبات التي تحققت ومحتوى دينامية الفعل الثقافي خلال العام، الذي يرادف عمر التجربة الحكومية الحالية، فإن ترميم العلاقة بين القطاعات الحكومية والفاعلين المباشرين في الإنتاج الثقافي والفني يفسح المجال أمام توقع تطورات إيجابية على جملة من المستويات من قبيل النهوض بالأوضاع الاعتبارية للمبدعين ودعم الإنتاج الثقافي والفني الوطني وتقريب المنتوج الثقافي من أوسع الشرائح وانخراط المهنيين والجماعات الترابية والمجتمع المدني في تنشيط الحياة الثقافية وتقنين مختلف أوجه الممارسة الإبداعية. وتجسدت هذه المقاربة في سلسلة اللقاءات التي جمعت وزارة الثقافة بالنقابات المهنية في مجالات الكتاب والمسرح والموسيقى، وفي إطلاق ورش استراتيجيات إنعاش القطاع الثقافي، كما عكستها المناظرة الوطنية للسينما التي انخرط فيها مختلف الفاعلين في الفن السابع. وعكست هذه الحركية وعيا متناميا بمحدودية البرامج والسياسات الأحادية المفصولة عن اجتهادات وانشغالات المعنيين المباشرين. وتشكل استراتيجيتا «المغرب الثقافي» و «التراث 2020» ورشين أساسيين فتحتهما وزارة الثقافة في سياق تطلعها الى وضع أسس متجددة لتدبير الشأن الثقافي في المغرب وتثمين الهوية المغربية المتعددة الروافد وربط الثقافة بالأهداف التنموية للبلاد. وتشكل هاتان الاستراتيجيتان الى جانب ورش الصناعات الثقافية الإبداعية ووضع منهجية جديدة للشراكة أهم المحاور التي انصبت عليهما مجهودات وزارة الثقافة وعكستها حصيلة عملها السنوية. وفي إطار استراتيجية «المغرب الثقافي» عملت الوزارة على إعداد وثيقتين هامتين، الأولى عبارة عن تقرير قطاعي يرصد وضعية مختلف التعبيرات الثقافية والفنية وأوجه النهوض بها، والثانية بمثابة مشروع ميثاق وطني للثقافة المغربية. أما استراتيجية «التراث في أفق 2020» فترتكز على جوانب تشريعية وتواصلية وإجرائية. ويتعلق الأمر أساسا بمراجعة القانون المتعلق بالمحافظة على التراث الثقافي ووضع الميثاق الوطني للمحافظة على التراث الثقافي والطبيعي فضلا عن منظومة الكنوز البشرية الحية بالمغرب ، وهي آلية للحفاظ على التراث اللامادي الأكثر انتشارا. وفي مجال السينما، اعتبر السينمائيون المغاربة المناظرة الوطنية حول السينما، التي نظمت من 16 الى 18 أكتوبر الماضي، محطة تاريخية تم من خلالها الوقوف عند واقع السينما المغربية واستشراف آفاقها المستقبلية عبر ورشات شارك فيها أزيد من 300 متدخل في القطاع، في أفق إعداد الكتاب الأبيض حول قطاع السينما. وعرفت المناظرة تنظيم تسع ورشات علمية شارك فيها أكاديميون ومتخصصون في مجال الفن السابع، وأفرزت توصيات همت مختلف قطاعات الفعل السينمائي. وارتباطا بهذا القطاع، عرفت السنة السينمائية لحظات قوية، من خلال أفلام صنعت الحدث وحققت نجاحا في المهرجانات داخل المغرب وخارجه من قبيل «أندرومان» لعز العرب العلوي المحارزي و «يا خيل الله» لنبيل عيوش و «موت للبيع» لفوزي بنسعيدي و «الحافة» لليلى كيلاني، فيما يتمسك بعض المراقبين بأن التفاوت في الجودة مازال يعوق تحقيق التراكم الكيفي المنشود في السينما المغربية. وحافظت المواعيد الكبرى للفن السابع بالمغرب على استمراريتها وزخمها على غرار المهرجان الوطني للفيلم بطنجة الذي توج «الحافة « لليلى كيلاني بالجائزة الكبرى ومهرجانات خريبكة (السينما الافريقية) وتطوان (السينما المتوسطية) وسلا (سينما المرأة) وأكادير (الفيلم الوثائقي). وهي مواعيد كرست انفتاح المغرب على مختلف عوالم الفن السابع. وتوجت هذه المواعيد بتنظيم الدورة 12 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم الذي احتفى بالسينما الهندية واستضاف رموزها الأسطورية مثل أميتاب باشان وشاروخان وكرم مخرج «صمت الحملان» جوناثان ديم، وتوج فيلما لبنانيا «الهجوم» للمخرج زياد دويري بنجمته الذهبية. وفي مجال الموسيقى والغناء، جددت المواعيد الفنية الكبرى صلتها بجمهور محلي ودولي واسع، مكرسة تقاليد اللقاء والتفاعل المباشر مع فنانين ذوي صيت عالمي، شأن مهرجان فاس للموسيقى العريقة ومهرجان كناوة بالصويرة ومهرجان «موازين..إيقاعات العالم» الذي استقطب في دورته الأخيرة أسماء لامعة في الغناء والموسيقى، وطنيا وعربيا ودوليا: ماريا كاري، سكوربيونز، الشاب خالد، فضل شاكر، نانسي عجرم، نعيمة سميح، كريمة الصقلي... وفي عالم الكتاب والكتاب، استعاد المعرض الدولي للنشر والكتاب (من 10 الى 19 فبراير) بعضا من عافيته وإشعاعه الوطني والدولي وشكل مناسبة لمنح جوائز المغرب للكتاب التي توجت عددا من المبدعين والباحثين المجددين في مختلف أصناف الأدب والفكر بالمغرب. ولم يمر عام 2012 دون حسم الوضعية المعلقة لاتحاد كتاب المغرب الذي عقد، بعد مخاض عسير، مؤتمره الوطني الذي نظم يومي 7 و 8 شتنبر وعرف تجاذبات محمومة انتهت أخيرا إلى انتخاب رئيس للاتحاد، عبد الرحيم العلام، ومكتب تنفيذي جديد، تواجهه تحديات كبيرة لاسترجاع الثقل الرمزي والاعتباري الذي راكمته مؤسسة ثقافية عريقة. خطوات تحققت من شأنها أن تعطي دفعة لحركية الإنتاج الثقافي والفني بالمغرب، لكنها تظل بعيدة عن سد العجز الحاصل في العرض الثقافي الإبداعي، لا سيما أن الميزانية المرصودة، بحسب المعنيين، لا تغطي حاجيات القطاع، وبالتالي يظل الرهان على مقاربة تشاركية تسمح بتعبئة أوسع للطاقات وتقاسم في الأعباء وانخراط لكل الفاعلين في مجال يعتبر من طرف كل الأدبيات التنموية معاملا حيويا في الدفع بالبلاد على طريق التنمية المجتمعية الشاملة. حصاد عام 2012 الثقافي عرفت الساحة الثقافية في المغرب، خلال العام الحالي، عددا من الأحداث الثقافية، كان من أهمها الاحتفاء بمرور قرن على اختيار الرباط عاصمة للبلاد. وتميزت هذه السنة أيضا بخروج اتحاد كتاب المغرب من جموده، وتمكنه من عقد مؤتمره الثامن عشر، بعد خلافات كبيرة نشبت بين أعضائه كادت تعصف بأقدم مؤسسة ثقافية في البلاد، إذ انتخب الناقد عبد الرحيم العلام رئيسا لاتحاد كتاب المغرب في ماي الماضي، وتولى العلام رئاسة الاتحاد بعد فترة عرف فيها مشاكل داخلية أثرت على أنشطته منذ إقالة