مشروع القانون المالي إجراء انتقالي يستثمر التراكمات الإيجابية والإصلاحات المتوالية ينتظر أن يكون مجلس النواب قد أنهى مساء أمس الاستماع إلى تدخلات الفرق والمجموعات النيابية في إطار مناقشة الجزء الأول من مشروع القانون المالي لسنة 2012، وينتظر أن يدلي وزير الاقتصاد والمالية، نزار بركة، بتعقيبه على هذه التدخلات في الجلسة المقررة صباح يومه الثلاثاء. وشرع المجلس في مناقشة الجزء الأول من مشروع القانون المالي لهذه السنة، خلال الجلسة العامة الأولى التي عقدها صباح أمس، والتي استهلها بالاستماع إلى تقرير لجنة المالية والتنمية الاقصادية، التي صادقت على المشروع يوم الخميس الماضي بأغلبية 24 صوتا، مقابل معارضة 3 أصوات، امتناع 5 آخرين عن التصويت. التقرير الذي عرض على الجلسة العامة تضمن مختلف المراحل التي قطعتها دراسة المشروع أمام ذات اللجنة. وبين التباين الواضح بين مكوناتها حول المشروع، والتجاذب الذي عرفته المناقشة بين من عبر عن ارتياحه، وآخرين أبدوا عدم اقتناعهم بمضامينه، وفريق ثالث رأى فيه استنساخا لرؤية الحكومة السابقة. أصحاب الموقف الأول، حسب التقرير، عبروا عن ارتياحهم للمشروع، باعتباره مشروعا واقعيا يتضمن مؤشرات محينة، ويكتسي طابع الجرأة والطموح من حيث التدابير الاجتماعية، لأنه يندرج في سياق خاص تميز بالظروف الاستثنائية باستحضار محطة الربيع العربي المغاربي، والتجاوب السريع والتلقائي للمغرب مع مجرياته، كما يندرج في إطار ظروف دولية اقتصادية، تتميز بالأزمة الاقتصادية العالمية وصعوبة إيجاد حلول للإشكاليات القائمة، كما يأتي المشروع في إطار ظروف مناخية وطبيعية صعبة. أما أصحاب الموقف الثاني فلم يقتنعوا، حسب تقرير لجنة المالية والتنمية الاقتصادية، بمشروع القانون المالي لسنة 2012، وانتقدوا التأخير في إعداده وإحالته على المجلس، وذهبت هذه الانتقادات إلى حد اعتبار ثلاثة أشهر من الانتظار «هدرا للزمن البرلماني» وفرصا ضائعة، معتبرين أن حسن تدبير الوقت يدخل ضمن أسس الحكامة الجيدة. أصحاب هذا التيار يرون بأن هناك صعوبات قد تواجه تطبيق مقتضيات المشروع، بالنظر إلى إكراهات العطلة الصيفية وشهر رمضان، فضلا عما يتطلبه ضبط مساطر وإطلاق الصفقات. وهناك فريق ثالث داخل اللجنة اعتبر مشروع القانون المالي عاديا جدا يستنسخ تصور ورؤية الحكومة السابقة، ولا يتضمن ما يعكس التزامات الحكومة في إطار برنامجها الذي نالت به ثقة مجلس النواب. أصحاب هذا الرأي أثاروا الانتباه إلى غياب هيكلة جديدة للميزانية، وافتقاد مشروع القانون المالي للرؤية الاستراتيجية، ولم يأت بتصور ونمط جديد للنمو، ولم يضع ضمن اعتباراته الآليات الجديدة للتنزيل الترابي. وخلص تقرير لجنة المالية والتنمية الاقتصادية إلى أن مشروع القانون المالي لهذه السنة يتوخى تحقيق نسبة نمو بمعدل 4.2 في المائة. وسيستقر العجز الموازناتي في حدود 5 في المائة، أما معدل التضخم فيتوقع أن يصل إلى حوالي 2.5 في المائة. وأورد تقرير اللجنة، الذي صادقت عليه يوم الخميس الماضي بأغلبية الأصوات، أن الفائض في التحملات مقارنة مع الموارد المتوقعة يصل إلى أكثر من 32 مليار و357 مليون درهم، حيث يصل المبلغ الإجمالي للتحملات برسم المشروع إلى 346 مليار و796 مليون درهم ، منها 289 مليار درهم و716 مليون درهم برسم الميزانية العامة للدولة، و2 مليار و649 مليون درهم برسم مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة، و54 مليار و404 مليون برسم الحسابات الخصوصية للخزينة. بينما تصل الموارد المتوقعة برسم المشروع ما يناهز 314 مليار و511 مليون درهم موزعة إلى 255 مليار و961 مليون درهم برسم الميزانية العامة، و2 مليار و649 مليون درهم برسم مرافق الدولة المسيرة بصورة مسقلة، و55 مليار و900 مليون درهم برسم الحسابات الخصوصية للخزينة. وبعد أن استعرض تقرير لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بالغرفة الأولى بالبرلمان مراحل إعداد مشروع القانون المالي لهذه السنة، باعتباره أول مشروع من نوعه خلال الولاية التشريعية الحالية، والإكراهات التي تحكمت فيه، بدءا بالسياق الوطني الذي شهد إصلاحا دستوريا، والدولي المتسم باستمرار الشكوك حول تعافي النمو العالمي، وأيضا الظروف الطبيعية والمناخية التي تشهدها البلاد. وبلغ عدد التعديلات المقدمة من طرف مختلف الفرق والمجموعات النيابية على الجزء الأول من المشروع 130 تعديلا، قدمت فرق الأغلبية والمجموعات المساندة لها تعديلات مشتركة، بينما قدمت فرق المعارضة تعديلاتها كل على حدة، وتقدمت الحكومة بدورها بتعديلات حول المشروع لم تتجاوز ثلاث تعديلات. الحكومة في شخص نزار بركة وادريس الأزمي الإدريس، على التوالي وزير الاقتصاد والمالية، والوزير المنتدب المكلف بالميزانية، أكدا خلال مناقشة المشروع أمام اللجنة أن الحكومة تعمل في إطار مقاربة تشاركية، سواء مع الأغلبية أو مع المعارضة لمواجهة تحديات المرحلة. أبرزا عدم وجود أي تعثر بخصوص السير العادي للمرافق العمومية، وذلك بالرغم من عدم المصادقة على مشروع القانون المالي في صيغته الأولى. كما أكد الوزيران عدم وجود أي جمود في الاستثمارات خلال الثلاثة أشهر الأولى من هذه السنة. وشددت الحكومة على لسان المكلفين بتدبير المالية والميزانية، حسب التقرير، أن المشروع إجراء انتقالي يجسد الاستمرارية، ويستثمر التراكمات الإيجابية والإصلاحات المتوالية. معلنين أن الحكومة بصدد إطلاق جيل جديد من الإصلاحات لتكريس الانتقال الديمقراطي والتجاوب مع انتظارات المواطنين، وتحسين مؤشرات التنمية البشرية. والتركيز على تقوية الاستثمارات العمومية في ظل تراجع الطلب الخارجي، وكذا الاستثمارات الأجنبية باعتبارها المحرك الحقيقي للتنمية الاقتصادية.