الطلب الداخلي وتنوع مصادر النمو يمتص أزمة منطقة الأورو كشف تقرير بنك المغرب عن هشاشة الاقتصاد الوطني الذي كان قاب قوسين أو أدنى من الاختناق، بعد أن تأثر بحالة الأزمة العنيفة داخل منطقة الأورو التي تمثل 70 بالمائة من مبادلاته الخارجية وتشكل 80 بالمائة من سوقه السياحية. وقال عبد اللطيف الجوهري، في تقديمه لخلاصات التقرير السنوي للبنك المركزي حول الوضعية الاقتصادية والنقدية والمالية برسم سنة 2011 إلى جلالة الملك، يوم الخميس الماضي بالدار البيضاء، إنه رغم هذه الظرفية الخارجية الصعبة والمحيط القريب المضطرب، حقق الاقتصاد الوطني نتائج إيجابية تعود بالأساس إلى متانة الطلب الداخلي وإلى التقلبات الجوية التي شهدتها نهاية الموسم الفلاحي والتي سمحت بتفادي موسم جاف . وأوضح والي بنك المغرب، أن نمو الناتج الداخلي الإجمالي بلغ 5 في المائة مقابل 3.6 في المائة سنة 2010، بفضل الأداء الجيد للقطاع الفلاحي والارتفاع الملموس للقيمة المضافة للقطاعات غير الفلاحية ، مضيفا في هذا السياق أنه تم التحكم في التضخم، حيث ظل مستقرا في نسبة 0.9 في المائة رغم ارتفاع أثمان السلع الأساسية في الأسواق العالمية، وذلك بفضل استمرار سياسة دعم الأسعار، مؤكدا أن معدل البطالة شهد انخفاضا خلال سنة 2011. وعلى صعيد المالية العمومية، أبرز والي بنك المغرب أن التزايد الملحوظ للنفقات الجارية أثر بشكل سلبي على وضعية الميزانية، حيث قارب عجزها 7 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، على الرغم من ارتفاع المداخيل الضريبية ، مشيرا إلى تفاقم عجز الحساب الجاري لميزان الأداءات، مما أدى إلى تراجع جديد في احتياطيات الصرف. وإجمالا، يؤكد الجواهري، فإن النتائج التي حققها الاقتصاد الوطني سنة 2011 قد تأتت بفضل ما تم إنجازه خلال العقدين الأخيرين من إصلاحات هيكلية عززت قدرة اقتصاد المغرب على تنويع مصادر نموه، من جهة، وما تم نهجه من تدبير ماكرو اقتصادي حذر من جهة أخرى . وأضاف والي بنك المغرب أن التحديات الجسام التي يواجهها اقتصاد المملكة تستدعي تكثيف الجهود الرامية إلى الرفع من قدرته التنافسية وتخفيف اعتماده على الطلب الداخلي، موضحا، أن من شأن هذين العاملين تعزيز التوازنات الأساسية الداخلية والخارجية وضمان استمراريتها على المدى المتوسط حتى تتمكن المملكة من الحفاظ على ترتيبها في التصنيفات الدولية ومكانتها ضمن الدول الصاعدة. وفي هذا الإطار، دعا الجواهري إلى تسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية مع إعطاء الأولوية لمعالجة أوجه الخلل التي تهم المجالات القطاعية الأساسية، مؤكدا حرص بنك المغرب على مواكبة هذه الإصلاحات والمساهمة في إنجاحها، من خلال مواصلة العمل على تحسين فعالية السياسة النقدية وملاءمتها مع الانفتاح المتزايد للاقتصاد المغربي، وكذا تقوية متانة النظام البنكي لتعزيز الدور الذي يضطلع به في تمويل الاقتصاد، بما في ذلك المقاولات الصغرى والمتوسطة والصغيرة جدا، وتوسيع الولوج إلى الخدمات البنكية. وكما كان متوقعا، حذر تقرير بنك المغرب من تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي تعصف باقتصاديات منطقة الأورو مستندا إلى الأرقام المعلنة مؤخرا، والمتعلقة بتفاقم نقص السيولة النقدية نتيجة انخفاض احتياطي العملة الأجنبية، بنحو 30 مليار درهم (3.75 مليار دولار)، مما قلص من مستوى تغطية هذا الاحتياطي لواردات السلع والخدمات إلى نحو 4 أشهر فقط، كما أن العجز التجاري ارتفع إلى قرابة 100 مليار درهم (12.5 مليار دولار) في ستة أشهر، وارتفعت فاتورة الطاقة إلى 49 مليار درهم(6.12 مليار دولار). كما استند التقرير إلى معطيات موضوعية تتعلق من جهة بارتفاع أسعار النفط في السوق الدولي بنسبة 27 بالمائة ما أدى إلى ارتفاع قوي للفاتورة النفطية خاصة بعد ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي، وبتوقع زيادة نفقات الدولة بنسبة 16 بالمائة للاستجابة للمطالب الاجتماعية، ما يفرض، يضيف التقرير، تنويع مصادر الإيرادات وتقليل الاعتماد على الديون الخارجية من أجل حماية سيادة القرار الاقتصادي في البلاد، وتسريع وتيرة الإنتاج في عدد من القطاعات الإنتاجية مثل قطاع السيارات وقطاع الطيران اللذين يشكلان نسبة 60 في المائة من الصادرات، بالإضافة إلى تطوير قطاع ترحيل الخدمات «الأوفشورينع» الذي يوفر 40 ألف وظيفة ، ثم القطاع الفلاحي ومخطط «المغرب الأخضر» للنهوض بهذا القطاع، والذي من المرتقب أن يعطي نتائجه في الأشهر المقبلة.