عاهل البلاد يبرز دورالقوات المسلحة في الإشعاع الدولي للمملكة وجه جلالة الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، بداية الأسبوع الجاري «الأمر اليومي» للقوات المسلحة الملكية، وذلك بمناسبة الذكرى السادسة والخمسين لتأسيسها. وفي ما يلي نص «الأمر اليومي»: «الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه معشر الضباط وضباط الصف والجنود، تحل اليوم ذكرى من ذكرياتنا الوطنية الخالدة، يوم أعلن جدنا المجاهد، أب الاستقلال، جلالة المغفور له الملك محمد الخامس رحمه الله، تأسيس القوات المسلحة الملكية، وأولى شرف قيادتها وتنظيمها لموحد البلاد ومؤسس المغرب الحديث، والدنا المنعم برحمة الله الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه. وإذ نخلد اليوم الذكرى السادسة والخمسون لهذا الحدث التاريخي العظيم، الذي عزز المغرب من خلاله استقلاله واستكمال سيادته ووحدته، يسعدنا أن نوجه لكم أفراد قواتنا المسلحة الملكية، بمختلف مكوناتها البرية والجوية والبحرية والدرك الملكي، التهنئة الخالصة والتقدير الكامل لما تبذلونه من جهد ومثابرة وتفان من أجل الحفاظ على الوطن والذود عن مصالحه العليا ومقدساته الوطنية. وإنه لمن الواجب التذكير بالمعاني العميقة والدلالات السامية لما يشكله الاحتفال السنوي بهذه المناسبة الجليلة في الذاكرة الوطنية، وما نستحضره فيها من مشاعر الافتخار والاعتزاز بالبسالة المعهودة في الجندي المغربي وتفانيه في البذل والعطاء ونكران الذات، مع ما يستوجبه هذا الحدث من ضرورة العرفان لفضل الملكين الراحلين، المؤسس والباني، المحرر والموحد، اعترافا وامتنانا لهما بما قدماه من جهود محمودة في إرساء دعائم المؤسسة العسكرية وبنائها. معشر الضباط وضباط الصف والجنود، لقد واظبنا منذ أن قلدنا الله الأمانة الكبرى على تخليد هذه الذكرى كسنة حميدة ورثناها عن سلفنا الصالح، ورعيناها لتكون لحظة نجدد فيها التواصل، ووقفة من أجل استلهام الدروس والعبر وإبراز المكتسبات والمنجزات وتقييمها، ليتسنى لهذه المؤسسة العريقة الاضطلاع بمهامها المنوطة بها بطمأنينة وعزيمة راسخة، معتبرين أن مناعة الوطن وصلابة مكوناته لا تكتمل إلا بتوفره على جيش قوي ومتماسك وراء قائده الأعلى، ودائم الاستعداد لخدمة قيم المجتمع المثلى والمحافظة على سلامة وأمن البلاد. وإن استقراء النتائج الإيجابية للحصيلة المنجزة على مدار السنة المنصرمة، يجعلنا نشاطركم الافتخار ونثمن مجهودكم الدائم للرقي والتطلع للأفضل لكسب رهانات المستقبل فيما يخص تطوير الكفاءات المتعددة الاختصاصات ومواجهة التحديات الجديدة، بعضها مرتبط بزمن العولمة وإرهاصاتها في مجالي الأمن والدفاع، كالجريمة المنظمة العابرة للحدود والهجرة السرية والتهريب والاتجار في المخدرات وكذا مشاكل البيئة وما ينجم عنها من الكوارث الطبيعية والتقلبات المناخية الكبرى، مما يستلزم اليقظة والتأهب الدائم لمواجهة هذه الآفات وتحصين الوطن من مخاطرها. إن جنودنا المرابطين في التخوم والحدود بأقاليمنا الجنوبية أو العاملين بالوحدات المختصة في مراقبة الحدود البرية والجوية والبحرية والدرك الملكي الساهرين في يقظة وحزم، للحفاظ على مكتسبات الوطن من وحدة ترابية غير منقوصة وأمن داخلي وسلامة حدودنا من كل اختراق غير شرعي، لهم منا جميعا، سابغ عطفنا ورضانا، وتنويهنا بمجهوداتهم التي لا يسترخصها الوطن. معشر الضباط وضباط الصف والجنود، لقد سهرت جلالتنا دائما على رعاية شؤونكم والاهتمام بأموركم وتوفير كل الوسائل المادية والمعنوية الممكنة من معدات عصرية متطورة وبنى تحتية حديثة ومنشآت اجتماعية بما يوافق تطلعنا نحو بناء جيش عصري، ذي فكر منفتح، أصيل في جوهره، متجدد في نظمه وأنساقه، مطمئن لمستقبله ومآله، تحت قيادتنا الرشيدة وتوجيهاتنا السامية. وقد حرصنا في هذا الصدد على نهج خطة سليمة في التكوين وإعداد العنصر البشري كركيزة من ركائز التطور والرقي بكل مكونات القوات المسلحة الملكية، في مجالات متعددة علمية