أهم محددات النوع الأدبي داخل جنس السرد هو «الإيقاع» صدر للروائي والقاص المغربي محمد سعيد الريحاني رواية بعنوان «عدوّ الشّمس، البهلوان الذي صار وحشا» وهي عن الثورة الليبية. وتُسْتَهَلّ الرواية بحوار أجراه مع المؤلف، الشاعر المغربي أنس الفيلالي: * من الكتابة بالمجموعة القصصية إلى الرواية مباشرة، ألم تشعر بصعوبة في الانتقال؟ - أنا أكتب في جنس السرد منذ عشرين عاما. وإذا كنت قد تخصصت في البداية في نوعين سرديين قصيرين وهما «القصة القصيرة» ثم «القصة القصيرة جدا»، فإنني كنت أكتب دائما مجاميع قصصية بطعم روايات «متقطعة الأنفاس»، مجاميع قصصية تجمعها تيمة واحدة لكنها بدل التطور والنمو على طريقة الرواية فقد كانت تتشظى وتنكسر أفقيا وعموديا على طريقة السرد القصير.لذلك، هوجمت من طرف كتاب القصة التقليديين الذين طالبوني بالهجرة إلى الرواية وترك القصة القصيرة على حالها. * ما هو إذن الفرق بين الكتابة في كل من الرواية والقصة القصيرة والقصة القصيرة جدا؟ - أهم محددات النوع الأدبي داخل جنس السرد هو «الإيقاع». فحيثما أبطأ الإيقاع كانت الرواية، وحيثما أسرع الإيقاع كانت القصة القصيرة، وحيثما ارتفعت السرعة إلى درجتها القصوى وتقلصت الجمل وحذفت المتواليات كانت القصة القصيرة جدا. لكن يمكن أيضا اعتماد محددات أخرى ك «الشخوص» مثلا. ففي الرواية، يكون التأكيد على الفرد داخل المجتمع. أما في القصة القصيرة، فيكون التأكيد على الفرد منعزلا عن المجتمع. بينما في القصة القصيرة جدا، يتم التركيز عن أفكار فردية مستقلة عن الفرد وعن المجتمع معا. * هل يعني هذا أن النوع السردي ذا الإيقاع الأبطأ هو النوع الأصعب؟ - هناك من يعتبر الرواية أصعب من كتابة القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا وأنها دالة على الموهبة الحقة وسعة الإطلاع على الأدب وعلى النفس البشرية والتاريخ والمجتمع. وهناك من يعتبر القصة القصيرة أصعب من الرواية بفعل خاصيات التركيز والتكثيف والحذف. وهناك من ينتصر للقصة القصيرة جدا ويرى فيها من الصعوبة والنبوغ ما يراه أنصار الرواية والقصة القصيرة في نوعهم المفضل. * هل يمكن الحديث عن القصة القصيرة كعتبة للرواية وكمرحلة ضرورية لكل من يفكر في اقتحام عالم الكتابة الروائية؟ - من الأدباء المغاربة من جاء إلى الرواية من الصحافة، ومنهم من قدم إليها من الشعر، وآخرون قدموا إليها من المسرح، وهناك من هاجر إليها من مجال النقد، وفئة خامسة جاءت الرواية من الفلسفة، وهناك طبعا من انتقل إلى الرواية من مجال القصة القصيرة، وآخرون كثيرون... وربما اقتربت تجربتي من هذه الفئة الأخيرة ولكنني قطعا لا أنتمي إليها ما دمت كاتبا «يُرَاوِحُ» بين القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا والرواية. فأنا لست بصدد تغيير نوع أدبي بآخر ولكنني أكتب بالشكل الذي يناسب مضامين أعمالي: فالقصة القصيرة جدا بالنسبة لي تبقى شكلا سرديا مناسبا للسخرية ممن حاكوا حولهم الملاحم الطوال أو شكلا مناسبا لرسم صغر الحياة وقصر الزمن. بينما القصة القصيرة تبقى شكلا سرديا مناسبا لمقاربة التجربة الفردية وعزلة الفرد. فيما تبقى الرواية الشكل الأنسب دائما للملاحم والبطولات والفتوحات الجماعية والفردية، العسكرية والغرامية وذلك إما بتمجيدها أو بالسخرية منها. لذلك، فالحديث عن كون القصة القصيرة عتبة للرواية غير دقيق. ثم إنني سأظل أكتب في جنس