بعد التبعات العنيفة التي أعقبت الحظور الباهت لأسود الأطلس خلال المونديال الأفريقي لكرة القدم بالغابون، وامتداد شرارة الغضب الى رئيس الجامعة ومعه المدرب ايريك غيريتس صاحب الراتب الشهري الكبير الذي تثير أرقامه سخط وتدمر فئات واسعة من الشعب المغربي، تلاحقت بعد ذلك وبصفة مفاجئة مجموعة من الأحداث بشكل يثير الكثير من التساؤلات، الى درجة يشكك الكثيرون في تزامنها من قبيل الصدفة. اشتد الخناق على علي الفاسي الفهري ومن معه، وطالب الجميع بالمحاسبة، ليتدخل النواب على الخط، مجبرين الوزير ورئيس الجامعة على المثول أمام البرلمانيين للإجابة على العديد من الأسئلة الحارقة... في هذا الوقت بالذات، تسربت لائحة الكريمات أو مأدونيات النقل من طرف الوزارة المشرفة على القطاع، والكل يعرف أن العديد من الرياضيين يتوفرون على هذه الرخص المثيرة للجدل. بعدها بأيام، بدأ الحديث عن الموظفين الأشباح، والكل يعرف كذلك أن هناك رياضيين «أشباح» خاصة بوزارة الشبيبة والرياضة. هل في الأمر صدفة؟ أم هناك قصد وراء هذه التسريبات بغرض تحويل الأنظار عن ملف كرة القدم، نظرا لثقله وحساسيته، والذي قد يطيح بالكثير من الرؤوس في حالة الغوص في تفاصيله وحيثياته. صحيح أن هناك أسماء رياضية لم تعد في حاجة إلى الاستفادة من اقتصاد الريع، بعد التحسن الكبير الذي طرأ على وضعيتها الاجتماعية، إلا أن الأغلبية الساحقة ممن خرجت اسماءهم ضمن اللائحة لا مدخول لهم إلا ما تجود به هذه الكريمة اليتيمة، كما أن الأغلبية الساحقة من المستفيدين قدموا بالفعل خدمات جليلة للوطن، دافعوا بسخاء عن القميص الوطني ورفعوا راية المغرب بشموخ وكبرياء الأبطال في بقاع العالم، وعلى الوطن أن يكافئهم على هذا العطاء الذي لا يقدر بأي ثمن. سواء انتبه أصحاب التسريبات أم لم ينتبهوا لذلك، فان الطريقة التي تمت بها العملية، أساءت كثيرا لرموز شكلت نبراسا اهتدت به العديد من الأجيال، كما كان لهم اسهام كبير في التأسيس لمدرسة وطنية حقيقية في المجال الرياضي، قوامها التربية على المواطنة، حب العمل، وخدمة الصالح العام، وهنا يمكن أن نسوق بعض الأمثلة: كسعيد عويطة، أحمد فرس، حسن اعسيلة، نوال المتوكل، نزهة بيدوان، نور الدين البولحياوي، عزيز بودربالة، مصطفى الحداوي، عبد الحق عشيق... واللائحة طويلة من الرياضيين الذين يستحقون أن تنصب لهم تماثيل بالساحات العامة وبمقرات الوزارة والأندية التي لعبوا لها... بعد ملف الكريمات، تبعه ملف الموظفين «الأشباح». من حيث المبدأ لا أحد يمكن أن يتسامح مع أشخاص يتقاضون راتبا من المال العام، ولا يقدمون مقابل ذلك أية خدمة... وحسب الإحصائيات المتوفرة، فان عدد الموظفين الأشباح يصل إلى 26 ألفا، منتشرين عبر جل أسلاك الوظيفة العمومية، وتأتي وزارة الشبيبة والرياضة في مقدمة الوزارات «المتضررة» والقانون يقول بأن ذلك خرقا لقانون الوظيفة العمومية واستنزافا للمال العام. أشباح وزارة أوزين يصل إلى 300 شبح، وفق إحصاء أنجز بأمر من الوزيرة السابقة نوال المتوكل، وقد شرعت بالفعل في تصفية بعض الملفات، إلا أن التعديل الحكومي لم يمهلها طويلا حتى تتمكن من مواصلة الانكباب على هذا الملف الحساس. بعد نوال جاء منصف بلخياط، إلا أنه غض الطرف كليا عن هذا الملف، حيث صوب اهتمامه المطلق على الصفقات والمشاريع المدرة للدخل، سابق الزمن ليعمم الاستفادة على الأصدقاء والعائلة... يتقاضى أشباح وزارة الشباب والرياضة رواتب شهرية من السلم 8 إلى 10و11، وهم في الغالب من الرياضيين السابقين خاصة بالعاب القوى وكرة القدم، وقد جاء توظيفهم بأوامر ملكية سامية، بناء على وضعيتهم الاستثنائية وعطاءاتهم لفائدة الوطن. ومن خلال التجارب المعاشة، هناك العديد من الطرق والصيغ التي تمكن من الاستفادة من عطاء وخبرة وقيمة هؤلاء الأبطال، بناء على مؤهلاتهم وتجربتهم الميدانية والعلمية، إلا أن هناك مدربين وأطر منتشرين عبر جل الجامعات الرياضية والأندية الوطنية وحتى الأجنبية، لا يدخلون ضمن خانة الأبطال، ومع ذلك يستفيدون من رواتب وأجور بدون وجه حق، بل هناك ممن يستفيدون من «ازدواجية الوظيفة» المحرمة قانونا وحتى شرعا... معالجة هذا الملف من طرف محمد الوزير أوزين دون خسائر تذكر ممكنة التحقيق، على أساس فحص كل حالة على حدا، ومراعاة لقيمة كل بطل وعطاءاته وإمكانياته المادية والصحية، ومجال تخصصه، بكثير من المرونة والتقدير والإحترام... أما الانكباب على ملف الأشباح الحقيقيين، فالأمر لا يتطلب أي تأخير أو مهادنة...