لأداء الضرائب والرسوم.. الخزينة العامة للمملكة تتيح ديمومة الخدمات السبت والأحد المقبلين    توقيف سائقي سيارتي أجرة بمدينة طنجة بسبب القيادة بشكل متهور قرب المطار    *بعيدا عن المنطق الاقتصادي: الأسرة تآلف بين القلوب لا تخاصم بين الجيوب    وزارة النقل تؤجل تطبيق معيار "يورو6" على بعض أصناف السيارات    بوطوالة: الأزمة السورية تكشف عن سيناريوهات مأساوية ودور إسرائيل في الفوضى    الحوثيون يعلنون مسؤوليتهم عن هجمات جديدة ضد إسرائيل واستهداف مطار تل أبيب    وليد كبير: الرئيس الموريتاني يستبق مناورات النظام الجزائري ويجري تغييرات في قيادات الجيش والمخابرات    أمريكا: روسيا وراء إسقاط طائرة أذربيجانية    خطة استبقاية قبل ليلة رأس السنة تُمكن من توقيف 55 مرشحاً للهجرة السرية    نشرة إنذارية.. تساقطات ثلجية مرتقبة بعدة مناطق في المغرب من السبت إلى الإثنين    المدونة: قريبا من تفاصيل الجوهر!    الحكومة ترفع الحد الأدنى للأجر في النشاطات الفلاحية وغير الفلاحية    تراجع كمية مفرغات الصيد البحري بميناء المضيق    استعدادا لرحيل أمانديس.. مجلس مجموعة الجماعات الترابية طنجة-تطوان-الحسيمة للتوزيع يعقد دورة استثنائية    وفاة الرئيس التاريخي لمجموعة "سوزوكي" أوسامو سوزوكي    بورصة البيضاء تغلق التداولات بالأحمر    الجولة 16 من الدوري الاحترافي الأول .. الرجاء يرحل إلى بركان بحثا عن مسكن لآلامه والجيش الملكي ينتظر الهدية    نهضة بركان يطرح تذاكر مباراته ضد الرجاء    منظة تكشف عدد وفيات المهاجرين بين طنجة وإسبانيا خلال 2024    بقنبلة زُرعت في وسادته.. إسرائيل تكشف تفصيل عملية اغتيال إسماعيل هنية    الرئيس الألماني يعلن حل البرلمان ويحدد موعدا لإجراء انتخابات مبكرة    رفض دفوع الناصري وبعيوي يثير غضب المحامين والهيئة تستمع للمتهمين    صديقة خديجة الصديقي تعلن العثور على والد هشام    هل يُجدد لقاء لمجرد بهاني شاكر التعاون بينهما؟    بلغ 4082 طنا.. جمعية تشيد بزيادة إنتاج القنب الهندي المقنن    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    الحكمة المغربية بشرى كربوبي تحتل الرتبة الخامسة عالميا والأولى إفريقيا    فوج جديد من المجندين يؤدي القسم    حضور وازن في المهرجان الدولي للسينما و التراث بميدلت    فنانات مغربيات تتفاعلن مع جديد مدونة الأسرة    ما حقيقة اعتزال عامر خان الفن؟    اختتام ناجح للدورة الخامسة لصالون الإلهام الدولي للفن التشكيلي بتارودانت    دوري أبطال افريقيا: تحكيم بوروندي لمباراة الجيش الملكي ومانييما أنيون الكونغولي    الصين تجهز روبوت لاستكشاف القمر    الوداد البيضاوي يعلن تعيين طلال ناطقا رسميا للفريق    لقاء تواصلي حول وضعية الفنان والحقوق المجاورة بالناظور    المصادقة على مقترحات تعيين في مناصب عليا    الجولة 16.. قمة بين نهضة بركان والرجاء والجيش يطمح لتقليص الفارق مع المتصدر    غوارديولا يتحدث عن إمكانية عقد صفقات جديدة في يناير    بايتاس: إعداد مدونة الأسرة الجديدة مبني على التوجيهات الملكية والنقاش مستمر في مشروع قانون الإضراب    تراجع أسعار الذهب وسط ترقب المستثمرين للاقتصاد