مثلما اختار التيار اليميني الفرنسي رشيدة داتي في 2007 ناطقة باسم حملة نيكولا ساركوزي، ثم وزيرة في حكومة هذا الأخير، برز وجه مغربية أخرى في سنة 2012 إلى جانب المرشح ثم الرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند، هي نجاة بلقاسم فالو، لتصبح هذه الشابة الأمازيغية، لاحقا، أحد الوجوه البارزة، إن لم نقل أبرزها، في حكومة هولاند، كناطقة رسمية باسم هذه الحكومة ووزيرة لحقوق المرأة. فهل هو اختيار أم عادة بدأت تترسخ لدى القادة الفرنسيين بتطعيم المشهد السياسي الفرنسي بنساء سياسيات محنكات من أصل مغربي؟ لا شك أن أمثال داتي وبلقاسم يلعبن ورقة ظهور هذا المشهد مظهر الارتقاء بالعمل السياسي الفرنسي من خلال إبراز الوجه المتعدد لفرنسا الحديثة بتعدد الثقافات والإثنيات التي تنصهر في رحم الجمهورية الفرنسية، لكنهن يجسدن في نفس الوقت النموذج الإيجابي والمستوى العالي الذي أبان عنه أبناء الجالية المغربية على عموم التراب الأوربي. وقبل أن تصبح بلقاسم ناطقة باسم هولاند وحكومته، كانت ناطقة أيضا باسم المرشحة الاشتراكية السابقة سيغولين رويال، التي قالت عن بلقاسم منذ أيام أنه يجب عليها أن تظل فخورة بهويتها التي تشكل إحدى مميزات شخصيتها ومسارها السياسي. فنجاة، التي ولدت منذ حوالي 34 عاما في قريتها الصغيرة والفقيرة بني شِيكَر (28 كيلومترا عن مركز إقليمالناظور)، تعد أول عضو في حكومة فرنسية٬ ينتمي مولدا وأبوة إلى المغرب٬ (رشيدة داتي مولودة في فرنسا لأب مغربي وأم جزائرية)، هاجرت نجاة إلى فرنسا وهي في الرابعة من عمرها رفقة والدتها وأختها ليلتحقن بالأب الذي كان عاملا هناك. وانتظرت بلقاسم إلى غاية احتفائها بعيد ميلادها الثامن عشر للحصول على الجنسية الفرنسية. وبمدينة أميان٬ بالقرب من باريس٬ داخل أسرة مكونة من سبعة أطفال٬ استطاعت نجاة أن تؤسس لنفسها مسارا دراسيا متفوقا قبل أن تلج المعاهد الكبرى لعصمة الأنوار٬ مستنيرة بنصائح والدتها وبالمثال الحي الذي تجسده شقيقتها الكبرى من خلال اختيارها ممارسة المحاماة. وضمن هذا المسار الطموح، ولجت معهد الدراسات السياسية بباريس٬ لتحاول عبثا٬ ولمرتين اثنتين٬ أن تلتحق بالمدرسة الوطنية للإدارة٬ هذه المدرسة التي تخرجت منها النخب الفرنسية المتعاقبة على استلام زمام الفكر والتدبير الإداري والسلطة بتجلياتها المختلفة بفرنسا من فولتير إلى فرانسوا هولاند ... وانتمت بلقاسم إلى الحزب الاشتراكي في سنة 2002، وانتخبت إثر ذلك مستشارة مكلفة باللجنة الثقافية في المجلس البلدي لمنطقة رون آلب. وقد خاضت حملات صعبة كمرشحة للحزب في الانتخابات التشريعية في إحدى الدوائر التابعة لعمالة مدينة ليون. وجرى اختيارها سنة 2004 مستشارة جهوية في رون- الألب حيث تولت رئاسة لجنة الثقافة، ولكنها ستقدم استقالتها من هذا المجلس سنة 2008. ولم تشغلها السياسة على المشاركة في برامج أدبية رفيعة في التلفزيون الفرنسي. كما تزعمت حملة حرية التعبير والبرامج في الإنترنت في مواجهة قوانين حكومة الرئيس نيكولا ساركوزي في هذا الشأن. والتحقت في فبراير 2007 بالفريق الانتخابي لسيجولين روايال وتولت منصب الناطقة الثالثة في هذا الفريق. وفضلت نجاة بلقاسم، التي كانت دائما تؤكد أنه من الصعب نسيان الجذور الاجتماعية الأولى للإنسان، الدخول إلى البرلمان سنة 2007، ثم أصبحت