لبنان الدنمارك إيران وأستونيا يتقاسمون جوائز المهرجان في ختام الدورة الثانية عشر لمهرجان مراكش الدولي للفيلم، المنعقد أول أمس السبت، توج المخرج اللبناني زياد دويري بالجائزة الكبرى للمهرجان « النجمة الذهبية»، عن فيلمه «هجوم»، وقررت لجنة تحكيم الدورة التي يرأسها المخرج البريطاني جون بورمان، جعل جائزتها مناصفة بين فيلمي طابور للمخرج الايراني وحيد فاكيليفار و»اختطاف» للمخرج الدنماركي توبياس ليندهولم. الفيلم الدنماركي الذي حاز الكثير من التنويه، أضاف إلى محصلته جائزة أحسن دور رجالي من خلال بطله سورين مالينك. وفازت الممثلة الاستونية إلينا رينولد بجائزة أحسن دور نسائي، وذلك عن دورها في فيلم «جمع الفطر» للمخرج توماس هوسار. أما بالنسبة لمسابقة الفيلم القصير المفتوحة في وجه طلاب المدارس السينمائية التي ترأس لجنة تحكيمها المخرج الفرنسي بينوا جاكو مشاركة 11 فيلما. فاز من بينها فيلم «حياة أفضل» للطالب طارق اليحمدي من جامعة عبد المالك السعدي بتطوان بجائزة أحسن فيلم قصير وهي جائزة يمنحها الامير مولاي رشيد رئيس مؤسسة المهرجان، للطلبة المتفوقين. وقد بدأت المسابقة خلال دورة 2010،. لتصبح ركنا قارا في المهرجان حيث تهدف مؤسسة المهرجان من خلال هذه المسابقة، الى خلق فضاء للإبداع السينمائي ومنح فرصة الإدماج المهني لفائدة السينمائيين المبتدئين. وتروم الجائزة الكشف عن مواهب وطنية جديدة في مجال الفن السابع من بين طلبة المعاهد ومدارس السينما بالمغرب. وتمنح جائزة مدارس السينما التي رصد لها صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد منحة قدرها 300 ألف درهم من أجل إنجاز الفيلم القصير الثاني للفائز. أما بالنسبة للمشاركة المغربية وفيلميها «ياخيل الله» لنبيل عيوش و زيرو لنور الدين لخماري، فلم ينالا حتى مجرد الذكر وذلك أمر واضح لتباين مستوى الافلام المنتقاة للمسابقة ومستوى هذين الفيلمين اللذين مهما كان الامر يمكن اعتبارهما اضافة جميلة للسينما المغربية الناشئة، وان كانا لا يرقيان الى التنافس في مهرجان دولي كبير تعتبر لجن تحكيمه ونزاهة احكامها التي تستهدف الابداع والصناعة السينمائيين فقط دون اي شيء آخر. لجنة تحكيم هذه الدورة ترأسها المخرج والسيناريست والمنتج البريطاني جون برومان وضمت المخرج المغربي الجيلالي فرحاتي والممثلة البريطانية جيما أرتيرتون والكندية ماري جوزي كروز والممثل الايطالي بيير فرانسيسكو فافينو والمخرج الأمريكي جيمس غراي والمخرج والمؤلف الكوري جيون سوو إيل والممثلة الهندية شارميلا طاغور والممثل الفرنسي لامبيرت ويلسون. قررت بعد اختلائها طيلة يوم السبت للتداول أن تمنح الجائزة الكبرى للشريط اللبناني لاعتبارات ابداعية وتقنية صرفة وللكثير من التجديد والابتكار وطريقة معالجة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي من زاوية تكاد تكون محايدة لكنها ليست كذلك وهذا ما جعل الفيلم يثير نقاشا سياسيا على خلفية الايديولوجيا لكن اللجنة لا تعير بالا سوى للاعمال التي توفر وتستوفي شروط الفعل السينمائي. « الهجوم « وأكد المخرج اللبناني الفائز، زياد دويري، أنه سعى في فيلمه «الهجوم»،إلى تقديم وجهة نظر الإسرائيلي ليس تعاطفا معه، بل من أجل دعم شرعية الموقف الفلسطيني والدفاع عنها. وأضاف «أنا لست منحازا لإسرائيل، والعالم يدرك أن الفلسطيني مشرد وأرضه مغتصبة»، مضيفا أن «فيلمي لا يسعى للدفاع أو تبرير الاحتلال وممارساته، بل على العكس من ذلك، ينشد