يستعد مشهدنا السياسي والمجتمعي في الأيام المقبلة للتعرف على قادة وزعماء جدد لهيئات سياسية وجماعات دينية ومنظمات مجتمعية، هي منكبة داخليا على اختيارهم، إما بالانتخاب أو بأساليب أخرى يتفق عليها المنتسبون إليها. ولن نتوقف هنا عند مؤشرات التحول التي أصبحت تجسدها صيغ اختيار زعماء الأحزاب ومسؤولي القوى الأخرى المتفاعلة في المجتمع، وتنامي الإصرار على أسلوب الترشيح المتعدد والاقتراع الحر، وإنما نود الالتفات إلى طبيعة «البروفيلات» التي باتت تقتحم مشهدنا الحزبي بالخصوص. إن الأمر يعني فعلا أعضاء التنظيمات المعنية، ويعتبر من صميم قرارهم الحر والمستقل أن يختاروا لزعامتهم من يشاؤون، ولكن في الوقت نفسه لا بد من التأمل في صفات مشتركة تكاد اليوم تعتبر من شروط ترجيح كفة هذا عن ذاك في السباقات الانتخابية الداخلية، حتى أن بعض الأوساط، ولغرض ما في نفسها، باتت «تنظر» لحاجة الزعماء الحزبيين الجدد لكثير من الشعبوية والديماغوجية في الكلام وفي السلوك... ويتوقع الكثيرون أن يصحو حقلنا الحزبي قريبا، وهو مؤطر في غالبيته بهذه الفصيلة من الزعماء، وللجميع أن يتخيل حينها نوع الخطاب الذي سيميز حياتنا السياسية، ومستوى التنافس الانتخابي في البلاد، كما للكل أن يتخيل حجم الفقر الذي قد يصل إليه عقلنا الحزبي والسياسي وقتها. وعندما نتابع اليوم تدني مستوى الحوار السياسي داخل جلسات البرلمان مثلا، وتدني مستويات تركيبة مؤسساتنا التمثيلية المحلية والوطنية إلا من رحم ربك، وعندما يبدأ الكثيرون في الحسرة على رحيل شخصيات سياسية وطنية كبيرة كانت قبل عقود تؤثث فضاءنا البرلماني والسياسي والإعلامي، فهنا يعم الخوف من المستقبل، ويصير الاهتمام ب «بروفيلات» الزعماء الجدد اهتماما بمستقبل السياسة في البلاد. في السابق، أنجب حقلنا الحزبي والسياسي شخصيات كانت تقدم خدمات للمغرب داخل الوطن وخارجه، وتحضى بكثير من المصداقية وعلو القامة، لكن اليوم جزء كبير من العرض السياسي الوطني المقدم للمغاربة يغلفه فقر مروع في المستويات وفي الأشخاص، وصار التنافس يجري حول التفوق في ... الخواء. ليس الكلام هنا تجنيا على أحد، أو ميلا إلى تسويد الصورة، إنما هو دعوة للانتباه الجماعي إلى ضرورة الرفع من مستوى السياسة، بما في ذلك عبر الحرص على «بروفيلات» الزعماء وقادة الأحزاب والمنظمات الأخرى، والحذر من مسايرة نزوة النزول إلى الحضيض.. إن البلاد في حاجة إلى فاعلين سياسيين وزعماء حقيقيين في مستوى تحديات لحظة المغرب هذه.