أمام ذهول عام، خاصة في إفريقيا الغربية التي يسودها عدم الاستقرار وتشهد أزمات سياسية متتالية، أعلنت الحركة الانفصالية للطوارق وبتواطؤ مع جماعات إرهابية تتنمي للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، استقلال شمال مالي، لتبتر بذلك نصف تراب دولة ذات سيادة. ويبدو أن المجتمع الإفريقي وهو تحت وقع الصدمة والاتحاد الإفريقي تبنيا في نهاية المطاف رد فعل جد صائب أمام الخطر الانفصالي، الذي يستفحل تقريبا في معظم إفريقيا وتداخله المبهم مع الشبكات الإرهابية، من خلال رفض وبشدة التصريح باستقلال شمال مالي الذي أعلنه المتمردون الانفصاليون الطوارق التابعون للحركة الوطنية لتحرير أزواد (منلا). وأعرب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي جان بينغ يوم الجمعة الماضي عن «إدانته الشديدة لهذا الإعلان الباطل والذي لا قيمة له، داعيا المجتمع الدولي برمته لدعم وبشكل كامل هذا الموقف المبدئي لإفريقيا». وأبرز بينغ باسم الاتحاد الإفريقي «المبدأ الأساسي لعدم المساس بالحدود، وتجديد التأكيد على التشبث الدائم للاتحاد بالوحدة الوطنية والترابية لجمهورية مالي. الخوف من انتقال العدوى وأكد بينغ أن الاتحاد الإفريقي والدول الأعضاء لن يدخروا أي جهد للمساهمة في إعادة سلطة جمهورية مالي على مجموع ترابها الوطني ووضع حد للهجمات التي تنفذها جماعات مسلحة وإرهابية في الجزء الشمالي من البلاد، معربا عن توجس المجتمع الإفريقي أمام الخطر الانفصالي والخوف من انتقال العدوى إلى بؤر الانفصالين الذين ينشطون بالعديد من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء. وكانت فرنسا أول بلد غربي يعرب عن رفضه لإعلان الانفصالين عن استقلال شمال مالي، وقال المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية بيرنارد فاليرو إن الخارجية الفرنسية تعتبر هذا الاستقلال باطلا ولاغيا. من جانبها، قالت الناطقة باسم ممثلة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون إن الاتحاد يرفض أي مساس بوحدة أراضي مالي وسلامتها. المغرب متشبث باحترام الوحدة الترابية للبلدان ومنذ الانقلاب العسكري الذي وقع بمالي يوم 22 مارس الماضي، الذي تسبب في تدهور الوضع الأمني وهجوم الطوارق مدعومين بجماعات متطرفة على شمال مالي كانت المملكة المغربية من البلدان الأوائل التي أعربت عن قلقها حيال الوحدة الترابية لهذا البلد. وجدد المغرب التأكيد على حرصه على استقرار ووحدة جمهورية مالي كما جاء في بلاغ لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون غداة الانقلاب العسكري بمالي. وأضاف البلاغ أن المغرب يعد على العمل من أجل حفظ سلام وأمن واستقرار بمنطقة الساحل والصحراء والتعاون في هذا السياق مع دول المنطقة والمنظمات الجهوية ذات الصلة. وكانت البلدان المجاورة لمالي، الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا التي تضم 15 عضوا بما فيها مالي والتي فرضت حصارا ديبلوماسيا واقتصاديا شاملا على باماكو أياما قليلة بعد وقوع الانقلاب، قد عبرت عن التزامها الدائم بوحدة أراضي هذا البلد. وتعتزم المجموعة إرسال قوة عسكرية إلى مالي تضم ما بين 2000 و3000 رجل، وحدد رؤساء الأركان بالمجموعة في اجتماعهم يوم الخميس الماضي بأبيدجان «مهمة» لهذه القوة، ولكن المراقبين يعتبرون أن (سيداو) لا تتوفر على الوسائل الكافية لإنجاز هذه المهمة بشكل جيد وأن تدخلا للمجموعة الدولية يعتبر أمرا ضروريا. الانفصاليون والتداخل مع الحركات الإرهابية ويبدو أن الوضع أصبح أكثر تعقيدا مع سيطرة الجماعات المتشددة على حركة الانفصاليين الطوارق. وكما كان متوقعا فإن المجموعات