إنصاف وتعزيز موقف المظلوم من خلال عدم إقصاء منظور الآخر، المتمثل في إسرائيل». وأكد دويري أن فيلم «الهجوم» المقتبس عن رواية للكاتب الجزائري ياسمينة خضرة، «يؤسس لمقاربة مختلفة لموضوع سياسي حساس، بعيدا عن اللغة الخشبية والخطاب الشعاراتي، في مسعى لحث العالم على الاستماع له وإقناعه بوجهة نظرنا بشكل ومنظور مختلفين». وأشار الى أن الحبكة الدرامية لهذا العمل السينمائي أضفت على الفيلم بعدا انسانيا أعمق من المستوى السياسي الضيق، مضيفا انه «يحمل رسالة حب». وأوضح أن الميزانية الاجمالية للفيلم كانت ضعيفة إذ لم تتجاوز 5ر1 مليون دولار، وبعض المشاهد القليلة صورت في إسرائيل، كما تم إشراك مواطنين من عرب 48 للقيام بأدوار في الفيلم (البطل على سبيل المثال) بالنظر لإتقانهم العبرية. وعن انفتاح الفيلم على مثل هذه القضايا الشائكة والمعقدة والحساسة، شدد دويري على أن «للفن دورا أساسيا في رصد ومعالجة القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية، خصوصا بعدما فشل السياسيون وأصابهم الترهل». وفي معرض تعليقه على اختيار فيلمه للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، قال دويري «المهرجان اختار المخاطرة...كانت له الجرأة في ذلك»، في إشارة إلى حساسية الموضوع المعالج بكل تعقيداته، مشددا على أهمية احتضان ودعم المهرجانات العربية لمثل هذه الأعمال. يقارب فيلم «الهجوم» للمخرج اللبناني زياد دويري، الذي تم عرضه اليوم الأربعاء في إطار فعاليات المهرجان الدولي للفيلم بمراكش ، خلفيات الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي كأحد أعقد الصراعات السياسية والإديولوجية في عالم اليوم، من خلال رؤية فكرية تراهن على تجاوز الخطاب الأخلاقي والكشف عن البعد المأساوي والإنساني لهذا الصراع. ويحكي الفيلم وهو من إنتاج فرنسي لبناني قطري مصري وبلجيكي مشترك قصة أمين جعفري الجراح الإسرائيلي ذو الأصول الفلسطينية، والذي يعيش في تل أبيب مندمجا في المجتمع الإسرائيلي، ويحيا حياة طبيعية سرعان ما سوف تنقلب جذريا حينما تخبره الشرطة الإسرائيلية بتورط زوجته سهام في هجوم انتحاري بواسطة قنبلة أودت بحياة 17 شخصا من المواطنين. لم يكن من السهل على الجراح المثالي العلماني المشبع بثقافة العصر ، أن يصدق رواية الشرطة وظل واثقا من براءة زوجته (سهام) ، إلى اليوم الذي سيتسلم رسالة كتبتها قبل تفجيرها الانتحاري تؤكد فيها مسؤوليتها على هذه العملية.وهو في حالة من الصدمة يقرر أمين جعفري دخول الأراضي الفلسطينية المحتلة أملا في لقاء أولئك الذين جندوا زوجته، وفهم الأسباب التي حولت «زوجة جميلة ومرحة، مسيحية غير متدينة « إلى قنبلة موقوتة» و»لماذا أخفت عنه كل تلك الأمور التي كان في غفلة منها» ، «ألم يكن حبها له مجرد تمويه وزيف واستغلال رخيص». «اختطاف» أما بخصوص الفيلم الدنماركي الذي حاز جائزتين «اختطاف». فمند البداية تجلت قوته في اشتغاله على موضوع ظاهري يعتمد التشويق والإثارة المرتبطين بقصص القرصنة في المحيط الهندي، وموضوع أعمق، يسائل الفكر والوجدان، إذ أضمرت معاناة ثلاث دنماركيين محتجزين لدى قراصنة صوماليين بعدا إنسانيا ووجوديا قويا. أنسنة الآخر: لحظات الغناء واللعب توحد الخاطف الافريقي والمختطف الوافد من أوروبا الشمالية، ويلتئم الجميع في ترديد نشيد عيد الميلاد إهداء لابنة مايكل. الانسان حين يختزل في أرقام: سيصبح المحتجزون موضوع تفاوض بين أرباب الشركة والخاطفين. على سبورة بيضاء