يعتبر عدد من نقاد الفن السابع في المغرب أن تعامل السينما الوطنية مع الذاكرة والتاريخ ظل محدودا وضعيفا، منكفئا على معالجة تقريرية وسطحية مباشرة، لم ترق إلى مستوى من التعبيرية الجمالية والسينمائية الممتعة والهادفة في آن واحد. وأوضح هؤلاء النقاد، خلال ندوة نظمتها مؤسسة علال الفاسي حول موضوع «السينما والذاكرة» مؤخرا بالرباط، أنه كان ينبغي انتظار التحولات التي عرفها المغرب خلال التسعينيات من القرن الماضي لتحفيز العديد من المخرجين على تناول موضوعات اعتبرت لفترات طويلة من الطابوهات لاعتبارات سياسية وأمنية تتعلق بطبيعة المرحلة التي عاشها المغرب حينئذ، من قبيل قضية الاعتقال السياسي علاوة على موضوع المقاومة الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي. وعزا هؤلاء أسباب هذا الانكفاء إلى غياب رؤية استراتجية للشأن السينمائي باعتباره مكونا ثقافيا رئيسيا في المشهد الثقافي والفني، وضعف الاستثمار في هذا النوع من السينما، وعدم الوعي بأهميته الحيوية في المساهمة في النهضة الثقافية والحفاظ على الذاكرة والهوية الوطنية علاوة على «الانفصال والتجافي» المستحكمين بين السينمائيين والكتاب والمؤرخين المغاربة. غياب هذا التلاقح والتفاعل بين هذه الأطراف الأساسية في العملية الإبداعية أثر بشكل سلبي على الكتابة السينمائية، في نظر النقد المغربي، سواء على مستوى البناء السردي والدلالي للأحداث أو لغة وصورة وفضاءات المحكي السينمائي، مما أفرز أعمالا سينمائية، في غالبيتها، تقريرية وضحلة ومفككة، لا تستجيب لشروط البناء الفني المطلوب للواقع، والذي يستثير الخيال والذوق والعاطفة والجمال، في نفس الوقت الذي يعيد فيه صياغة وتشكيل التاريخ والذاكرة. ورغم انفتاح السينما الوطنية على مكونات التاريخ والذاكرة في بعض التجارب المختلفة فإن الأعمال السينمائية الوطنية، حسب عدد من النقاد، لم تتحرر بعد بالشكل المطلوب من تأثير رواسب «الذاكرة الكولونيالية» النمطية، وهيمنة البعد الإديولوجي في توظيف المعطيات والأحداث التاريخية بشكل قد يعرض الذاكرة الجماعية إلى التشويه والتشويش والتعتيم. من هذا المنطلق أوضح الناقد السينمائي عمر بلخمار في معرض مقاربته ل»سنوات الجمر بالمغرب/الاختلاف والتشابه في المعالجة السينمائية» أن السينما المغربية أصبحت خلال فترة الانفتاح السياسي الذي شهده المغرب خلال التسعينيات عملا لا يقتصر على البعد الفرجوي الفني بل أصبحت عملا تأريخيا يسجل الأحداث ويلتقط التحولات ويساهم في إحياء الذاكرة الجماعية ويحارب الفساد، وهو ما ظهرت تباشيره الأولى في أفلام عديدة من بينها على الخصوص: «عبروا في صمت» لحكيم النوري/1997، و»بيضاوة» لعبد القادر لقطع/1998, و»طيف نزار « لكمال كمال/2001 , و»مكتوب» لنبيل عيوش/2000 وأفلام نبيل لحلو. وتوقف من خلال مقاربته لخمس أفلام مغربية عالجت ظاهرة الاعتقال السياسي، وهي «منى صابر» لعبد الحي العراقي /2001، و»جوهرة بنت الحبس» لسعد الشرايبي/2003، و»درب مولاي الشريف» لحسن بنجلون /2004، و»ذاكرة معتقلة» للجيلالي فرحاتي /2004، و»أماكننا الممنوعة» لليلى الكيلاني /2008، عند الخاصيات الفنية والسينمائية لهذه النماذج، والمتمثلة أساسا في مراوحتها بين التقريري الإخباري وبين التخييلي الرمزي، موضحا أن أغلبها هيمن عليه الطابع المباشر، المفتقر للمسات الفنية والجمالية الموحية والمعبرة، حيث «جاءت الأحداث على مستوى الشخصيات والحوار أقل حرارة درامية من الوقائع الموضوعية». وتناول الناقد السينمائي مصطفى الطالب حضور تيمة المقاومة في السينما المغربية منذ 1958 إلى سنة 2010، حيث لاحظ أنه من بين 275 فيلما تم إنتاجها خلال هذه المرحلة، 28 فيلما مغربيا فقط عالج هذه القضية، مسجلا تأخر الانفتاح على الذاكرة الوطنية إلى غاية 1970. وقال إن المعالجة الفنية لموضوع المقاومة الوطنية اختلفت من مخرج إلى آخر، حيث أن بعض الأشرطة اهتمت بقصص هامشية كالحب والانتقام أو المغامرة في قالب حكائي دون الاهتمام بالتوظيف التاريخي لأحداث الاستعمار، وأخرى نجحت في إبراز انعكاساته التاريخية والثقافية. ولام الطالب على السينمائيين المغاربة عدم اهتمامهم بما كتب ويكتب حول المقاومة الوطنية، وكذا غياب برمجة مهرجان يعنى بموضوع سينما المقاومة ضمن قائمة المهرجانات الوطنية. ومن جهته أكد الناقد حمادي كيروم في عرض بعنوان «الذاكرة بأعين متعددة» إن المقاربة السينمائية للذاكرة يتعين «أن تكون فهما لما حدث، وليس سردا له، من خلال فهم وبناء الزمن الواقعي عبر الزمن السينمائي، وذلك على اعتبار أن فيلم المقاومة يدمج البعد النضالي ويسعى لإحياء الذاكرة الفردية والجماعية واستنهاض الوعي ومواجهة الواقع الراهن لفهمه وتغييره وتطوير الحس الوطني وتلمس الطريق في زمن ملتبس...»، مضيفا أن السينما المغربية حاولت من خلال توظيف ذاكرة المقاومة في بعدها السياسي والاجتماعي التخلص من «التخييل كما صنعته السينما الكولونيالية»، المرتكزة على النظرة الإتنوغرافية الاستعمارية التي هيمنت على المتخيل الأوروبي، الذي طالما نظر إلى التقاليد والأعراف المحلية باعتبارها سلوكات متوحشة ومتخلفة. واعتبر أن موضوع المقاومة لم تتم معالجته بالجدية والفنية التي يستحقها بل استعمل فقط كمبرر درامي على سبيل المثال في أفلام: قصة وردة/2000 لعبد المجيد أرشيش، و»كابوس»/1984 لأحمد ياشفين، و»شوف الملك في القمر»/2011 لنبيل لحلو، في حين توفق فيلم «عطش» /2002 لسعد الشرايبي، على سبيل المثال، في ربط المقاومة مع محيطها الاجتماعي والسياسي. أما الناقد نور الدين محقق فيرى أن السينما المغربية استعادت عبر مجموعة من الأفلام الذاكرة المغربية، وحاولت التأريخ لها ليس في إطار توثيقي محض وإنما في قالب سينمائي فني، يسعى إلى تحقيق المتعة الفنية مع الحرص على إيصال رسالة مضمونية في نفس الوقت، وذلك انطلاقا من مجموعة من المواضيع الهامة، منها ما هو تاريخي ومنها ما هو اجتماعي مرتبط به. وأضاف محقق أنه من هذا المنطلق تناولت هذه السينما «فترات من تاريخ المغرب، منها ما هو بعيد، كما هو الشأن في فيلم «جارات أبي موسى» /2003 للمخرج محمد عبد الرحمن التازي، الذي يستعيد فترة تاريخية من العصر المريني، ومنها ما انفتح على فترة الاستعمار الفرنسي والاسباني للمغرب، كما هو، على سبيل المثال، حال فيلم «عشاق موغادور» /2002 للمخرج سهيل بن بركة، ومنها ما وقف عند بعض اللحظات التاريخية المعينة، كما هو الشأن مع فيلم «فين ماشي يا موشي» 2007 للمخرج حسن بنجلون. ومن جهته أبرز الناقد محمد اشويكة في عرض بعنوان «السينما والذاكرة المغربية/تساؤلات ثقافية» إلى وجود «ذاكرة خاصة بكل متفرج، بدل ذاكرات أو ذاكرة عامة»، وذلك من خلال تعدد وتنوع زوايا النظر وتمثل المحكي السينمائي موضحا أن السينمائي المبدع «هو من يتعامل مع الذاكرة بلغة الصورة والإشارة والترميز، ويتجاوز توظيف الخطاب المباشر التقنوي...». وخلص في الأخير إلى أن البلدان التي أرادت أن تحفظ ذاكرتها وتجعلها حية وضعت السينما في عمق رؤيتها الاستراتيجية للتنمية، متسائلا عن حدود «القطيعة بين المخرجين المغاربة بكل انتماءاتهم الإديولوجية وتوجهاتهم وبين الإرث الكولونيالي النمطي الذي استطاع ان يقدم المغاربة على أنهم مجرد رعاع أو أناس يداعبون الأفاعي ويهيمون في الصحراء...».