تارة فاضلة وحرة أو متمردة، وتارة أخرى مشعوذة أو متواطئة مع الشيطان، تثير المرأة حولها صور نمطية وكليشيهات كثيرة في المتخيل المتوسطي من خلال التقاليد الشفوية والكتابية. وقد شكلت هذه الصور النمطية والمركبة المتعددة الأشكال محور مائدة مستديرة حول «صورة المرأة في المتخيل المتوسطي» نظمت يوم الخميس الماضي في الرباط في إطار الدورة التاسعة للمهرجان الدولي للحكايات. هي نفس الصور المتنوعة التي تؤثث المتخيل المغربي. وسواء كانت سلبية أو إيجابية، تختلف التصورات حول المرأة المغربية بحسب مناطق المملكة، مؤثرة بشكل قوي في الوعي الجماعي. وحسب زهرة أبو مزراق ، باحثة من كلميم، فإن صورة المرأة في الصحراء لها علاقة بنوع من الوضع الاعتباري الذي تتمتع به. حيث تحيل على صورة المرأة القوية والذكية والحكيمة التي تتدخل لحل النزاعات العائلية والقبلية ، والتي يحظى رأيها باهتمام كبير لدى محيطها. ومن جهته أشار محمد الراشق ، وهو باحث حول التراث الشعبي، أن الحكايات في الأطلس المتوسط أضفت على المرأة عدة صور، إذ توجد ضمنها «الكاهنة»، الملكة البربرية للأوراس ما بين القرنين السابع والثامن الميلادي، التي اشتهرت بشخصيتها القوية. وأعرب الباحث عن أسفه لسيادة بعض الكيلشيهات التي تزدري النساء كما نقلها عبد الرحمن المجدوب في رباعياته ، داعيا إلى «تنظيف» التراث الوطني من هذه الصور النمطية السلبية حول المرأة التي تنال من كرامتها ووضعها الاعتباري. من جانبه أكد الباحث المغربي عبد الإله الخطابي أن صورة المرأة تعود ، منذ قصة آدم وحواء، إلى الإغراء الذي له علاقة بالشيطان ، والعجز البشري والرغبة الجسدية. وفي المقابل يعمل المتخيل المغربي على تسويق صور نساء يتمتعن بالشجاعة الثاقبة مثل عيشة قنديشة أو عائشة القديسة ، وهي امرأة فاتنة تتمتع بجمال أخاذ ولكنها بأرجل غير آدمية. ويشاع عن هذا المخلوق الأسطوري أنها عاشت في أزمور حيث كانت توظف مفاتنها للايقاع بالجنود البرتغاليين والقضاء عليهم وذلك في أوائل القرن ال 16. وهناك أيضا شخصية «خربوشة»، وهي شخصية أخرى من التراث المغربي كانت قد أبدت شجاعة وجرأة، جاعلة صوتها المتفرد مسخرا ضد الظلم الذي تعرضت له بمعية أسرتها. وكانت أغانيها تستهدف القايد عيسى بن عمر، الخائن الذي كان يسود تحت مظلة الاستعمار الفرنسي بمدينة آسفي. وبالنسبة لنزهة بن اعتابو الباحثة في هذا المجال، فقد كانت هناك دائما علاقة وثيقة بين المرأة الامازيغية وأرض (تامزغا) في المتخيل المغربي. متسائلة أليست هي الأم المحبة التي ناضلت، على مر التاريخ، من أجل حماية بلادها ضد الغزو. ومن جهته أشار الباحث والشاعر الفلسطيني سلمان النهضي إلى أن المرأة في المتخيل الفلسطيني هي رمز للمرأة المناضلة والمستعدة للبذل والتضحية والعاملة في الحقول من أجل حماية أطفالها، والمساهمة بتفان في الكفاح ضد الاحتلال الإسرائيلي، محيلا على دورها كفلاحة في كتابات غسان كنفاني. واعتبرت هيلين كوشو دومارتي، وهي باحثة فرنسية، أن الادب الفرنسي، في الضفة الاخرى من المتوسط، أبدى احتقارا للمرأة ومسا بوضعها الاعتباري وتنقيصا من كرامتها. وقالت إن الكاتب الفرنسي موليير ،الشهير بروائعه المسرحية، سخر، في عدد من كتاباته، صراحة من النساء على الرغم من انه استهدف فقط المرأة البرجوازية والنبيلة ، إلا أنه رسم صورة سلبية عن المرأة الفرنسية، حيث الاستسلام لإغراء المباهاة ، ورفض الاندماج في الحياة السياسية، والانبهار بالفخامة والبحث عن الحب. وذهب موليير إلى حد السخرية من النساء اللواتي يبدين اهتماما بعالم المعرفة والفكر. وقالت إن كتابه «سيدات عالمات « خير مثال على ذلك. وإذا كان الأدب في القرن 17 سلط الضوء على المرأة في المنزل فقد نزع عنها صفة البطولة في القرن الثامن عشر، إذ أن كل الشخصيات المتصارعة في قصص وروايات فولتير هم رجال، كما الحال في روايتي «كنديد» و»أوديب». وكان لابد من انتظار القرن التاسع عشر حتى يتصالح الادب الفرنسي مع النساء، ويصورهن بطلات كما هو الشأن على سبيل المثال في «أوجيني كراندي « لأونوريه دو بلزاك، وبعض أعمال إيميل زولا.