في مقر الشركة، تعلو مبالغ الفدية وتهبط، بينما مصير الكائنات البشرية معلق على المجهول. الخلاص النسبي: أخيرا نجح مايكل في العودة الى عائلته وابنته الصغيرة كاميليا، بعد أن فقد أحد أصدقائه الذي دافع عنه داخل السفينة. سيعود جسدا خاويا من بهجة الروح والحياة. فرض الفيلم، بمصداقيته وحيوية الأداء التمثيلي وتوثب الإيقاع النفسي أجواء الصمت والانشداد داخل قاعة العروض بقصر المؤتمرات. وقد استخدم المخرج توبياس ليندهولم مواقع تصوير حقيقية، بل واستعان بشخصيات عاشت حالات مماثلة في الواقع. واثار الفيلم لدى عرضه ضمن فعاليات مهرجان تورونتو السنيمائي ترحيبا نقديا واسعا أثنى على هاجس المخرج تحقيق أعلى درجات الصدق الفني والدرامي. «طابور» في هذا الفيلم قدم وحيد فاكيليفار الذي لم يتجاوز سنه الواحدة والثلاثين عاما، رؤية سينمائية تقوم على غرائبية الموضوع، إذ لا تبجح بقضايا أو أسئلة كبرى، بل هي قصة رجل يعاني حساسية مفرطة من الموجات الكهرومغناطيسية المحيطة به، ويدبر وضعه الآيل الى النهاية بغير قليل من المقاومة. يصنع الرجل بذلة من الالومنيوم للوقاية من الموجات السلبية ويواصل عمله المتمثل في الطواف على بيوت الزبناء قصد تطهيرها من الحشرات. في إحدى مونولوغاته القليلة، يقول بطل الفيلم محاكيا الحشرة في معاناته المرضية «إن الصراصير أنظف من الانسان..الصرصور يحمل القذارة بسبب محيطه». يعالج الفيلم أفق النهاية الوشيكة لحياة رجل في سياق الصراع من أجل البقاء. أفق يرتسم بانفتاحه على المجهول في المشهد الاول من الفيلم حيث البطل داخل نفق طويل لا تبدو منه كوة ضوء...كما في المشهد الأخير، حيث يتمدد ، استعدادا لرحيل هادئ، على مقعد مثبت فوق ربوة مطلة على المدينة التي تستعد لصباحها الجديد. في ظل الصمت والعتمة والوحدة والموسيقى الموسومة بنذير قادم، ينزل عبء الطاقة التعبيرية على بطل الفيلم، الممثل المخضرم، محمد رباني بور، بكاريزميته الطافحة وتجاعيده الناطقة ونظرته التي تحكي الرواية- المأساة بأبلغ تعبير. «جمع الفطر» اعتمد فيلم «جمع الفطر» حبكة درامية ترتكز على الشخصيات والمواقف المفارقة، ليتطور في اتجاه نقد اجتماعي وثقافي لاذع وساخر للسياسة ومشاهيرها عموما، ولوسائل الإعلام التي تهيمن بقوة على مفاصل مجتمع اليوم. تنمو تلك المفارقة المركزية حينما يقرر رجل السياسة أدوكاكو قضاء يومه في جمع الفطر في غابة بأحد الأرياف رفقة زوجته و»زاك» أحد نجوم موسيقى الروك، غير أن تلك الرحلة ستقودهم إلى الضياع وفقدان خيط العودة، في الوقت الذي سيتلقى فيه «أدو» اتصالا هاتفيا من أحد الصحفيين يطلب منه الإجابة على تورطه في قضية فساد. في الغابة ليس هناك مجال للصراع بين الخير والشر، بل لإظهار العمق والمشترك الإنساني بين بني البشر والتضامن فيما بينهم ، لذلك سيجد أولئك الأبطال الثلاثة أنفسهم في مواجهة مصير مجهول يحتم عليهم إيجاد سبل العيش والطريق المؤدية إلى الخلاص. ولأن في مثل هذه المواقف لا تنفع الإنسان نزعته في الهيمنة ولا موقعه الاجتماعي ولا السياسي، فإنه يكون مضطرا إلى العودة إلى نبع قيم الإنسانية من خلال تذوق معنى الألم والبؤس وفقدان الأمل والضياع وغياب حد أدنى من الطعام والاستقرار النفسي والأمن الروحي. هذا ويمكن اعتبار أن الدورة الثانية عشر، كانت غنية وأن الأفلام المشاركة كانت متقاربة من حيث المستوى، وركزت على القيم الخالدة للفن السابع وتوجت أعمالا سينمائية طبعها التجديد والابتكار والجرأة والإبداع.