لا جدال في أن الإرهاب في أي صورة من صوره نشاط إجرامي؛ ولكن تبين أن إعطاء وصف قانوني للجريمة الإرهابية تمهيدا لإخضاعها لنظام قانوني خاص عمل صعب. فقد صدر أكثر من 6000 كتاب ومقال وبحث حول الإرهاب والإرهاب المضاد خلال سنوات السبعينيات والثمانينيات، وتأسس الكثير من المعاهد التابعة للجامعات أو الحكومات لدراسة وإثبات عدم وجود اتفاق حول مفهوم محدد للإرهاب. موقف التشريعات المقارنة من تعريف الجريمة الإرهابية القانون المصري والأمريكي كنموذج هناك حوالي ثلث دول العالم تملك نصوصا خاصة بتحريم الإرهاب والجرائم الإرهابية سواء كانت هذه النصوص واردة في قانون العقوبات نفسه أو في قوانين جنائية خاصة . وقد سعت العديد من التشريعات الوضعية عند سنها لأحكام مكافحة الإرهاب إلى تعريف قانوني لهذه الظاهرة الإجرامية، منها القانون المصري والأمريكي. التشريع المصري لقد تصدى المشرع المصري لتعريف الإرهاب، إذ نصت المادة86 المضافة بالقانون رقم97 لسنة1992 على أنه :? يقصد بالإرهاب في تطبيق أحكام هذا القانون كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع يلجأ إليه الجاني لتنفيذ مشروع إجرامي فردي أو جماعي بهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بالاتصالات أو المواصلات أو الأموال أو بالمباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو منع عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لأعمالها أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين أو اللوائح? . وواضح من هذا التعريف مدى حرص المشرع المصري على حسم الخلاف حول تحديد مدلول الإرهاب، فقد وضع تعريفا يتسم بالإطالة، وكأنه أراد أن يحصر كل الصور الممكنة للإرهاب حتى لا يخرج من دائرة التجريم والجزاء أيا منها ، وأيضا للتيسير على القضاء من خلال تحديد المفهوم بدقة بغية تلافي الاختلاف بين الهيئات القضائية المختلفة. التشريع الأمريكي ينص الفصل22 من قانون الولاياتالمتحدةالأمريكية (الفقرة (د)2656) على أن: - الإرهاب يعني العنف المتعمد، له دوافع سياسية، يمارس ضد أهداف غير مقاتلة (المدنيين والعسكريين الغير مسلحين وقت وقوع الحادث) من طرف جماعات متطرفة أو أشخاص مهمشين، بغية التأثير على الرأي العام. - الإرهاب الدولي يعني الإرهاب ضد مواطنين أو ضد التراب الإقليمي في أكثر من دولة. - الجماعات الإرهابية تعني كل جماعة يقوم أو ينفذ أغلب أفرادها الإرهاب الدولي . ونشير أن القانون الأمريكي قد وسع من الصلاحيات الممنوحة للحكومة لملاحقة من يشتبه في أنهم إرهابيين عقب هجمات 11سبتمبر2001، ويقول المنتقدون إنه لا يحمي الحريات المدنية على نحو كاف لأنه يسهل للسلطات انتهاك خصوصية الأمريكيين غير الضالعين في الإرهاب . تعريف الجريمة الإرهابية في ظل قانون مكافحة الإرهاب المغربي مما لا شك فيه أنه حينما كان يتم الحديث عن العنف المسلح لدى الجماعات الإسلامية كشكل من أشكال الإرهاب الديني في بعض الدول العربية منذ سنوات، فإنه على العكس من ذلك لم يتم الحديث عنه في المغرب إلا في إطار وحيز ضيق بل وقد ينعدم أحيانا، فلم يكن أي محلل سياسي يتصور أن يكون للتطرف الديني بالمغرب هذا التطور والزخم السريع الذي ألقى به على واجهة الأحداث بعد العمليات الإرهابية التي عرفتها مدينة الدارالبيضاء يوم 16ماي2003، عندها أصبح الحديث عن مشكلة التطرف والإرهاب إلى حيز الوجود والذي عدلت أحكامه مقتضيات مجموعة القانون الجنائي بإضافة الباب الأول مكرر : ? الإرهاب?، إلا أن هذا القانون لم يورد تعريفا للجريمة الإرهابية عكس القانونين المصري والأمريكي. ماهية الجريمة الإرهابية في ظل قانون مكافحة الإرهاب المغربي لم يضع المشرع المغربي في قانون مكافحة الإرهاب المؤرخ في 28/05/2003 تعريفا محددا للجريمة الإرهابية وذلك إسوة بالمشرع الفرنسي وخلافا لمشرع المصري، إذ نجد المشرع المغربي قد حدد ملامح الجريمة الإرهابية وطبيعتها وعناصرها التكوينية المادية والمعنوية في الفصل218 بقوله: ?تعتبر الجرائم الآتية من أفعالا إرهابية، إذا كانت لها علاقة عمدا بمشروع فردي أو جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف أو الترهيب أو العنف. 1- الاعتداء عمدا على حياة الأشخاص أو على سلامتهم أو على حرياتهم أو اختطافهم أو احتجازهم. 2- تزييف أو تزوير النقود أو سندات القرض العام، أو تزييف أحكام الدولة والدمغات والطوابع والعلامات أو التزوير أو التزييف المنصوص عليه في الفصول360 و361 و362 من هذا القانون. 3- التخريب أو التعييب أو الإتلاف. 4- تحويل الطائرات أو السفن أو أي وسيلة أخرى من وسائل النقل أو إتلاف منشآت الملاحة الجوية أو البحرية أو البرية أو تعييب أو تخريب أو إتلاف وسائل الاتصال. 5- السرقة وانتزاع الأموال. 6- صنع أو حيازة أو نقل أو ترويج أو استعمال الأسلحة أو المتفجرات أو الذخيرة خلافا لأحكام القانون. 7- الجرائم المتعلقة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات. 8- تزوير أو تزييف الشيكات أو أي وسيلة أداء أخرى المشار إليها على التوالي في المادتين316 و331 من مدونة التجارة. 9- تكوين عصابة أو اتفاق لأجل إعداد أو ارتكاب فعل من أفعال الإرهاب. 10- إخفاء الأشياء المتحصل عليها من جريمة إرهابية مع علمه بذلك. *الفصل 3-218: يعتبر أيضا فعلا إرهابيا، بالمفهوم الوارد في الفقرة الأولى من *الفصل 1-218 أعلاه، إدخال أو وضع مادة تعرض صحة الإنسان أو الحيوان أو المجال البيئي للخطر، في الهواء أو في الأرض أو في الماء، بما في ذلك المياه الإقليمية. يعاقب عن الأفعال المنصوص عليها في الفقرة الأولى أعلاه بالسجن من 10إلى20سنة. تكون العقوبة هي السجن المؤبد إذا ترتب عن الفعل فقد عضو أو بتره أو الحرمان من منفعته أو عمى أو عور أو أي عاهة أخرى للشخص أو أكثر. تكون العقوبة هي الإعدام إذا ترتب عن الفعل موت شخص أو أكثر. * الفصل 4-218: تعتبر أفعالا إرهابية الجرائم التالية: - القيام بأي وسيلة كانت، مباشرة أو غير مباشرة، بتقديم أو جمع أو تدبير أموال أو قيم أو ممتلكات بنية استخدامها أو مع العلم أنها ستستخدم كليا أو جزئيا لارتكاب عمل إرهابي، سواء وقع العمل المذكور أو لم يقع. - تقديم مساعدة أو مشورة لهذا الغرض . موقف المشرع المغربي في الجريمة الإرهابية لم تسلم وجهة نظر المشرع المغربي من النقد في تحديده وتعدده للجرائم الإرهابية وذلك باعتبار الصعوبات التي تعترض تحديد المقصود بالمس بالنظام العام، فضلا عن أنه حدد طبيعة هذه الجريمة في كونها لا ترتكب إلا بوسائل معينة (التخويف أو الترهيب أو العنف) وهي وسيلة يشوبها الغموض، إذ أن هذه العبارات المستعملة سواء في النص المغربي أو المصري لا تعدو أن تكون سوى ترديدا لمعاني متشابهة، فهي ذات دلالات ومفاهيم واحدة وقد تم اقتباسها من التشريع الفرنسي وهي تتسع لتشمل صورا من الأعمال التي لا تستخدم فيها العنف أو القوة أو التهديد بالعنف، كإقدام مجموعة إرهابية على تسميم مورد المياه بإحدى القرى، فرغم أن هذه الصورة لا تشتمل على قوة أو عنف أو تهديد به، ولا عصابة مسلحة فالناس يشربون ويموتون، هذا من جهة ومن جهة أخرى فالتخويف أو الترهيب ليس إلا أثرا سيكولوجيا يصاحب الإرهاب ويتعلق بالضحية أكثر من تعلقه بالفاعل، ومن ثم سيكون علينا العودة مجددا للبحث عن تعريف للمقصود بالإرهاب. كما أن استعمال التخويف أو الترهيب أو العنف ليس حكرا على الإرهابيين، فالمجرمون الآخرون أي غير الإرهابيين قد يستعملون ذات الأساليب في أفعالهم الجرمية، مما يعني تطبيق قانون الإرهاب عليهم. بالإضافة إلى ما تقدم اشترط المشرع المغربي أن يهدف الفعل الإرهابي إلى المس الخطير بالنظام العام، وهذا يعني أن يصل الفعل إلى درجة من الخطورة والجسامة بالنظام العام، وأبقى أمر تقدير جسامة هذه الخطورة للقضاء في إطار سلطته التقديرية وحسب الملابسات الخاصة بكل نازلة، هذا خلافا للتشريع المصري الذي أحسن صنعا حينما لم يتطلب لتجريم الفعل واعتباره إرهابيا أن يحدث إخلالا ومساسا جسيما بالنظام العام وعليه فأي قدر من الإخلال يكفي لاعتبار الفعل مجرما.