رئيسه السابق الناقد عبد الحميد عقار عام 2009. بحثت القيادة الجديدة لاتحاد الكتاب خلال عام 2012 مع عدد من وزراء حكومة عبد الإله ابن كيران، وهم: وزير الثقافة، ووزير الاتصال (الإعلام) الناطق باسم الحكومة، ووزير الأوقاف، ووزير النقل، كيفية إعادة العمل الثقافي إلى الواجهة. ثم توجت اللقاءات مع عبد الإله ابن كيران نفسه، الذي جمع، بالإضافة إلى اتحاد كتاب المغرب، ممثلين عن النقابة المغربية لمحترفي المسرح، والنقابة الحرة للموسيقيين المغاربة، والنقابة الوطنية للمهن الموسيقية، لبحث أوضاع الإبداع في المغرب، على أصعدة الكتابة والمسرح والموسيقى، وأثيرت خلال اللقاء قضايا الأدب، والوضع الاجتماعي للمبدعين والفنانين المغاربة إضافة إلى إشكالية حماية حقوق المؤلف، كما تمت مناقشة النهوض بأوضاع الفن والأدب، وإعادة الاعتبار للمبدع في مجالات الكتابة والموسيقى والمسرح على المستويين المادي والمعنوي. خلال هذه السنة، أعلنت وزارة الثقافة أسماء الفائزين بجائزة المغرب للكتاب لعام 2011 في أصناف الدراسات الأدبية والفنية، والعلوم الإنسانية والاجتماعية، والترجمة، والشعر، والسرديات والمحكيات. كان الفائزون بها على التوالي: رشيد بنحدو عن كتابه «جماليات البين بين»، وإدريس شحو عن كتاب «التوازنات البيئية الغابوية بالأطلس المتوسط الغربي»، وأحمد الصادقي عن «إشكالية العقل والوجود في فكر ابن عربي: بحث في فينومينولوجيا الغياب»، وعز الدين الخطابي لترجمته كتاب «الفلسفة السياسية في القرنين التاسع عشر والعشرين» لمؤلفه غيوم سيبرتان، وحسن الطالب الذي ترجم كتاب «ما التاريخ الأدبي» لكليمان موازان، وعمر القاضي عن كتابه «الإبحار في إيثاكا»، ومحمد زهير عن كتابه «أصوات لم أسمعها»، في حين نال جائزة لجنة الشعر حسن نجمي، رئيس اتحاد كتاب المغرب الأسبق، عن ديوانه «أذى كالحب». ونظمت وزارة الثقافة المغربية للعام السابع على التوالي «ليلة الأروقة»، أحد أهم الأحداث الفنية والثقافية في المغرب، وشاركت في «ليلة الأروقة» هذا العام 77 قاعة للمعارض الفنية في 15 مدينة مغربية، فتحت أبوابها للجمهور حتى منتصف الليل لمشاهدة أعمال كبار الفنانين وكذلك المبدعين الشبان في مجال الفن التشكيلي، وأتاحت التظاهرة لسكان بعض المدن الصغيرة فرصة مشاهدة أعمال الرسامين والنحاتين والمصورين، الذين نادرا ما يعرض إنتاجهم خارج مدينتي الرباطوالدارالبيضاء. وكانت «ليلة الأروقة» في بداية عهدها قبل سبع سنوات تقتصر على الرباط، لكنها امتدت في عام 2012 إلى مدن صغيرة، مثل «مولاي إدريس الزرهوني» و«قلعة مكونة»و«شفشاون»و«أصيلة» وأزمور. وحققت «ليلة الأروقة» نجاحا ملحوظا، تجسد في الإقبال الجماهيري على «قاعة محمد الفاسي» لمشاهدة أعمال مصطفى مفتاح الذي نظم أول معارضه الفنية عام1977. واستضاف «مسرح محمد الخامس» في الرباط في «ليلة الأروقة» معرضا للفنان المغربي عزيز تونسي الذي يستخدم فرشاته بأسلوب بسيط ومؤثر في التعبير عن الصراع بين الرجل والمرأة. وفي مدينة الدارالبيضاء، نظم