اجتاز مشروع قانون المالية لهذه السنة بسهولة بالغة أول امتحان له، بعد أن حظي بموافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب، في ختام أشغال الدورة الاستثنائية التي عقدها البرلمان لهذا الغرض، في انتظار اجتياز الشوط الثاني من هذا الامتحان عند عرضه على مجلس المستشارين في الدورة العادية التي تفتتح أشغالها يومه الجمعة. وصادق مجلس النواب، مساء أول أمس الأربعاء، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2012، بعدما أنهى الدراسة والتصويت على الجزء الثاني من المشروع المتعلق بالنفقات، والمصادقة على الميزانيات القطاعية. وحظي مشروع قانون المالية بموافقة 166 نائبا يمثلون فرق الأغلبية الحكومية والمجموعات المساندة لها، مقابل معارضة 49 نائبا فقط، بينما امتنع 15 آخرين عن التصويت على المشروع، في أعقاب جلسة تميزت بتدخلات الفرق والمجموعات النيابية حول الجزء الثاني من المشروع. وكان مجلس النواب قد صادق عشية الثلاثاء الماضي على الجزء الأول من المشروع بأغلبية مطلقة، حيث صوت 138 نائبا لصالحه فيما عارضه 36 نائبا، وامتنع 12 آخرين عن التصويت. وخلال الأيام الثلاثة الأخيرة من عمر الدورة الاستثنائية، عرفت الجلسات العامة المخصصة للدراسة والتصويت على المشروع تباينا واضحا بين الأغلبية من جهة، التي اعتبرت مكوناتها أن المشروع، الأول من نوعه في ظل الدستور الجديد، يشكل أولى خطوات تنفيذ البرنامج الحكومي الذي نالت به الحكومة الحالية ثقة مجلس النواب، ومن شأنه أن يمكن من إعادة الأمل والثقة للمواطن٬ باعتباره مشروعا واقعيا لما يكتسيه من طابع الجرأة والطموح من حيث التدابير الاجتماعية. وبين المعارضة من جهة أخرى، التي لم تر فيه سوى أنه يفتقد إلى نظرة شمولية لحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية٬ لافتقاره، في نظرها، إلى هيكلة جديدة للميزانية وإلى افتقاده للرؤية الاستراتيجية. وأكد رئيس فريق التقدم الديمقراطي بمجلس النواب، رشيد روكبان، أن نواب الفريق صوتوا لصالح المشروع لإيمانهم بأنه مشروع موضوعي وواقعي، ويتفاعل إيجابيا مع المطالب، ويقدم الحلول الناجعة للوضعية الصعبة، المتعلقة بتداعيات السياق الدولي والإقليمي والوطني. وقال روكبان في تصريح لبيان اليوم إن الفريق ساهم في مناقشة مشروع القانون المالي، سواء في اللجن الدائمة أو في الجلسات العامة، مشيرا إلى أن تدخلات نائبات ونواب الفريق تمت وفق المنهجية التي سبق الإعلان عنها خلال مناقشة البرنامج الحكومي، والتي تؤطرها المساهمة الفعالة في المؤسسة التشريعية كمكون من مكونات الأغلبية، وأيضا المقاربة المعتمدة في دعم ومساندة الحكومة. وشدد روكبان على أن تدخلات أعضاء فريق التقدم الديمقراطي بمجلس النواب تأسست على تثمين ما يجب تثمينه من إنجازات ومبادرات وإجراءات ومكتسبات، وكل ما يرونه إيجابيا، والتنبيه إلى الاختلالات ومكامن النقص بهدف تصحيحها وتجاوزها، وتوجيه الملاحظات الضروية وتقديم الاقتراحات بشأنها للدفع بالعمل الحكومي نحو الأفضل. ولهذا جاءت تدخلاتنا، يقول رئيس فريق التقدم الديمقراطي، يطبعها روح الانتقاد الحاد، أحيانا، أكثر مما أظهرته المعارضة في كثير من الأحيان، وهذا نابع من غيرتنا على هذه التجربة الحكومية ورغبتنا الملحة في إنجاحها. وبالرغم من كل ما أبديناه من انتقادات بناءة، والتي نتمنى أن تأخذها الحكومة بعين الاعتبار، يضيف رئيس الفريق، صوتنا لفائدة مشروع قانون المالية برسم سنة 2012، انطلاقا من أننا اعتبرنا أن الحكومة ضمنت المشروع، رغم ضيق الوقت، إجراءات وتدابير جريئة وشجاعة، وأحيانا غير مسبوقة، نثمنها بقوة، مع التأكيد من جهة أخرى أن مشروع هذه السنة يكتسي طابعا انتقاليا، وأن المشروع الذي سيعكس حقيقة البرنامج الحكومي هو مشروع السنة المقبلة 2013، والذي تملك الحكومة الوقت الكافي لإعداده في أحسن الظروف. ورغم هذا التباين في مواقف كل طرف على حدة من هذا المشروع، إلا أن مكونات المجلس، من أغلبية ومعارضة، تتفق مبدئيا على ضرورة مراجعة القانون التنظيمي للمالية، بهدف تجاوز الثغرات التي تحول دون دراسته بشكل عميق، وإشراك كل الفرقاء في إعداده قبل إحالته على البرلمان. وتشير المعطيات الرقمية لمشروع قانون المالية لسنة 2012 إلى أن معدل النمو المتوقع هذه السنة يصل إلى 4.2 في المائة٬ مقابل نسبة تضخم في حدود 2.5 في المائة. أما نسبة العجز الموازناتي فتصل إلى 5 في المائة. ويرتكز مشروع القانون المالي الذي صادق عليه مجلس النواب على ثلاثة مرتكزات كبرى تهم تعزيز دولة القانون وتدعيم مبادئ وآليات الحكامة الجيدة، وتعزيز أسس نمو قوي ومستدام في إطار مواجهة تداعيات الأزمة العالمية واستعادة التوازنات الماكرو- اقتصادية، وضمان الولوج العادل للمواطنين للخدمات الأساسية وترسيخ مبادئ التضامن وتكافؤ الفرص.