حلقت روح الراحلة آسية الوديع في كل زوايا مسرح محمد الخامس بالرباط، ليلة أول أمس الخميس، وحفتها رجالات ونساء تمثل كل الطيف المغربي، هذه الليلة التي تنبأت فيها حضارة المايا، بنهاية العالم، كانت هي بداية حياة جديدة لامرأة هي بشاسعة الوطن. لم يكن حفل تأبين ماما آسية عاديا، لامرأة عادية، فقد كانت قيد حياتها تشكل الاستثناء، وها هي بعد رحيلها تشكل الاستثناء أيضا. كانت ترفض أن يعيش الإنسان لنفسه، و ظلت تعيش للآخرين، حاملة قضياهم وهمومهم، مؤمنة بقيم الحياة والحرية والعدالة والكرامة، كقضايا كرست حياتها للدفاع عنها، وها هي الآن تعيش في قلوب كل هؤلاء الذين عاشت لأجلهم. ليلة الوفاء لماما آسية كانت بمبادرة من المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، بتعاون مع عائلة الراحلة، حضرت مستشارة جلالة الملك زليخة نصري ورئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، وزعماء الأحزاب السياسية والوزراء وجمعيات المجتمع المدني وأفراد العائلة وأناس بسطاء عاشورا الراحلة أو حتى من سمع بعطائها ونضالها، كانت قاعة مسرح محمد الخامس مملوءة عن آخرها. وسط كل هؤلاء المحبين، ألقت زليخة نصري بكل تأثر، كلمة باسم جلالة الملك محمد السادس والتي قال فيها «إن عطاء الراحلة كان متميزا في خدمة القضايا الإنسانية»، وكرست حياتها من أجل مجتمع الكرامة وحقوق الإنسان، وأضاف جلالته «إن المجتمع يحتاج إلى امرأة من طينة آسية الوديع» واصفا إياها بنموذج «العطاء بلا حساب». الرسالة الملكية استحضرت كل مناقب وخصال آسية الوديع التي كرست حياتها للدفاع عن حقوق الإنسان، وجعلت قضايا السجون والسجناء قضيتها المركزية، راسمة سياسة جديدة في التعامل مع هذه الفئة الهشة، التي ينبغي أن تصان حقوقها، وتحمي كرامتها رغم خصومتها مع القانون. يوسف الشهبي ابن الراحلة الذي ألقى كلمة باسم العائلة، ترجم من خلالها صدقية الأم والإنسان التي رهنت حياتها للبسطاء الذين أحسوا بها، وأحسوا بغيابها عنهم، وقال «إن البسطاء يحسون بالصادقين» وأن «البلاد تبكي رحيل والدته مما جعل الأسرة غير نادمة على تقاسم حبها مع الغير». لقد حصل الإجماع على المرأة الاستثناء، فهي امرأة « أكثر من موضوع، وأبعد من منظور.. قد ننجح في رسم البدايات وقد لا نقترب من النهايات وكيف لي أن أقوم بتأبين عملة نادرة غير قابلة للصرف» على حد تعبير محمد الصبار الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان في كلمة له ألقاها بالمناسبة، في الراحلة التي وصفها ب»الزاهدة» التي لم اختارت مسار حياتها المهنية، بإرادة ودون أي اعتباط واشتغلت على القواعد القانونية والأصول الفقهية وقواعد العدل والإنصاف وشكلت نموذجا نادرا في النزاهة والحرص على القيم. وأضاف الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن الراحلة عرف عنها المقاومة بدون هوادة ودون مساومة ضد مغتصبي القواعد القانونية وأحكام القانون. خلال هذا الحفل التأبيني أصر أحد النزلاء السابقين الذي رفض الكشف عن هويته، على أن يطلق صرخة نزيل سابق، وهي عبارة عن أغنية شبابية أذاعها عبر شبكات التواصل الاجتماعي فور سماعه نبأ الوفاة، وأعاد إذاعتها على مسامع الجميع، بصوت يشعرك بمدى عشق الناس لآسية الوديع. كما عزفت الطفلة ثريا الوديع ابنة أخ الراحلة خالد الوديع معزوفة على البيانو وغنت الطفل يطو الشهبي حفيدة الراحلة أغنية «تيك تك يا أم سليمان» وعزف الحاج يونس على العود والفنان أمير علي على آلة الكمان، وتولت بعد ذلك الشهادات من الأصدقاء والأقارب وكلها ذات مغزى واحد وهو الإجماع على حب أبدي للمرأة الأبدية. تحدث مصطفى فارس رئيس محكمة النقض، وتحدث الزوج محمد الشهبي طليقها، كما تحدثت الخادمة أو الأخت احتراما لرغبة الراحلة التي كانت ترفض أن تسميها بالخادمة. وكان حسن روكبان شاب تجرع مرارة السجن منذ كان عمره 15 سنة، في ظروف مأساوية إلى أن انتشلته الراحلة وعلته كيف يحب الحياة، وقال إنها ساعدته على تكوين الأسرة وعلى العمل. أمينة المريني رئيسة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، تحدث باسم الهيئات الحقوقية والثقافية والإعلامية، وبسط جزءا من مسار الراحلة المليء بالعطاء والدفاع عن المصلحة الفضلى للطفل، وختمت ب»السلام عليك آسية» .