المغرب في حاجة ماسة إلى إعادة الاعتبار للثقافة وجعلها من الأبعاد المركزية في كل السياسات العمومية دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى بلورة مشروع وطني ينطلق من قناعة جماعية بأن الثقافة مسألة إستراتيجية ورافعة أساسية من رافعات التنمية الشاملة للبلاد، وبلورة إستراتيجة وطنية تفتح مسالك وظيفية بين الممارسة الثقافية والتشغيل من خلال تطوير عروض جديدة ومغرية للشباب في التكوين المهني، ومن خلال فتح مسالك متخصصة تستجيب لمقتضى تكوين الأطر والموارد البشرية في المجالات الثقافية. وذكر أحمد العبادي رئيس اللجنة الدائمة المكلفة بالثقافة والتكنولوجيات الحديثة بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي، في ندوة صحفية أقيمت أمس بالرباط لأجل عرض التقرير الذي أنجزه المجلس حول «إدماج الشباب عن طريق الثقافة»، أن المغرب في حاجة ماسة إلى إعادة بناء تصوره للمسألة الشبابية في ضوء التحولات العميقة التي يشهدها المجتمع، كما هو في حاجة إلى إعادة الاعتبار للثقافة وجعلها من الأبعاد المركزية في كل السياسات العمومية. ومن أجل اختيارات إدماجية للشباب عن طريق الثقافة يتعين، حسب أحمد العبادي، التأسيس لموقع جديد للثقافة في وعينا الجماعي عبر القطع مع التصور التقليدي للشباب باعتبارهم مشكلة أو أفرادا في حاجة إلى الوصاية، وإنما هم فئة تمتلك ما يلزم من الذكاء والطاقات الحيوية، وبناء ما سماه ب «براديغم» جديد ومتجدد للمسألة الشبابية مع الشباب وبالإنصات إليهم وبتوفير كل الشروط الممكنة لإدماجهم وجعلهم شركاء في تقرير السياسات التي تخصهم. بالإضافة إلى وضع إستراتيجية تشاركية في شكل «عقد برنامج» وطني لتجاوز كل أشكال الخصاص التي تميز مجالي الشباب والثقافة واستثمار كل الوسائل المتاحة لتوفير شروط إدماجية مستدامة للشباب في الحياة العامة. كما نبه أحمد العبادي الذي كان يعرض مضامين هذا التقرير بحضور شكيب بنموسى رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي، إلى ضرورة الاهتداء بنهج جديد في الحكامة الديمقراطية التشاركية لتدبير السياسات العمومية المعنية بالشباب، وذلك عبر تفعيل مقتضيات الدستور الجديد والمتعلقة بإنشاء «المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي» و»المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية» للقيام بأدوارهما الدستورية باعتبارهما مؤسستين وإطارين مركزيين للاشتغال في مجالي الثقافة والشباب. وخلص المجلس الاقتصادي والاجتماعي في تقريره إلى ضرورة وضع ميثاق وطني لصيانة التراث المادي واللامادي يحدد مسؤوليات كل جهة في حمايته والاهتمام به ويحفز الشباب للتخصص فيه، واستثماره في حفظ الذاكرة التاريخية والثقافية وتثمينه بما يخدم مختلف جهات المملكة بإنصاف وتوازن ويسهم في الإشعاع الحضاري والثقافي والجمالي للمغرب. وحدد المجلس الاقتصادي والاجتماعي مجموعة من المقتضيات المؤسسة والإجرائية التي من شأنها الإسهام في إدماج الشباب عن طريق الثقافة في قلب السياسات العمومية، كوضع قانون / إطار يلزم أصحاب القرار في السكن والتعمير وإعداد التراب الوطني بأنسنة أحواض عيش الساكنة بتخصيص مناطق خضراء وملاعب رياضية للأطفال والشباب ومنشآت ثقافية، ويلزم السلطات المحلية والجهات الحكومية المعنية بإنقاذ كل أماكن العيش الحاملة للذاكرة الثقافية وإصلاحها وترميمها وإدراجها ضمن الفضاءات الثقافية، بالإضافة إلى بناء علاقات مبتكرة بين الثقافة والشباب والتنمية الجهوية والمحلية تدعم وتثمن الخصوصيات الثقافية واللغوية لمختلف جهات التراب الوطني، وإدخال مقومات المشروع الثقافي في المدرسة والعائلة والمسجد والمجال العام ووسائل الاتصال ومختلف القنوات الرقمية واستنباته عبر المؤسسات التعليمية بمختلف أسلاكها. كما أوصى المجلس بتقوية الدور الإيجابي والأساسي لمساجد القرب تحت إشراف الهيئات الدينية الرسمية، وإعادة هيكلة قطاع الثقافة بما يستجيب لمقومات المشروع الثقافي الوطني المطلوب لإدراجه في إطار مؤسسي أفقي يتوجه إلى الشباب بقدر ما يهتم بكل شرائح المجتمع، وتطوير شبكة جهوية لمركبات متعددة الوسائط ومختلفة الأحجام تستهدف الشباب بحيث تكون مركبات القرب هذه مجالا ثقافيا ومكانا للتواصل والتعلم والاكتشاف والإبداع بمختلف أشكاله في الوقت نفسه. كما أكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي على ضرورة تنويع مصادر التمويل وبناء شراكات بين السلطات العمومية والقطاع الخاص والجمعيات الثقافية والشبابية وذلك عبر إنشاء إطار مؤسسي في شكل وكالة وصندوق وطنيين للثقافة والشباب. مشيرا إلى أن إدماج الشباب هي مسالة وطنية كبرى يتعين على كل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين وعالم المقاولة الانخراط في توفير شروطه لتعزيز التماسك الاجتماعي الوطني.