المعرض الدولي الثامن عشر للنشر والكتاب، الذي ينظم سنويا، وكان هذه السنة تحت شعار «وقت للقراءة.. وقت للحياة»، وكانت السعودية ضيف شرف الدورة 18 التي احتفت فعالياتها بالكتاب والمبدعين، وكانت بمثابة موسم ثقافي جديد. وكان الربيع العربي وتداعياته ضمن أبرز فعاليات المعرض، حيث جرى تخصيص ندوات حول تداعيات الربيع العربي على الابتكار والإبداع. وعرف المعرض مشاركة أكثر من سبعمائة دار نشر مغربية وعربية وأجنبية من نحو 44 دولة في فضاء العرض والفعاليات الثقافية المرافقة. وفي سياق منفصل، عاشت مدينة الرباط الكثير من الأحداث الثقافية، حيث احتفلت الرباط بمرور قرن على اختيارها عاصمة للمغرب، وضمها إلى قائمة منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة للأمم المتحدة (اليونيسكو) لمواقع التراث الإنساني العالمي. وأقيم بهاتين المناسبتين معرض كبير للفن التشكيلي في باب الرواح - أحد معالم العاصمة المغربية. وضم المعرض مجموعة متنوعة من الأعمال الفنية، معظمها تملكه مؤسسات خاصة ومقتنون. كما نظم معرض آخر في «باب الكبير»، موضوعه الرئيسي قصبة الوداية وهي أيضا من المعالم الرئيسية للعاصمة المغربية. كما أصدرت وزارة الثقافة كتاب «رسائل من جغرافيات متقاطعة» الذي اشتمل على 52 نصا كتب من قبل كتاب من مختلف أنحاء المغرب، حول انطباعاتهم عن الرباط. وفي مدينة الرباط أيضا، احتفل بالأيام الثقافية الجزائرية في المغرب، وشمل الاحتفال إقامة معرض يبرز جانبا من الثروة الثقافية الجزائرية، وذلك عبر الألبسة التقليدية والحلي والفخار والكتب والفنون التشكيلية، كما تم الإعلان عن إقامة «أيام ثقافية» مغربية في الجزائر خلال العام المقبل. وودع المغرب، خلال العام الماضي، ثلاثة من الأدباء المغاربة، حيث رحل في 24 أبريل عبد الجبار السحيمي الأديب والإعلامي الذي رحل عن سن تناهز 74 سنة بعد صراع طويل مع المرض، وعرف الفقيد بإنتاجاته الأدبية خصوصا في مجال القصة القصيرة. ومن بين إصداراته الأولى «مولاي» و«الممكن من المستحيل» في أواسط الستينات، كما صدر له كتاب بعنوان «بخط اليد»، إلى جانب مساهمته في كتاب جماعي بعنوان «معركتنا العربية ضد الاستعمار والصهيونية» الصادر عام 1967. كما أصدر السحيمي، رفقة محمد العربي المساري ومحمد برادة مجلة «القصة والمسرح» عام 1964، كما كان مديرا لمجلة «2000» التي صدر عددها الأول والوحيد في يونيو 1970. وفي 12 غشت رحل عبد الرزاق جبران، وهو شاعر وناقد مغربي صدر له ديوانان؛ هما: «أسماء» و«بياض الحروف»، وكانت له كتابات نقدية منشورة في الصحف والمجلات والكتب الجماعية والندوات، وهو رئيس نادي الوحدة للإبداع وتحليل الخطاب. وفي أول ديسمبر ، توفي أحمد الطيب العلج، الفنان الزجال، عن عمر يناهز 84 سنة وهو الملقب باسم «موليير المغرب»، وترك وراءه رصيدا فنيا متنوعا يضم الكثير من الأعمال المسرحية والقصائد الزجلية التي غناها أشهر المطربين المغاربة مثل عبد الهادي بلخياط وعبد الوهاب الدكالي ونعيمة سميح وغيرهم.