الوفاء والتجديد بسم الله الرحمان الرحيم، الرفيقات العزيزات والرفاق الأعزاء، أيها الأصدقاء الكرام، تحل، غدا، الذكرى الخامسة عشرة لرحيل فقيدنا جميعا، حزبا وشعبا ووطنا، الرفيق علي يعته، طيب الله ثراه، متزامنة مع العشر الأواخر من هذا الشهر الفضيل. ولذلك يجدر بنا، ونحن نقف اليوم أمام قبره، للترحم على روحه الطاهرة، واستحضار خصاله الإنسانية السامية، واستلهام رصيده النضالي الثري، والاستهداء بما ميز مسيرته السياسية، العامرة والمديدة، من بعد نظر، ورجاحة رأي، وثبات على المبادئ، في ظل قدرة هائلة على استقراء الوقائع والتكيف اللازم مع الواقع، دون إفراط ولا تفريط ... قلت، يجدر بنا، ونحن نقف اليوم على قبر مناضل من هذا الطراز الرفيع، أن نضع نصب أعيننا، على الدوام، مزجه الخلاق بين لزوم التشبث بالقيم الأصيلة لشعبنا ومجتمعنا وضرورة الانفتاح الواعي على العصر وتطوراته، بما يعنيه ذلك، في ما يعنيه، من حفاظ شديد على الهوية المغربية، المتعددة بجذورها والغنية بمختلف روافدها، وحرص كبير على النهوض بها، في نطاق تفعيل فعلي وسليم لما أتى به الدستور الجديد من مقتضيات ديمقراطية متقدمة. يجدر بنا، أيضا، ونحن نترحم على روح سي علي، فقيد الحزب والوطن، أو بالأحرى فقيد الوطن والحزب، لأن الراحل نفسه- ونحن لا نزال على النهج- كان يضع، دوما، مصلحة الوطن فوق كل اعتبار... قلت يجدر بنا التأكيد على أننا، في حزب التقدم والاشتراكية، نظل، كما أقر ذلك مؤتمرنا الوطني الأخير ( الثامن 2010 )، الذي التأم تحت شعار «جيل جديد من الإصلاحات لمغرب الديموقراطية»، أوفياء، في إطار مقاربة الوفاء والتجديد، لواحدة من أبرز مميزات النهج السياسي الذي دأب حزبنا، بقيادة سي علي وكوكبة من الرفاق الأفذاذ، على ممارسته طوال عقود، ألا وهي الدفاع، بإقدام ومثابرة وإصرار، عن قضايا الوطن والمواطنين، بما يتطلبه ذلك من تفان وإخلاص ونكران ذات، ويستوجبه من جرأة في الجهر بالحق، ونأي عن الخطابات المزدوجة، ونبذ للأساليب الديماغوجية، ولكل أشكال الغلو والمغامرة، وسعي إلى تكتل الوطنيين والديمقراطيين في النضال، الجاد والمجدي، من أجل بناء مغرب التقدم والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. أيها الرفاق والأصدقاء، خلال زيارة ترحمية مماثلة، قبل سنتين، كنا قد أعلنا عن شروع حزبنا في وضع اللمسات الأخيرة على مشروع إحداث مؤسسة تعنى بقضايا الفكر، تحمل اسم علي يعته. وذلك تنفيذا لمقتضيات القانون الأساسي الذي ينص أحد بنوده على إمكانية تشكيل هيآت تخصصية للتفكير والبحث والدراسات، تساهم في حياة الحزب بصفة استشارية، بإشراك متعاطفي الحزب. وكذلك تطبيقا لما أكدته الوثيقة السياسية المصادق عليها من طرف المؤتمر الوطني الثامن من ضرورة تطعيم الحزب بالأفكار والتصورات المتعلقة بتحولات المجتمع على كافة المستويات، عبر مؤسسة تعنى بقضايا الفكر، تعتمد على كفاءات حزبية وغير حزبية تكون مؤهلة للإسهام المستمر في تجديد وإثراء مقاربة الحزب وتحاليله، وذلك إلى جانب إيجاد الصيغ الكفيلة بتفعيل وتطوير دور المجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للحزب. لكننا لم نتمكن بعد، للأسف من إنجاز هذا المشروع، العزيز علينا جميعا، ليس فحسب لكونه سيجسد الوفاء للإرث الضخم الذي خلفه لنا فقيد الوطن والحزب، من خلال تجميع كتاباته والحرص على الاسترشاد بعِبر مساره، بل وأيضا لاستثمار مكانته بما يتيح، إلى جانب واجب الوفاء، الخوض المستمر في التجديد. والأمر لا يعود إلى إهمال أو تقصير، فالجوانب الأدبية للمشروع جاهزة عمليا، وكل ما هنالك أننا، وأمام الإكراهات المالية للحزب، آثرنا التريث حتى نخرج بهذه المؤسسة في الحلة اللائقة بمن ستحمل اسمه الخالد في سجل المناضلين الذين أجزلوا البذل والعطاء، أي مؤسسة فاعلة، فعالة وناجعة. ونتمنى أن يتأتى لحزبنا توفير الإمكانيات اللازمة لذلك. رحم الله سي علي، و«إنا لله وإنا إليه راجعون».