أكد المندوب السامي للمياه والغابات ومحاربة التصحر، عبد العظيم الحافي، أن تحديد وتحفيظ الملك الغابوي يندرج أساسا ضمن مقاربة تقوم على اعتبار أن الثروة الغابوية الوطنية هي ملك لكل المغاربة، يمكن الانتفاع منها وفق ضوابط محددة، و»أن كل من يريد أن يتملك شبرا من الملك الغابوي فهو كمن يريد مصادرة ملك للمغاربة كلهم». وفي هذا الصدد، أوضح الحافي في حديث خص به وكالة المغرب العربي للأنباء أن تحديد وتحفيظ الملك الغابوي يشكل، لهذه الاعتبارات، أحد أهم انشغالات المندوبية، لكون الغابات، التي تغطي تسعة ملايين هكتار من مساحة المغرب، تضطلع بدور محوري في ديمومة المنظومة البيئية، بحيث تساهم في الحد من انجراف التربة بالأحواض المائية والحد من توحل السدود والمحافظة على الأراضي الرعوية والفلاحية. وأضاف المندوب السامي، أن تحديد الملك الغابوي وتحفيظه يعد دعامة رئيسية للمحافظة على الغابات وإطارا هاما لضمان استغلال جماعي ناجع عبر تكريس حق الانتفاع من خلال تلبية بعض الاحتياجات المعيشية للساكنة المجاورة من خلال جمع الحطب اليابس والرعي، بشرط أن يتم ذلك وفق ضوابط ومرتكزات قانونية تراعي الصبغة الغابوية لهذه الأراضي، كعدم قلع الأشجار أو تحويل الغابة إلى مجالات سكنية وكل ما من شأنه أن يمحو القرينة الغابوية. وبخصوص الدور الذي تضطلع به المندوبية في هذا المضمار، قال الحافي أن المندوبية السامية « ليست وكالة عقارية، فالملك الغابوي لا يباع ولا يشترى» بما أن القانون يؤطر ذلك ولا يترك أي مجال لاجتهادات شخصية، موضحا أن الملك الغابوي هو «مصون قانونيا أمام كل الأطماع أوالترامي عليه» وأنه تراث وطني لكل المغاربة يجب المحافظة عليه. وعلى هذا الصعيد، اعتبر الحافي أن الملك الغابوي لا يضر بملكية الأغيار وأن المساطر القانونية المتبعة في هذا الشأن تتسع لتأخذ بعين الاعتبار كل الحيثيات التي يمكن أن يكون لها دخل في تحديد الوضعية القانونية للملك العقاري. وقال في هذا الصدد، إن هذه العملية تبدأ بالتحديد المؤقت بحيث يتم إصدار مراسيم لوضع الأنصاب المؤقتة، التي تنشر عن طريق الغرف الفلاحية والجريدة الرسمية والمحافظة العقارية وحتى «البراح» في الدواوير والأسواق القروية وغيرها، مضيفا أن الهدف من هذا الإشهار كما ينص على ذلك منطوق القانون يكمن في إعطاء الفرصة لكل من له «حجة ملكية كيفما كان نوعها» أن يتقدم بها إلى اللجان المحلية المكلفة بالموضوع لكي تأخذ ذلك بعين الاعتبار. وأوضح أن عملية التحديد المؤقت لا تعني أبدا تملك الأراضي نهائيا بل إنها آلية تنفذ وفق مساطير مضبوطة تأخذ أولا وقبل كل شيء حقوق الأغيار متى توفرت الحجج لذلك. بعد هذه الإجراء، يضيف المندوب السامي، يتم المرور إلى المرحلة الثانية والمتمثلة في التحديد النهائي، والتي تتبع نفس المسطرة التي اعتمدت في المرحلة السابقة (مراسيم لوضع الأنصاب والإشهار بذلك)، وذلك حتى يكون بإمكان المعنيين وذوي الحقوق الذين تعذر عليهم الحضور في المرحلة الأولى تدارك الأمر في هذه المرحلة. وتأتي بعد ذلك المرحلة الثالثة والأخيرة، المتمثلة في التصديق على هذا التحديد، بما يحيل على أن الملف، من وجهة النظر القانونية التي وضعها المشرع، قد استوفى جميع الشروط ولم تبق هناك أية اعتبارات أو حيثيات تحول دون التصديق الرسمي. ومع ذلك، يوضح المندوب السامي، ففي حالة ظهور خلافات أو نزاعات بخصوص الملك المحدد، فإنه يمكن للأطراف ،سواء كانت المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر أو المتضرر اللجوء إلى المحاكم، التي تكون فيها المندوبية طرفا من بين أطراف أخرى، مشيرا إلى أنه عندما تستنفذ كل وسائل الطعن وتبت المحكمة في النازلة، يصبح القرار القضائي نهائيا وملزما لجميع الأطراف. واعتبر الحافي أن الإجراءات المتبعة فيما يخص تحديد الملك الغابوي «لا تدع مجالا للحديث عن أي مصادرة أو تسلط على ملك أحد»، على اعتبار أنها تخضع لمنهجية شفافة وتأطير قانوني محكم. كما أن المشرع، يوضح المندوب السامي، يقر بأنه لا يمكن لأحد أن يمنع من أن يستغل الغابة لعدة عقود، موضحا أنه لا يمكن لأحد حرمان من كان يعيش في الغابة أبا عن جد من حق الانتفاع منها، شريطة ألا يقوم بقلع الأشجار أو بناء منازل بما يغير معالم الغابة. فحق الانتفاع للأغيار وذوي الحقوق، يقول المندوب السامي، حق قانوني مصون وأن التحديد الغابوي لا يحد ولا يقلص من ذلك في أي شيء ولا في أي حال من الأحوال. وأشار إلى أن ردود الفعل التي قد تبديها، من حين لآخر، بعض الساكنة المجاورة للمجال الغابوي حيال هذا النوع من التحديد أو التحفيظ الغابوي تنبع من الالتباس والخلط بخصوص إدراك الفرق بين حق الانتفاع وحق التملك، موضحا في هذا السياق أن حق الانتفاع من الغابات يعد من بين الحقوق التي يكفلها المشروع لملايين الأشخاص وذوي الحقوق الذين يعيشون داخل أو حول مجال غابوي معين. أكثر من ذلك، يضيف المندوب السامي، فإن المشرع وسع مجال هذا الانتفاع لفائدة ساكنة منطقة أركان التي تمتد على مساحة تفوق 860 ألف هكتار ليشمل الحرث وجني الثمار واستغلال النباتات العطرية، بحيث أن استغلال هذه الساكنة لهذا المجال الغابوي يكاد يكون مماثلا لما يخوله حق التملك باستثناء تحويل المجال الغابوي إلى مجالات معمارية أو ما شابه ذلك. من جهة أخرى، يشير المندوب السامي، إلى أن الحفاظ على الأملاك الغابوية يمر أيضا عبر تحفيظ الملك الذي تنجزه المحافظة العقارية، مؤكدا بهذا الخصوص أن التحديد الغابوي والتحفيظ العقاري للملك الغابوي يتمتعان بنفس القوة والحجة القانونية، والتحفيظ العقاري هو في صالح الساكنة لأنه يضمن بصفة موحدة وثابتة حدود الأملاك الغابوية مع حدود الأغيار. وأبرز أن استراتيجية المندوبية في مجال تأمين المجال الغابوي تتمثل في استكمال عملية تحديده وتحفيظه في أفق 2014 ،معتبرا أن تحقيق هذه الغاية يعد مكسبا هاما ورائدا لأنه يصون ويحصن المجال الغابوي كملك المغاربة كلهم. وبلغة الأرقام، أفاد الحافي بأن حجم الملك الغابوي المصادق على تحديده وصل إلى غاية السنة الجارية إلى أزيد من خمس ملايين و 17 ألف هكتار وأن المحفظ منه فاق مليون و261 ألف هكتار، مضيفا أن حجم الأراضي الغابوية المحددة في طور المصادقة فاق مليونين و357 ألف هكتار وتلك التي توجد في طور التحديد النهائي إلى مليون و 272 ألف هكتار، فيما تلك التي توجد في طور التحديد المؤقت تقدر ب 250 ألف هكتار. وبناء على هذه المعطيات، يؤكد المندوب السامي فإن وتيرة التحديد ارتفعت خلال الفترة ما بين 2007 و 2011 ب 176 ألف هكتار سنويا وأن وتيرة المصادقة على التحديد ارتفعت هي الأخرى خلال الفترة ما بين 2005 و2011 ب 185 ألف هكتار سنويا، فيما ارتفعت أيضا وتيرة التحفيظ خلال الفترة ما بين 2005 و 2012 ب مليون و 250 ألف هكتار سنويا. وخلص الحافي إلى القول بأن المنطلق الذي يحكم مقاربة المندوبية للمجال الغابوي يكمن في تكريس منظومة الحفاظ على الغابات، من خلال الحرص على تنميتها والحفاظ على كثافتها وديمومتها، خاصة على ضوء التغيرات المناخية التي يشهدها العالم حاليا، وكذا أخذا بعين الاعتبار الدور الإيكولوجي الذي تضطلع به الغابات، بما يفضي إلى الاقتناع، يقول الحافي، أنه «من الإجرام إبادة الغابة» بأي شكل من الأشكال ولأي اعتبار كيفما كان.