المنافسة على الصعيد القاري والدولي، تنطلق من تقوية القاعدة محليا تعود الرأي العام الوطني بعد كل إخفاق للفريق الوطني أن يحتل موضوع كرة القدم حيزا هاما من النقاشات والاهتمامات والتداولات، كما تعود على وصول هذه الحمى إلى قبة البرلمان، حيث تطرح أسئلة الهزيمة على وزير الشبيبة والرياضة، وتلقى تدخلات نارية من طرف السادة النواب والمستشارين، دون أن تترك الهيئة الوطنية لحماية المال العام الفرصة تمر لتسجل وجودها عن طريق بلاغات التنديد والمطالبة بالمحاسبة... هذا السيناريو أصبح مألوفا بعد عودة كرة القدم الوطنية خاوية الوفاض بعد كل تظاهرة قارية شاركت فيها، أما الحضور الدولي فالأمر تحول إلى حلم صعب المنال، وبمرور الأيام تخفت هذه الحمى وتنزل درجة حرارتها لتصبح الأمور عادية، وكما يقول المثل الفرنسي الشائع: «نعيد الانطلاقة بنفس الأشخاص». ومن بين النقط التي يتم عادة التركيز عليها وسط النقاشات التي تعقب مسلسل الهزائم، التساؤل حول واقع اللعبة على الصعيد الوطني وضرورة الاعتماد على اللاعب المحلي، لكن تناول هذا الموضوع لا يصل إلى مداها، وسرعان ما يترك على الهامش وسط دوامة الانشغالات اليومية... حسب المعطيات المتوفرة، فان آخر مرة استطاعت فيها كرة القدم الوطنية الوصول إلى مونديال كرة القدم كانت بفرنسا سنة 1998، وهى المرة الرابعة، ويتذكر الرأي العام الرياضي أن التشكيلة ضمت عناصر تمارس بالأندية الوطنية، كما أن أغلب العناصر المحترفة تكونت بالمغرب، واستطاعت الوصول إلى عالم الاحتراف أبرزهم العميد نور الدين النيبت، أما القادمين من مراكز التكوين الأوروبية، فالعدد لم يكن يتعدى ثلاثة إلى أربعة لاعبين، ويأتي في مقدمهم مصطفى حجي الذي قدم الكثير من العطاءات التي لا تنسى. تقديمنا لهذا المثال الغرض منه التأكيد على حقيقة الأرقام، فمنذ أن ركزت جامعة كرة القدم اهتمامها على جلب لاعبين من مختلف الدوريات الأوروبية، لم نستطع الوصول مرة أخرى إلى المونديال، حيث كان الإقصاء في دورات 2002 باليابان وكوريا الجنوبية، 2006 بألمانيا، 2010 بجنوب أفريقيا، وهى غيابات جد قاسية، تخلف الكثير من الانعكاسات السلبية على الواقع الرياضي ككل... أما على الصعيد القاري، فباستثناء دورة 2004 بتونس، فالخروج المبكر قاسم مشترك بين كل المشاركات مع غياب عن دورة 2010، هذا على مستوى الفريق الأول، وبخصوص باقي الفئات (فتيان، شبان، إناث) التي أصبحت تعتمد هي الأخرى على عناصر قادمة من مراكز التكوين الأوروبية، فمصيرها التواضع والإقصاء المبكر... والحالة هذه، فإن العودة إلى الإنتاج المحلي أصبح حتمية لاغنى عنها، دون التفريط أبدا في المواهب المغربية المنتشرة بمختلف الدوريات القارة العجوز القادرة على منح الإضافة الضرورية المفتقدة وطنيا، للوصول إلى تقديم تشكيلة متجانسة لا تغيب عنها الروح الإفريقية، المفروض توفرها في أي فريق يأمل في منافسة أقوياء القارة. في خريف سنة 2008، عقدت المناظرة الوطنية حول الرياضة، وتليت رسالة ملكية شهيرة، وقفت على الكثير من الاختلالات التي تعتري واقع الممارسة الرياضية على الصعيد الوطني، وقد خلصت توصيات هذه المناظرة على ضرورة الاهتمام بالقاعدة، أي النادي وصولا إلى قمة الهرم، أي المنتخبات، وما يتطلب ذلك من تكوين وتجهيز وتأطير وحكامة وقوانين مواكبة للتحولات، إلا أن الذي حدث هو أن هذه التوصيات بقيت حبيسة الرفوف، بعد تجاهل متعمد من طرف منصف بلخياط، الذي فضل همش عنوة تركة سابقته نوال المتوكل، ليبقى الحديث على الرسالة الملكية من باب الاستئناس فقط. فإذا كان خيار العودة إلى الإنتاج المحلي للمنافسة على الصعيد القاري حتمية ضرورية، فان الوصول إلى ذلك يتطلب الاهتمام بواقع الأندية وفئاتها الصغرى ومراكز التكوين، وتقوية القاعدة ومدها بالإمكانيات الضرورية، وبدون ذلك فلا التعاقد مع مدرب بأعلى الرواتب قادر على تحقيق الهدف، ولا جلب أحسن اللاعبين من مراكز التكوين بأوروبا يمكن أن يسمح لكرة القدم الوطنية مرة أخرى بالعودة للتألق قاريا. إن تقوية الأندية من الداخل سيمكنها من وقف النزيف وذلك بالحفاظ على أحسن عناصرها، فالخليج العربي أصبح يعد بالفعل مقبرة اللاعبين المغاربة، فالعديد من المواهب الصاعدة تختفي عن الأنظار بمجرد التحاقها بقطر أو الإمارات أو البحرين أو الكويت، وبالتالي فإن الانتقال نحو أوروبا لم يعد ممكنا بعد نزول المستوى العام، نظرا لعدم تمكن هذه المواهب من الوصول إلى النضج التقني والتكوين البدني والإعداد الذهني المؤهل للعب بأوروبا. فهل كان عقد مناظرة والقيام بدراسات الجدوى، الهدف منه إثارة نقاش وتسجيل نقط للاستهلاك الظرفي، وتحويل الاهتمام نحو وجهة غير تلك التي تسلط الأضواء على المسؤولين الحقيقيين عن الأزمة؟ ولعل في إعادة طرح السؤال اختزال لحقيقة هذا الواقع الرياضي الوطني الذي يراوح مكانه، رغم كل محاولات الإصلاح، مع ما يكلف ذلك من ميزانيات مهمة وهدر للكثير من الجهد والوقت وتغييب للكفاءات...