فجأة.. وبدون استئذان ودعنا المسير والمؤطر والجمعوي الرياضي، رشيد عزمي الرئيس السابق لفريق النهضة السطاتية، والعضو الفاعل داخل النسيج الجمعوي على الصعيد الوطني. ومن مكتبه بمدينة الدارالبيضاء، طلعت ألسنة النيران مرفوقة بالدخان إعلانا عن الفاجعة، حادث مؤلم ترك الكثير من الذهول والقلق والألم، وشلالات الأسئلة الحارقة... ماذا حدث؟ ولماذا قال رشيد وداعا بعد أن تعود قول إلى اللقاء؟ جاء النبأ مدويا في المجتمع الرياضي، ولدى عائلة عزمي وذويه وأصدقائه، وتناسلت الأسئلة حول أسباب الفاجعة؟ وظروفها وملابساتها... وهكذا.. وعلى غير العادة غادر رشيد مدينته شابا محملا بكل الأماني والطموحات، ليعود إليها في كفن وصندوق، محمولا على أكتاف من حبوه وبادلهم الحب بالحب.. لم تكن سطات صباح الأربعاء مدينة عادية.. حركة ورواج في الشوارع والأزقة القريبة من مسجد المسيرة الخضراء، رياضيون من أبناء المدينة وخارجها، فعاليات جمعوية وسياسية، رجال ونساء استقبلوا الموكب الجنائزي، رافقوا رشيد عزمي إلى متواه الأخير، وقفت المدينة حزينة، تودع ابنها البار بألم وحسرة. لم يكن «رشيد» رجلا عاديا في الوسط الجمعوي والرياضي، فصاحب الابتسامة الدائمة من مواليد منتصف القرن الماضي في حي السماعلة بفخدة أولاد عروس، من أسرة مشبعة بثقافة البادية.. بفضل الوالد أحمد بنقاسم عزمي والوالدة الميلودية.. استنشق «رشيد» نفحات الحياة في ثخوم الشاوية، تربى وترعرع وسط تضاريس المنطقة، ووسط رجال الوطنية والنخوة داخل محيط جغرافي رائع، محاط بقبائل أصيلة كأولاد سعيد – أولاد سيدي بنداود – لمزامزة - أولاد عروس – أمزاب – أولاد حريز. منذ الصغر جلبه حب النهضة السطاتية من خلال مرافقة والده «أحمد بنقاسم» ومتابعة جمال العروض الفنية لمبدعي السبعينيات في الفريق السطاتي من أمثال : نجاري – قاسم السليماني – العلوي – بدة – الغيادي – قنديل – وغيرهم، ليعيش مع الوالد محطات التسيير وقيادة الفريق قبل أن يتحمل المسؤولية في التسعينيات ويسير على درب : بودراع – ع الرحمن غزالي – سعيد بوعشرين ووالده أحمد عزمي ممن قادوا سفينة الفريق السطاتي. تحمل رشيد مسؤولية الفريق الأول بالمدينة.. وتحولت «النهيضة» مع مرور الزمن إلى قضية يحملها الرجل في قلبه وعقله ووجدانه، رفقة جيل من المسيرين : أحمد شرف الدين – الدكتور جباري – خيرات – نزيه – الدكتور عدنان غزالي – ع الجبار منتصر – محمد زاكي – الحاج لحلو حسن – رشيد منتصر، حجاج – رحال. دافع بتفان عن «النهيضة»، قدم الدعم المادي والمعنوي، قدم مساعدات لمجموعة من اللاعبين بدعم من الوزير الراحل إدريس البصري ومكنهم من السكن والشغل... في إحدى الجلسات، حكى لي رحمه الله، أن الوزير البصري اقترح عليه منصب عامل في وزارة الداخلية، فاعتذر كعادته بأدب ولباقة، مبررا الرد بضرورة التفرغ لتأطير الفريق السطاتي، والاهتمام بعمله كصيدلاني، تمكن رشيد عزمي الشاب المثقف والمنحذر من عائلة أصيلة بالمنطقة، من نسج علاقات في المدار الجمعوي لتأطيره فريقه (النهيضة) وتدعيم التظاهرات الرياضية المحملة بالأبعاد الإنسانية والاجتماعية في جمعية رياضة وصداقة، وقبل وفاته بأيام اشتغل داخل اللجنة التنظيمية لجائزة محمد بن راشد آل مكتوم للإبداع الرياضي، بدعوة من السيدة نوال المتوكل. كانت تربط رشيد عزمي علاقة خاصة مع مسؤولي فريق مدينة بوردو، حيث درس، وتخصص له إدارة النادي الفرنسي مقعدا دائما بالمنصة الشرفية خلال المباريات الرسمية التي يتمكن من حضورها، كما أنه من أصدقاء المدرب السابق لفريق البارصا بيب غوارديولا. وتبقى أجمل الأماكن بحياته بيت والدته «الميلودية»، أما شارع غاندي بالدارالبيضاء، فتلك حكاية أخرى، فبمقهى «الحمراء» يستمتع أصدقاؤه بطلعته وأحاديثه كل صباح.. عمر السالمي – محمد زاكي – بوجمعة المرحوبي – بنعيسى – إدريس ماهر (عمي ادريس) – سعيد بنمنصور – مصطفى مونديب... أما بمدينة سطات مسقط الرأس ومسقط القلب وأصدقاؤه فهناك العلوي – غيادي – قيلش سعيد – بدة – كباري – قيلش ع اللطيف – خالد راغب – الوردي – بوخنجر شينا.. وغيرهم.. إضافة إلى مرافقيه من أعوان الضيعة بأولاد عروس، وبإدارة مؤسساته العقارية. تعودنا من رشيد عزمي التحدث عن «النهيضة» ومدينة سطات بخشوع، لم يتنكر لأصوله، كما أنه لم ينس أهله وأصدقاءه وذويه، حافظ على خصلات الوفاء والتواضع ونكران الذات، تميز بالكرم والسخاء والانخراط في الأعمال الخيرية، مما منحه حب الجميع وصداقة البسطاء ومختلف عينات المجتمع المدني والسياسي. صديقنا رشيد لماذا كل هذه العجالة؟؟ ولماذا عبرت عن لحظات الوداع عبر النار والدخان؟ رحمك الله يا رشيد.. وتأكد أنك ستبقى اسما منقوشا في القلب والذاكرة.