ريم نجمي: الحب أكبر من قصيدة شعر في مجموعة الشاعرة المغربية الشابة ريم نجمي عن دار «النهضة العربية» تحت عنوان «كأن قلبي يوم أحد» يحضر الحب كمتن للمجموعة، وتحضر الى جانبه مشاهد الحياة اليومية والطفولة، كما أسئلة الوجود الصعبة كالموت. تلفت قصيدة ريم بأناقتها وذكائها، التي بدأتها بمجموعة أولى «أزرق سماوي» كانت صدرت في الرباط، وأشّرت إلى وجود شاعرة، والمجموعة الثانية التي بين أيدينا أكدّت ذلك من جديد. تتابع نجمي دراستها في الإعلام بجامعة بون بألمانيا. * متى تحضر قصيدتك؟ هل هي وليدة حالة انخطاف ما؟ أم انعكاس لقراءة تجدينها موحية وممتعة. ما الذي يشّدك أكثر إلى كتابة الشعر؟ - تحضر قصيدتي في الغالب بفضل قراءة موحية، أو بعد حضوري لأمسية شعرية جميلة. وأحيانا كثيرة تقودني أغنية أو فيلم إلى كتابة قصيدة. لكن ينبغي أن أقول إن لحظة كتابة الشعر بالنسبة إلي ليست لحظة يسيرة أو في المتناول، قد تمضي شهور أو أكثر من دون أن أكتب حرفا شعريا واحدا. ثم تأتي لحظات معينة في الحياة أكتب بغزارة قد تفاجئني أنا نفسي. مثلاً توقفت عن كتابة الشعر لشهور عدة، كنت أحس فيها أني لن أنجح أبدا في العودة إلى الشعر. ثم عادت إلي القصيدة ذات يوم أو ربما أنا من عدت إليها. * تقترب قصيدتك من الحب، أكثر ممّا تفعل حيال تفاصيل الحياة، واليوميات التي تحفل بها القصائد الحديثة. هل ما زال «الحب» برأيك، متناً كافياً لإنضاج مجموعة شعرية؟ - تعرفين عناية، وأعرف، أن الحب موضوع شعري صعب. كما لاحظ ذلك ريلكه في إحدى رسائله إلى صديقه الشاعر الشاب. لكن الحب أكبر من قصيدة وأوسع من مجموعة شعرية، علينا فقط أن نعرف كيف نكتبه. الحب بالنسبة إلي ليس مجرد غزل بالمعنى القديم، وإنما هو تجربة روحية ومصفاة حياة. الحب رؤية وأحلام وذاكرة وأفق. إن أصغر جملة شعرية أكتبها عن الحب تندرج في تاريخ الشعر الإنساني عن الحب. كأنها جملة نسيت «سافو» أن تكتبها أو سقطت من قصيدة لأبي نواس أو امرؤ القيس أو نيرودا أو غارسيا لوركا أو محمود درويش... مع ذلك أرى أن قصيدتي تتفاعل أيضا مع جوانب الحياة الأخرى، لذلك هناك فصول في ديواني خصصتها للموت والطفولة، وأيضا لمشاهد الحياة اليومية... لكن لا أنكر أني أجد متعة أكبر وأنا أكتب الحب، لذلك قد يكون انطباعك صحيحاً. * الطبيعة موجودة في قصيدتك، سوى أنها انعكاس لأحوال الرجل المعشوق وتفاصيله. كما أن الليل حاضر بقوة في أغلب قصائدك في ما يشبه تزاوج الحسّية والعاطفة، ما رأيك؟ - أصدقك القول: لم نعد ننظر إلى الطبيعة اليوم كما كان ينظر إليها الناس من قبل. في الماضي كانوا يقولون إن الفن يحاكي الطبيعة. أما اليوم فقد أصبحت الطبيعة تحاكي الفن والإبداع. أريد أن أقول إننا لم نعد ننظر إلى الطبيعة بحياد وبروح فطرية بل ننظر إليها كما لو أنها مرسومة من كثرة اللوحات التي تملأ أعيننا، ومن خلال ركام القصائد التي قرأناها. إننا ننظر إلى الطبيعة التي ينتجها المهندسون ومصممو الحدائق والبرك المائية. كأن طبيعة الله أصبحت مجرد ذكرى. أما الليل فأنا ببساطة أعشقه. لا أذكر أني كتبت نصا شعريا في واضحة النهار. أحس أني أقطف كلماتي من زرقة الليل، ذلك الليل الذي لا يستحق سواده كما قال الشاعر الفرنسي ألان بوسكيه. السكون الليلي يدفع الجسد إلى خلق صخب خاص به، هذا الصخب هو الكلمات التي أكتبها. مدن * ثمة في مجموعتك قصائد مكتوبة في المانيا - بون، وفي المغرب - الرباط. جغرافيتان متباعدتان، لكن الحب واحد في كلتيهما. ألا ترين معي أن على الكلمة أو القصيدة أن تتأثر بالمسافة وتتلون بالصور الجديدة وتتماهى مع المدن المختلفة؟ - أحيانا أكتب قصيدة في الرباط تشكلت نطفتها الأولى في بون، لذلك قد تتسلل بعض تفاصيل الأمكنة إلى قصيدة ما، وقد تهرب قصيدة من مكانها الأصلي وتخلق جغرافيتها الخاصة. أحيانا أقرأك وأحس أنك كتبت قصائدك هنا في شوارع المانيا أو هناك في شوارع الرباط. وليس غريبا أن يكون الحب واحدا لأن الحب لا يتأثر بتغير الأمكنة. للحب مكان واحد هو القلب، نحمله معنا أينما سافرنا أو تنقلنا. * كيف تنظرين إلى المشهد الشعري في المغرب العربي، كتابات الشباب بنوع خاص ومَنْ الذين تحبين قراءتهم؟ - أنظر إليه بكثير من التفاؤل. هناك شعراء شباب يكتبون قصائد جديرة بالإعجاب والتنويه. هناك شاعرات أيضا يشكل حضورهن الشعري إضافة نوعية إلى هذا المشهد. أعتقد أن القصيدة المغربية حققت تراكمات نوعية، وأعطت أسماء شعرية مهمة في الساحة العربية. لقد كان لقصيدتنا المغربية حظ الاستفادة من تراكمات القصيدة المشرقية وتحققات القصيدة الغربية. أما بخصوص قراءتي للشعراء الشباب فبكل صراحة أقرأ كل ما أستطيع الوصول إليه وما يصلني من أعمال شعرية، أو ما أراه في بعض المواقع الالكترونية أو عبر الفيسبوك... أقرأ لعدنان ياسين وعزيز أزغاي وطه ياسين ووداد بنموسى وزهرة المنصوري... إنهم كثر لا أستطيع أن أذكرهم كلهم وأخشى أن أنسى الذين أحبهم. هذا من دون أن أنسى أني أعبر على كثير من الشعر في الرواية وفي الخطابات الإبداعية الأخرى. * هل على الشعر بشكل عام التأثر بالحراكات السياسية التي تدور في البلاد العربية؟ - يحق للشاعر أن يتفاعل مع الحدث السياسي والاجتماعي، لكن بطريقته الخاصة. إن كيمياء الشعر ليست كيمياء عمومية، بمعنى أن على الشاعر أن يعيش الحدث العام مع حرص قوي على الاحتفاظ بالتفاصيل لنفسه. القصيدة لا تكون بعيدة عن الحدث بل هي دائما بقربه، تسبقه أحيانا وتتنبأ به وتتأخر عنه أحيانا، محتفظة لنفسها بالمسافة الضرورية. هذا يعني أن خطاب القصيدة ليس خطابا سياسيا ولا ينبغي أن يكون كذلك. لذلك الفعل الثوري العربي الذي تحقق في الأشهر الأخيرة لم يكن معزولا عن خطاب الشعر، مثلما لم يكن معزولا عن الخطاب الذي تنتجه وسائل الاتصال الحديثة... وقد سمعت عددا من الشباب الجميل في ميدان التحرير تحدثوا عن قراءاتهم لمحمود درويش وأحمد فؤاد نجم. مثلما استعادت الثورة التونسية أيضا شاعرا عظيما بقيمة وقامة أبي القاسم الشابي. لقد كانت القصيدة كامنة في وجدانات هؤلاء الشباب. كما كانت الروايات التي قرأوها، والمسرح الذي شاهدوه، والسينما وغيرها من الخطابات الفنية. صدقيني عناية، عندما كنت أتابع نوارة نجم في بعض القنوات الفضائية بكل تلك الجرأة النادرة قبل سقوط مبارك وبعده كنت أحس كما لو أنها خرجت لتوها من إحدى قصائد والدها الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم.