حلت، أمس الأحد، الذكرى السنوية الأولى لمصادقة الشعب المغربي، عبر استفتاء الفاتح من يوليوز 2011، على دستور جديد، في سياق تغيرات عميقة في المنطقة العربية والمغاربية. ولا يختلف إثنان على أن الفترة الممتدة من فاتح يوليوز 2011 إلى نهاية يونيو 2012 كانت فترة زمنية مغايرة لسابقاتها من حيث تأثيرات وتداعيات الدستور الجديد على الحياة السياسية الوطنية، ومن حيث إسهاماتها في جعل سنة من عمر النص الدستوري الجديد مرحلة انتقالية، وبوابة لمسلسل تجديد عميق، يستند إلى تجربة التعددية، التي كانت ولازالت مصدر قوة ومناعة المغرب في مواجهة الهزات العربية والإقليمية. مسلسل، «قد يطول شيء ما» حسب امحمد كرين، عضو مجلس الرئاسة لحزب التقدم والاشتراكية ونائب رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، وذلك على اعتبار أن «الدستور الجديد، الذي كان نتيجة مسلسل إنضاج شهده المغرب منذ نهاية القرن الماضي، ونتيجة ما شهدته المنطقة العربية من حراك اجتماعي وسياسي، يكرس عدة مبادئ ديمقراطية ويكرس احترام حقوق الإنسان، وبالتالي يتضمن العديد من الجوانب الإيجابية، بالمقارنة مع الدساتير السابقة» . فقد وضع الدستور الجديد المغرب، خلال سنة واحدة من تطبيق مضامينه،، يقول امحمد كرين، في اتصال هاتفي أجرته معه بيان اليوم، «في صلب دينامية ديمقراطية برلمانية واجتماعية مستدامة»، وذلك من خلال إسهامه في «تكريس التعددية وحقوق الإنسان والحريات الفردية، مع إعادة التوازن بين السلط وخاصة منها سلطات رئيس الحكومة والبرلمان، وخلق جو صحي وسليم من التنافس السياسي الذي ميز الانتخابات التشريعية، والتي أفرزت حكومة ائتلافية منبثقة مباشرة من صناديق الاقتراع، بالإضافة إلى إيلاء مكانة متميزة لمبدأ الحكامة الجيدة وتكريس ثقافة المسؤولية والمحاسبة». فالدستور الجديد، والذي شكل تتويجا للتفاعل المغربي الإيجابي مع حراك الشارع، ومع تنامي المطالب الشعبية حول التغيير والديمقراطية، جعل الغرب، يقول من جانبه الأستاذ عبد الله ساعف، يفتح الباب، خلال الفترة الممتدة من يوليوز 2011 إلى يوليوز2012، أمام مرحلة مغايرة «يسود فيها هاجس تحقيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي من شأنها أن تمهد الطريق نحو تنفيذ التحولات الديمقراطية العميقة الهيكلية وغيرها، لتشكل خطوة جادة نحو بناء ديمقراطية حقيقية كفيلة بجعل المغرب، ليس فقط في موقع الريادة إقليميا وعربيا، بل يستجيب لمطالب ويعبئ قواه الحية لإنجاح هذا العمل الديمقراطي والدستوري الكبير الذي يلامس كل هياكل ومؤسسات الدولة ويجعلها أقرب إلى اهتمامات المواطن». وهو ما يفرض، يقول الأستاذ عبد الله الساعف في حديث لبيان اليوم، «اعتماد القوانين التنظيمية من أجل التنزيل الأمثل لمقتضيات الدستور، وإنجاح الأوراش الكبرى التي تتوج المسار الإصلاحي والخلاق للدستور الجديد، وإجراء القطيعة التامة مع زمن الأخطاء في محاربة العديد من الإشكالات التي تقف عقبة في طريق تكريس كافة الحقوق»، مثلما يفرض، يضيف الباحث في العلوم السياسية، الحرص على «ترجمة واقعية للإسهامات الخلاقة للدستور الجديد، وذلك بدء بالحرص الشديد على تفادي كل خطوة إلى الوراء». وهو ما شدد عليه امحمد كرين ، الذي اعتبر، في حديثه للجريدة، أن «المغرب عرف تحولات تاريخية تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، و أعطى دستوره الجديد دينامية جديدة لمسلسل الإصلاحات ووسع سلطة البرلمان، وسمح له بإجازة القوانين الخاصة بمعظم القضايا، ما سيؤدي إلى إحداث تغيير كبير على المدى القريب»، لكن شريطة «الاستغلال الأمثل لما ينطوي عليه النص الدستوري من إمكانات، وشريطة إعمال المبادئ الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان التي يكرسها الدستور الجديد من خلال ملء سليم وهادف للخانات الفارغة فيه بالقوانين التنظيمية».. وفي هذا السياق، دعا امحمد كرين إلى «اليقظة والحذر حتى لا تملأ هذه الخانات بتدابير قد تشكل نوعا من التراجع إذا ما تغير ميزان القوى وطنيا ودوليا، مؤكدا أن هذا التساؤل (التخوف) حاضر باستمرار لدى القوى الديمقراطية ومناضلي حقوق الإنسان الذين يدعون المغاربة إلى رص الصفوف حتى يتم إعمال كل المبادئ التي ينص عليها الدستور والتصدي للقوى المحافظة والنكوصية ومنعها من استغلال أية فرصة لتسجيل بعض التراجعات». والواقع أن هناك رغبات ومثبطات وتحديات تشكل محكا للجميع وقياسا لقدرة المغاربة على رفع العقبات وتجاوز التحديات، وذلك، يقول امحمد كرين، «من خلال الإنصات إلى نبض الشعب عند ملء هذه الخانات الشاغرة في الدستور الجديد ومحاربة كل الدعوات التي تسير في الاتجاه المعاكس للمغرب الجديد» . من هذا المنطلق، فإن الدستور المغربي، يتطلب، ونحن نلج سنته الثانية، أوراشا اجتماعية واقتصادية حقيقية. لأن الأهمية، يقول امحمد كرين، «لا تكمن في الدستور في حد ذاته، باعتباره نصا جامدا، وإنما في كيفية ترجمة الآليات والقوانين التي يحملها على أرض الواقع، لاسيما التي لها صلة وثيقة بالفئات المجتمعية الفقيرة»، مشيرا إلى أن «المخرج الحقيقي للأزمة التي يمر بها الواقع المغربي، لن يكون ناجعا وفعالا إذا لم يتم التركيز على البعد السوسيو – اقتصادي، وإذا لم تتم حماية الدستور الجديد نفسه من كل التيارات الرجعية والنكوصية».