وتقنية، عمادها الجودة في المضمون وغايتها إعداد الجندي الكفء، المتفاني في حب وطنه وملكه، المستعد دوما لتلبية نداء الواجب بحس صادق وعزيمة قوية وإيمان راسخ. وسعيا من جلالتنا على تمكين أفراد قواتنا المسلحة من القيام بمهامهم في أحسن الظروف، تم تهييئ القانون المتعلق بالضمانات الأساسية الممنوحة لهم والذي وافق عليه المجلس الوزاري، والمتضمن علاوة على الإطار المرتبط بالنظام العام للانضباط العسكري، الإجراءات المتعلقة بالحماية القانونية في إطار تنفيذ المهام والمسؤوليات المنوطة بالجيش. معشر الضباط وضباط الصف والجنود، إن لمشاركتكم الفعالة في المهام ذات البعد الاجتماعي والإنساني، تنفيذا لأوامرنا السامية من خلال نشر المستشفيات العسكرية الميدانية لتقديم الخدمات الطبية في المناطق النائية التي تعاني من ظروف مناخية قاسية، وإيصال المساعدات لها، أثر محمود في نفوس رعايانا الأوفياء، وتجسد التلاحم المتين بين المؤسسة العسكرية ومحيطها المدني. كما يجب التنويه بالبعد الدولي لهذا العمل التضامني الهام من خلال الدور المتميز الذي يقوم به أفراد المستشفى الميداني العسكري الذي أمرنا بنشره مؤخرا في دولة الكونغو الشقيقة، حيث اتسم عملهم بالجودة والإتقان مما أثار إعجاب الجميع، وخلف ارتياحا عميقا لدى ساكنة هذا البلد الصديق. وبموازاة مع ما تقومون به في هذا المجال الإنساني المحض، فإن الدور الفعال المنوط بالقوات المسلحة الملكية في إطار مهمات حفظ الأمن والسلام التابعة للأمم المتحدة، سواء تعلق الأمر بالتجريدات العسكرية المغربية المنتشرة في مناطق مختلفة، أو من خلال الحضور المتميز لأفرادها داخل هيئات مديرية بعثات حفظ السلام التابعة للمنظمة الدولية، يبرز مما لاشك فيه، ما وصلت إليه قواتنا المسلحة من كفاءة في تحمل المسؤولية وقدرة كبيرة على العمل داخل المحافل الدولية، مما يساهم إلى حد كبير في الإشعاع الدولي للمملكة. وفي هذا الإطار، وكنتيجة لهذا الحضور الدولي المتميز، كان منطقيا أن ينعكس ذلك على مجال التعاون العسكري مع الدول الصديقة، التي نتقاسم معها الطموح الكبير لخدمة الأمن والسلم الدوليين، من خلال تبادل الخبرات والتكوين وتنظيم تمارين عسكرية مشتركة، هدفها تعزيز القدرة الميدانية والتوافقية العملياتية وذلك ما جعل لقواتنا المسلحة الملكية مكانة معززة وسمعة طيبة، بين جيوش العالم التي تحظى بالتقدير والاحترام. ولقد تجلت نتائج هذا التفاعل بشكل إيجابي من خلال الصدى الطيب والنجاح الباهر الذي خلفته مشاركة القوات الملكية الجوية والدرك الملكي في المعرض الدولي الثالث للطيران بمراكش، مساهمة وتنظيما، مما عزز تطور هذه التظاهرة العالمية، المتخصصة في شؤون الطيران والفضاء، وترسيخها كموعد قاري ودولي ينظم فوق التراب الوطني. معشر الضباط الصف والجنود، إن تخليدنا لذكرى تأسيس قواتنا المسلحة الملكية، يشكل أيضا مناسبة مهيبة نتوجه فيها، بقلوب خاشعة وأكف ضارعة إلى الله العلي القدير، أن يغدق شآبيب رحمته ورضوانه على روح القائدين الراحلين، جلالة الملك محمد الخامس ووارث سره جلالة الملك الحسن الثاني وأن يجعل مثواهما الجنة في أعلى عليين مع الأنبياء والشهداء والصديقين. كما نتقرب بالدعاء والرحمة والمغفرة لكل شهدائنا الأبرار الذين هم عند ربهم يرزقون، الذين استرخصوا حياتهم في سبيل الله ورفعة الوطن ووحدته. استحضروا رعاكم الله بتوفيقه وعونه، دوما حب الوطن وقيمه ومثله العليا، نهجا سليما ومنارا مستنيرا وطريقا مستقيما لا اعوجاج فيه، وثابروا على العطاء المتميز والاستعداد الدائم لخدمة بلدكم بروح وعزيمة النجاح والتوفيق. نسأل الله تعالى أن يعينكم ويشد أزركم وأن يفتح أفق الفلاح أمام أعينكم وأن يقوي شوكتكم بما يرهب أعداء الوطن، مستحضرين على الدوام الرباط المتميز والعهد المقدس الذي يجمعكم بقائدكم الأعلى، المبني على الوفاء والطاعة، والمنبثق من تشبتكم بشعاركم الخالد: الله - الوطن - الملك. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته».