مع انطلاق جلسات الأسئلة الشفوية، خصوصا بالغرفة الثانية، عاد لواجهة الحديث سؤال الرفع من مستوى الأداء البرلماني. خلال الجلسات الأخيرة تابعنا كيف عمد مستشارون إلى استغلال آلية "إحاطة المجلس علما بقضية طارئة"، لجعلها مناسبة لتقديم خطابات سياسوية تحضى بنقل تلفزيوني، وتستثمر لتصفية حسابات حزبية خصوصا مع الحكومة التي لا يحق لها الجواب. وشاهدنا الفرق المعنية مباشرة بالإحاطات، تعود في الجلسات الموالية "لرد الصاع صاعين"، وينخرط الجميع في حروب كلامية تافهة، تجعل برلماننا في البداية والنهاية يحافظ على صفته كسيرك (رحم الله القائل). وفي خضم هذا اليم من الشتائم والسباب، بلغت التفاهة حدها عندما انبرى برلمانيون لاتهام زملاء لهم داخل القبة بالمتاجرة في المخدرات، وبإدارة ميليشيات، واتهام أحزاب بحماية المفسدين، ثم أجاب المعنيون، بدورهم، لكن باتهامات لا تقل خطورة عن الأولى وبلغة أكثر سوقية ورعونة. ما القصد من وراء كل هذا؟ هل نريد أن نقول للمغاربة، إن هذا هو مستوى البرلمان الذي تستحقون، فزيدوا في عزوفكم وفي هروبكم من السياسة ومن الانتخابات، واتركوا الساحة لكل هؤلاء الذين أكدوا فعلا أن مكانهم الحقيقي ليس داخل المؤسسة التشريعية، إنما أمام القضاء لمساءلتهم عن الاتهامات المتبادلة فيما بينهم ؟؟؟ الكل كان إلى وقت قريب يطالب بمراجعة المادة المؤطرة ل"إحاطة المجلس علما"، حتى الوزير السابق المكلف بالعلاقات مع البرلمان دافع عن المراجعة في أكثر من مرة، لكن اليوم حتى المتشدقون بكثير كلام عن التحديث وعن رفع المستوى وتأهيل البرلمان، باتوا يفضلون استغلال المسألة كمنبر دعائي للمزايدة على الحكومة وعلى الأحزاب الأخرى، وطار كل ما قيل عن مرحلة جديدة دخلها مجلس المستشارين، ومع توالي الجلسات الأسبوعية بات واضحا أن التغيير في الأداء صار معناه السب وكثير من التشنج، وأن الرفع من مستوى الأسئلة والنقاش السياسي داخل البرلمان، أصبح مرادفا لإخراج مواضيع قديمة وإعادة طرحها بغاية "التعمار" فقط، وكل منتقد لمثل هذا السلوك الغارق في الهواية والبساطة، يصير معارضا للتصحيح، وغير مؤهل لتقديم الدروس، ولا يستوعب الجهاز المفاهيمي (نعم...). المطلوب اليوم أيها السادة، التسريع بالانتهاء من عملية التلاؤم بين نظامي الغرفتين، والمراجعة الجذرية لبنية المادة المتعلقة بالإحاطة في نظام مجلس المستشارين، وأيضا الانكباب على بلورة شكل جديد لجلسة الأسئلة الشفوية يتيح بالفعل نقاشا سياسيا عميقا وجديا، ويؤسس لمراقبة حقيقية لعمل الحكومة، والمطلوب ثالثا الرفع من قدرة برلماننا بغرفتيه على ممارسة التشريع، وطرح مقترحات قوانين، وهذه المهام لن تنجز، كما يعرف الكل، بالكلام أمام التلفزيون، إنما بالتفكير والاجتهاد وحشد التأييد، وأيضا بالإرادة السياسية الحقيقية في الإصلاح وفي التأهيل. نتمنى أن تصل هذه الإحاطة إلى السادة البرلمانيين المحترمين...