كنا نتمنى لو يمهلك القلب/العمر إلى بعد حين، حتى ترى حبك لبلدتك ينبت ورودا وأشجارا، حتى تتحقق أحلامك الوردية بأن ترتقي هذه الأم/خنيفرة إلى ما يليق بمكانتها في التاريخ والجغرافيا.. وأنت الذي أدمنت عشقها فصارت خنيفرة بعللها، آلامها وآمالها قضيتك التي تجهر بها في كل المحافل. وعلمتنا كيف نعشقها ونعشق هذا الوطن حتى الثمالة. كنا نتمنى لو يمهلك القلب/العمر إلى بعد حين، لترى مشاريعك التي ناضلت من أجلها زمنا طويلا، يتم تنزيلها على أرض الواقع: مسرح كبير، معهد بلدي للموسيقى، مندوبية للثقافة وأخرى للسياحة. كان عليك أن تموت يا حبيبي، كي نرى القوافي الخشبية تتشظى لتلبس لبوس الشعر ولو في نسخ باهتة. كان عليك أن تموت الآن، لندرك أنك بحبك للوطن وتفانيك في الفن وتواضعك مع بسطاء الناس، وشموخك في وجه المتسلطين، استطعت أن تملك قلوب العاشقين من طنجة إلى لكويرة. وتذكر يا أخي، حين كنت تستضيفني في غرفتك/فضاء خلوتك، وتحكي لي عن سهراتك في الحزام الأمني بالجنوب المغربي، وكيف كنت تستنهض همم الجنود للدفاع عن حوزة الوطن. وتذكر يا عزيزي، يوم طلبتني لمرافقتك إلى مدينة طنجة حيث شاركت في حفل تضامني مع الحاجة الحمداوية، وبرمجك المرحوم أبو الصواب في آخر السهرة. تذكر أنك من الساعة التاسعة ليلا إلى الثانية صباحا، وأنت تلبي طلبات الجماهير في التقاط صور معك، وكيف كان تجاوب الجمهور معك وأنت تغني لصبيان الحجارة! وتذكر كما أذكر في سنة 1989، وبدعوة من جريدة منار الشمال (فاس)، قدمت أمسية ملتزمة، وكنت وحدك بمعية آلتك الوترية، فغنيت للوطن «العار عليكم يا أهل الدار» وغنيت للبنان والعراق وأطفال الحجارة، وبفنك الراقي وحدت الفصائل الطلابية. وتذكر كما أذكر، يوم استدعينا من طرف نادي الصحافة بخنيفرة لزيارة المؤسسة السجنية، فأحييت سهرة، رفعت بها الغبن عن النزلاء. كان عليك أن تموت الآن موتا فيزيقيا، لنعرف أنك أعطيت لخنيفرة إشعاعا عجزت عن إعطائه لها مؤسسات ومؤسسات، ولنعرف أن فنك الأصيل وشخصك النبيل جعل لك مريدين تقاطروا على بيتك لتقديم العزاء في فقدانك، لرفيقة دربك زينب وخلفك أحمد الله، شكر الله، بركات وعائشة، كانت جنازة مهيبة. شارك فيها الصغار والكبار. الرجال والنساء بتلقائية، تحرك طوفان بشري من المسجد الكبير إلى مقبرة سيدي بوتزكاغت، ولم يكن الخنيفريون وحدهم من شيعوك. فقد توافد عشاقك من البيضاء، الرباط، طنجة، مكناس، فاس والخميسات.... وووري جثمانك الثرى، وفي حلقك أشياء من حتى..