مديرة ديوان رئيس بلدية ليون لاحقا. لكن المنعطف الحقيقي في المسيرة السياسية لهذه المرأة الأمازيغية القادمة من أعماق الريف المغربي سيكون باختيار فرانسوا هولند لها كناطقة باسمه في الحملة الانتخابية الرئاسية التي ستجري جولتها الثانية يوم الأحد المقبل. وجاء اختيار هولند لها رغم أنها كانت ناطقة باسم سيجولين روايال في الانتخابات الأولية لتمثيل الحزب الاشتراكي، فقد أدرك أنها ستحقق هدفين، الأول، ثقافتها الواسعة وخبرتها في العلوم السياسية تجعلها بارعة في إقناع الرأي العام الفرنسي، والثاني أن الحزب الاشتراكي وجد فيها تلك الأيقونة السياسية التي تمثل التعدد الثقافي والتي كانت تنقصه لمخاطبة الفرنسيين من أصول مغاربية بعد أن أصبح لهم وزن حقيقي في مختلف الانتخابات. ونجاة بلقاسم التي طالما رفضت أن يتم حصرها في «قوقعة أبناء المهاجر أو العربي الذي لا يجدر به التطلع إلى أكثر من امتهان أبسط المهن وأدناها والتي عادة ما تخصصها الأحزاب الفرنسية لأبناء الهجرة»٬ أو تضييق أفقها بالتزامات قد يتم إملاؤها من قبل أصولها٬ لم تتردد في الاستجابة الكاملة لنداء الجذور٬ وبعفوية شديدة٬ حين تم استدعاؤها بصفة تطوعية لجعل خبرتها وشبكة اتصالاتها في خدمة مجلس الجالية المغربية بالخارج٬ منذ تأسيس هذه الهيئة سنة 2007 إلى غاية دجنبر2011 ٬ حينما اضطرها العمل السياسي تحضيرا للانتخابات إلى التفرغ لخدمة الحملة الانتخابية للمرشح الرئاسي فرانسوا هولاند. وبنشاطها الكثيف داخل مجلس الجالية المغربية بالخارج٬ حيث كانت عضوا فاعلا في مجموعة العمل الخاصة ب «مقاربة النوع الاجتماعي والأجيال الجديدة»٬ كان عليها أن تزور المغرب أكثر من مرة يغمرها دوما نفس الشعور الهادر بالامتلاء والفرح والمتعة٬ مواصلة كفاحها ضد التمييز الذي تعاني منه الجالية المغربية المقيمة بالخارج، ومجددة سعيها الحثيث من أجل النهوض بحقوق المرأة. وفي ذروة الحملة الانتخابية حين تعالت الأصوات المنادية بكراهية الأجانب٬ وتدافع اليمين محاولا استدراك مواقعه باستقطاب أصوات اليمين المتطرف٬ حاصرتها المآخذ عن دفاعها على الهوية المغربية في فرنسا في وقت كانت الهيمنة لشعار انتخابي يوكل التبجيل الكامل للهوية الوطنية٬ في معانيها المقصورة على الجذور فرنسية المولد ومسيحية الديانة. قوية بجيناتها وأصولها الريفية٬ أو بتعبير أدق أصولها ال»قْلْعِيَّة»٬ التي تمد شخصيتها بالقوة والتصميم الصارم٬ جابهت بلقاسم بعزيمة لا تلين متزعمي اليمين من عيار آلان جوبيه٬ وزير الشؤون الخارجية السابق. ولم تسقط إطلاقا في الخطاب السهل أو المستسهل للمهاجر أو ابن المهاجر المقولب في خانة الضحية. وإن كانت وزيرة حقوق المرأة الفرنسية تجسد المثال الناجح للاندماج على الطريقة الفرنسية وهي ابنة عامل البناء المهاجر التي قطفت ثمار النجاح من أرقى المعاهد الباريسية في تخصص»العلوم السياسية»٬ فإنها تعترف بالرغم من ذلك بأنها عانت هي الأخرى من سياط التمييز. تقول نجاة، التي تزوجت من فرنسي منذ فترة وجيزة، في مدونتها الإلكترونية، إن سيرتها تشبه سير العديدات من بنات جيلها اللواتي اخترن طريق الدراسة والعمل ونيل الاستقلال والانخراط في المسؤولية بهدف تغيير المجتمع وجعله أكثر عدالة وتضامناً وسعادة، وبهذا تكون قد رسخت لنموذج يجسد مدى الاندماج الحقيقي للمغاربة داخل شعوب أوربا.