الأمريكي    نواب كوريا الجنوبية يعزلون رئيس البلاد المؤقت    2024.. عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية بين المغرب وقطر    ارتفاع ليالي المبيت بمؤسسات الإيواء السياحي المصنفة بالرباط ب 4 في المائة عند متم أكتوبر    التحكيم المغربي يحقق إنجازًا عالميًا.. بشرى الكربوبي بين أفضل 5 حكمات في العالم    طعن مسؤول أمني تونسي خلال عملية إيقاف مطلوب للعدالة بتهم الإرهاب    استهلاك اللحوم الحمراء وعلاقته بمرض السكري النوع الثاني: حقائق جديدة تكشفها دراسة حديثة    علماء: تغير المناخ يزيد الحرارة الخطيرة ب 41 يومًا في 2024    "ما لم يُروَ في تغطية الصحفيين لزلزال الحوز".. قصصٌ توثيقية تهتم بالإنسان    الثورة السورية والحكم العطائية..    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة نقدية: اختلال الكائن الإنساني في ديوان «فقدان المناعة»
نشر في بيان اليوم يوم 06 - 07 - 2012

بعد مجموعتي "ضد الجاذبية" 2007 و"ومحارب بلا جبهة " 2009 عن دار الكتاب الالكتروني ببيروت، يواصل الشاعر عبد السلام دخان، المنحدر من تربة الليكسوس بمدينة القصر الكبير الغنية بأدبائها، حفرياته الشعرية عبر ديوان ثالث عن مطبعة الخليج بتطوان 2011، تحت عنوان "فقدان المناعة" مستعيرا هذه التسمية من حقل طبي يبدو بعيدا عن مجال الشعر، وقد توفق في تأسيس حوار وتناص غاية في الطرافة والمأساة أيضا، إذ خيمت على قسمي الديوان (صور مختلة) و(تفاصيل شائكة) وهما العنوانان الكبيران اللذان يشكلان مجموعتي الكتاب، حيث الحياة الجوفاء التي فقد فيها المناعة ضد قيم مشبوهة وسلوكات ومواقف شاذة حولته، بكثير من السلبية، إلى كائن مريض وعدمي.
1 - صور مختلة:
تضمنت هذه المجموعة اثنتي عشرة قصيدة جاءت كلها تحت عناوين بمفردة واحدة نكرة، كاستنكار على اختلال الكائن الإنساني في قيمه وتخبطه المتذبذب بين العشق الحقيقي والحب الزائل، حيث يشهد بانشراخ هذه العاطفة النبيلة وعجلتها في الأفول والزوال، في وقت يتوق فيه الشاعر إلى لحظتها المستمرة استمرار الأبدية، مقرا بابتدائيته المتعطشة إلى هذا العشق، يقول في "فلسفة" (للعشق شكل الشمعة/ ولجسدي لون البداية) ص7، وينكر على الإنسان عدم احتفائه بلقاء حميم على مرأى وفي حضرة الطبيعة عرابتنا الأولى لاقتناص لحظة غامرة بالحب والألفة، ذلك الإنسان الذي هجر هذه القيمة الإنسانية وتركها قيد الريح، في نص "خريف" يقول: (الكرسي الفارغ قبالة البحر/ يقبل في صمت وجه الريح) ص 8؛ وفي غمرة هذه الصور المختلة لم يعد هناك وجود لتلك المرأة المثالية، كما في يشير في نص "نزوة"، المرأة التي تضيء قلبه الساكن، أو التي تمنحه نبض القيثارة، وتورق بساتينه المهجورة، أو تلك التي تشبه تفاحة نيوتن، جاذبية أو سقوطا فجائيا كريما، اللهم التي يحلم بها ويصورها عبر كلماته، لذلك نجده يدعونا إلى سفر لامتناه عبر لحظة تأمل في الكون درءا لهذا القبح، يقول في "دعوة" (ضع يدك في يد القمر/ رتل سورة النجم/ تجد متسعا للسفر) ص11، أو حلولا في الطبيعة لاستكناه جمالها الخالد ولو في عز القساوة: (ضع يدك في يد الشجر/ دع فصول الشهوة/ تطرز دمك/ ورودا فوق الحجر) نفس النص، ص 12.
2- تفاصيل شائكة:
جاءت عناوين القصائد الأربعة عشرة عبارة عن مضاف ومضاف إليه، مخالفة سابقاتها في المجموعة الأولى تأسيسا لتعريف مضاعف بقضايا شائكة يعيشها الشاعر نفسه في ثنايا حياة باتت عليلة وفاقدة لأبسط المضادات لهشاشة الواقع، ولعل أبرز نص لافت هنا هو " فقدان المناعة " الذي يهيمن بحضوره التيماتي على أجواء المجموعة، إذ يصور عوز الشاعر في اتخاذ موقف مجابه لحالات الإصابة بفقدان المناعة اتجاه القبول أو الرفض أمام أية قضية وسلوك، أو التعامل الفطري المفترض مع عناصر الطبيعة وتنعمه بأموميتها وكرمها ومن ثم تحقيق أنطولوجيته، لقد فقد ذلك الحبل الروحي بسبب فوبيا المرض الذي ينوء به جسده المتأثر بتداعيات عصر أجهز على نقاء وروحانية الحياة: (أنا المصاب بفقدان المناعة/ لا قدرة لي على قول نعم أو لا/ لأني لم ألمس يوما شجرة/ خوفا من فوبيا الحساسية... النجاة من الغرق تقتضي/ نسيان البحر/ ولسبب تافه/ مرتبط بعزوفي عن المشي/ نسيت رقم حذائي) " فقدان المناعة" ص 29، وثمة الكثير من الحالات الهشة والمستعصية التي أصابته بفوبيا الاستمرار في الحياة، إنها العدمية والعبثية التي قطعت بالإنسان أشواطا نحو الانغلاق التام والانقطاع عن ممارسة العيش الطبيعي: (أترك العمر يعدو وحيدا/ صوب مرافئ العدم)" سوناتا لحامل التابوت" ص 45، إنه ضياع لا يجدي معه أي سلوك أو موقف مادام هناك اصطدام بقساوة الواقع الذي لا محالة يفضي إلى انهيار ويأس يتقوقع من خلالهما على ذاته ويفقده الإحساس بجدوى الحياة ومعناها الحقيقي حتى مع الممارسات الأكثر حميمية، والتي تخلق منه كائنا مؤثرا ومتأثرا، خاصة مع الحياة الافتراضية التي صنعتها التقنية الرقمية، فعزلت الإنسان عن فضائه الطبيعي والاجتماعي، فلم يعد ذلك الكائن الذي عليه أن يعيش شرطه الإنساني كما خولته له الطبيعة والفطرة، يقول في نص "فقدان المناعى": (أنا الكائن الرقمي/ غرف الدردشة مأواي/ أتبادل فيها وبها/ صور الحب) ص 30؛ بل وبات يشكك أيضا في المواقف الأكثر جرأة، المناهضة لطبيعة الحياة الجديدة التي أفرزتها العولمة وتبعاتها على يد المثقف العضوي، أخر المحاربين، حيث بدا متذبذبا في قناعاته، منجرا، دون وعي، إلى تيار شراهتها وفتنتها: (فيما المثقف العضوي الأنيق طبعا / يحث الأخرين على مناهضة العولمة/ ويخبرني سرا بمزايا سيارة الفورد) نفس النص ص30؛ ماذا يتبقى إذن أمام شاعر ولد، مجبولا، على خضرة أبريل، وعلى سلام يعتق جمال الحياة؟ لا شيء تقريبا، سوى هذه العبثية القسرية التي تعشش في عينيه، رويدا، ليرى العالم مقبرة كبيرة، يقول في "بوابة الضوء": (عشب المقابر/ أكثر اخضرارا/ من حقول أبريل) ص 47، أو يمجد، ساخرا مستنكرا، ذلك السلام الضائع: (سلاما لسلام/ يستأجر بندقية/ كي يرسم وجه الأرض..) نفسه، ص 50، إنها الحروب والعولمة والأمراض الفتاكة والهياكل الإسمنتية التي تجهز على الإنسان والطبيعة، كل ذلك ولد في نفس الشاعر الظلال والرتابة والخواء، وأصبحت الحياة عبئا قاهرا وناتئا في مرمى جسده الزجاجي الشفيف الهش الذي لا يحتمل أي تصدع أو شرخ، يقول في "ترانيم جسد عليل": (العالم مقبرة اسمنت مسلح/ الظل حصان يجر عربة الحياة/ الحياة في المدينة/ المدينة في الرتابة/ الرتابة في الغرف/ والغرف في جسدي) ص 64، تماه عميق بين الجسد وحياة المدينة الرتيبة تجعل منه صداميا ففي نص "شهادة الوفاة" يصور ذلك بنفس فلسفي تعبيرا عن قناعته بلا جدوى الحياة الضاربة في السلبية التي تحد من تنفسه للحرية ملء السماء والأرض، وتجعل المشهد تراجيديا: (السماء مطرقة/ والأرض سندان/ أعيروني رئتكم/ فما عادت تكفيني رئتان) 74، إنها النبوءة الشعرية التي يصدح بها في وجه السماء، حيث النهاية وشيكة، إنها الجرس الإنذاري الذي يقرعه، بلا هوادة، في زمن لا يحتمل، لا يتردد معه أن يقول: (أنا أحتمل الحجر ألف عام/ ولا أحتمل الغبار/ ولا الخواء الدفوق/ غطوا وجهي بثوب الفجر/ وإنا لله وإنا إليه راجعون) نفسه 80، بهذه العبارة ينهي عبد السلام دخان مأساة/ ملهاة هذه الحياة في "فقدان المناعة" الذي يشكل بحق توقيعا شعريا مائزا ينبئ بأفق معتم يحل بالبشرية الضريرة، وهي الصرخة الذي عودنا عليها الكبار كلما احتدت المواقف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.