المتطرفة، التي ساهمت في تقدم مقاتلي الحركة الوطنية لتحرير أزاواد، أخذوا بزمام الأمور في عدة مناطق في شمال مالي، بما في ذلك البلدة الاستراتيجية لغاو، حيث يمارسون بعنف تطرفهم على الساكنة الضعيفة. وفي تومبكتو، يوجد أعضاء الجماعة المتطرفة «أنصار الدين» القريبة من تنظيم القاعدة، في موقف قوي، متفوقين على مقاتلي الطوارق. وكانت تقارير منظمات دولية قد أدانت في أكثر من مناسبة بالتواطؤ الحاصل بين الجماعات الإرهابية لتنظيم القاعدة ببلاد الغرب الإسلامي وجماعات تهريب المخدرات والحركات الانفصالية في منطقة الساحل. كما أن انفصاليي (البوليساريو) تورطوا بشكل واضح مع تنظيم القاعدة ببلاد الغرب الإسلامي في قضايا تهريب المخدرات وعمليات خطف المواطنين الغربيين، وأن قادة جبهة (البوليساريو) في تندوف وردت أسماؤهم في قضايا إجرامية وإرهابية ارتكبت على الحدود بين مالي وموريتانيا. كارثة إنسانية وشيكة الوقوع وتخشى منظمة العفو الدولية وقوع كارثة إنسانية بالمنطقة، ذلك أنه إلى جانب الأزمة الغذائية الحادة ظهرت حالة من الفوضى العارمة في شمال مالي. فقد تم نهب مخزون المواد الغذائية والأدوية التي كانت كبرى وكالات الإنسانية قد وفرتها كما أن أغلب العاملين في المجال الإنساني فروا. وقد حذرت هذه المنظمة غير الحكومية أمس الخميس من أن السكان يواجهون خطر نقص المواد الغذائية والطبية الذي يمكن أن يؤدي إلى حصد مزيد من الخسائر في الأرواح. وقد نهبت الأغدية والأدوية التي تم تخزينها من طرف الوكالات الإنسانية الكبرى، فيما فر أغلب العاملين الإنسانيين من هناك. وحذرت المنظمة الإنسانية، يوم الخميسالماضي، من أن السكان يواجهون خطرا وشيكا بسبب النقص الخطير في المواد الغذائية والطبية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الخسائر في الأرواح. إلى ذلك، بدأت دول في المنطقة، ذات الإمكانيات المحدودة، في التعبير عن قلقها من النزوح الجماعي لهذه الساكنة من شمال مالي إلى حدودها الترابية، وهو ما أكدته بوركينا فاسو وموريتانيا والنيجر. مخاوف من تفاقم الأوضاع بإفريقيا الغربية وتشكل أزمة مالي المزدوجة تهديدا لأسس الدول في كل إفريقيا الشرقية، ذلك أنه إلى جانب المطالب الانفصالية? هناك أيضا التطرف الأصولي الزاحف مع المجموعات التابعة لتنظيم القاعدة بالغرب الإسلامي. وتفيد تقارير متواترة، في هذا الصدد، بوجود خلايا لمجموعات متطرفة في كل دول إفريقيا الغربية مرتبطة بشبكات إجرامية عابرة للحدود. ويبدو أن التدبير السيء لهذه الأزمة المزدوجة في المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا يمكن أن تكون له تداعيات لا يمكن التنبؤ بها، ففي حالة حصول طوارق مالي على الاستقلال فإن من شأن ذلك أن يمثل نموذجا يحتذى في دول أخرى. وهنا، لن يتردد «البولار»، الذين يشهدون وضعا مماثلا لوضع الطوارق، في البحث عن مجال ترابي ما في إفريقيا الغربية. وفي ظل ذلك، لن تتردد العديد من المجموعات الأخرى، من قبيل «اللجاو» لتحرير دلتا النيجر وانفصاليي كازامانس بالسنغال، في أن تسير في نفس الاتجاه. كما أن الحدود الموروثة عن الاستعمار تمنح العديد من الثغرات يمكن أن يتم استغلالها من طرف المجموعات التي تطمح إلى خوض مغامرة انفصالية. وهكذا، يتعين على رؤساء دول المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا أن تأخذ بعين هذه الحقائق بعين الاعتبار وتتصرف على وجه السرعة للحفاظ على وحدة أراضي مالي، ذلك أن فشل مساعيها في هذا الاتجاه يؤدي إلى تنامي النزعة الانفصالية في هذه المنطقة التي تراهن أساسا على ضمان الاستقرار من أجل تحقيق التنمية والتكامل الإقليمي.