السرد بأنواعه الطويلة والقصيرة بحثا عن الشكل الأنسب لمضامين نصوصي وأعمالي. ذلك لاعتقادي الراسخ بأنني، في مشواري الإبداعي، كنت محظوظا مرتين: المرة الأولى لأنني أكتب باللغة العربية، إحدى اللغات الأربع المصنفة للخلود صحبة اللغة الصينية، لغة ربع سكان العالم؛ والإسبانية، لغة قارتين؛ والإنجليزية، لغة العلوم والتقنية؛ والمرة الثانية لأنني تمرست على القصة القصيرة لمدة عشرين عاما قبل أن ألج عالم الرواية. شخصيا، أعتبر القصة القصيرة «مُوَزّعا» رئيسيا داخل نوع السرد الأدبي يربط مهارات السرد الطويل بالقصير جدا. * بينما وعدت القراء بقرب صدور رواية «قيس وجولييت» في إحدى حواراتك الصحفية المنشورة، جاءت رواية «عدو الشمس، البهلوان الذي صار وحشا» على حين غرة. ما الأسباب وراء تأجيل نشر العمل المتوقع والتعجيل بإصدار لعمل غير المتوقع؟ - رواية «عدو الشمس، البهلوان الذي صار وحشا» كتبت على هامش «الربيع العربي» خلال تسعة أشهر، ما بين شهري فبراير ونونبر 2011، وهي تراجيكوميديا عسكري يبحث عن علاج لأمراضه النفسية والعقلية في «كرسي الحكم» بينما الشعب ينتظر منه قيادته نحو الأفضل. وتعتمد الرواية على تقنية «الحذف» الذي يولد «السخرية» بفعل «الارتطام المستمر» مع «اللامتوقع». في هذه الرواية، «عدو الشمس، البهلوان الذي صار وحشا»، أشعر بأنني أكثر ميلا إلى كُتّابِ السخرية من سينيك وجورج برنارد شو وغيرهما... انتهيت من كتابة الفصل التاسع من الرواية في بداية سبتمبر 2011، يوم إلقاء القبض على العقيد معمر القذافي. وقد نشرتها الصحف بتسع فصول فحسب. وبذلك، بدأت تردني رسائل من القراء تطالبني بإتمام الرواية كي تساير التاريخ. هكذا، أضفت فصلين إضافيين هما الفصل العاشر والفصل الحادي عشر حيث سيلقى القبض فيهما على العقيد. كما أن فكرة أحد عشر فصلا في الرواية توافق سنة «الربيع العربي»، سنة 2011، وهي دعامة قوية لروح المصالحة بين الشكل والمضمون التي تسكنني. في ما يخص رواية «قيس وجولييت» وهي رواية تستوحي تقنياتها من «روايات المراسلات» التي شاعت في أوروبا القرن الثامن عشر لكنني أقدمها بمنظور جديد وفي شكل جديد إذ تعتمد الرواية فلسفة البناء جملة بعد جملة، رسالة بعد رسالة، لأن الهدف محدد منذ البداية وهو البحث، وسط الاختلاف عن «المشترك فيه»، البحث عن جذوة الحب. في هذه الرواية، أشعر بأنني أكثر ميلا إلى شعراء الغزل في الشعر العربي من قصائد مجنون ليلى مرورا بجميل بثينة وعمر بن أبي ربيعة وانتهاء بنزار قباني. * الرواية، كباقي الأنواع السردية الحديثة، فن غربي. هل يمكن الحديث عن رواية عربية؟ - خلال الانتقال من الملحمة إلى الرواية، من جلجامش والإلياذة والأوديسة إلى «البؤساء» و»الحرب والسلام» و»مائة عام من العزلة»، أثمر البحث في تتبع أصول الرواية إلى نتائج أظهرت تحكم العصبية الثقافية في البحث العلمي. فبينما يعتبر الباحثون العرب «ألف ليلة وليلة» المكتوبة في القرن العاشر الميلادي كأول رواية في التاريخ نظرا للسبق الزمني الذي يصل إلى سبعة قرون عن ذيوع صيت الرواية بالشكل المتعارف عليه الآن، يصر الباحثون الأنجلوسكسون على كون «توم دجونس» هي أول رواية في التاريخ نظرا للنبوغ التقني المبكر والمذهل الذي أظهره الكاتب الإنجليزي هنري فيلدينغ، بينما يروج الباحثون الإسبانيكيون ل»دون كيشوت دي لامانتشا» للروائي الإسباني ميغيل سيرفانتيس كأول رواية في التاريخ.