تتوخى أعراف وتقاليد المهنة تذكير المهني بالسلوك القويم الذي ينبغي عليه التزامه أثناء مزاولة مهنته. فأمام المشكلات التي يصطدم بها المحامي خلال عمله المهني، عليه أن لا يحتكم إلى رؤيته الشخصية، التي تختلف من شخص لآخر، وقد تملي على المحامي حكما غير صائب. لذا يكون من المطلوب أن يحدد المهني موقفه وفقا لتقاليد المهنة وأعرافها، التي ارتضاه أهل المهنة. بناء على ما ذكر، إن الأعراف والتقاليد تفرض على المحامين أثناء نشاطهم المهني واجبات عديدة يختزلها المهنيين في ثلاث محاور أساسية وهي: 1- واجبات تجاه الزملاء الآخرين في المهنة: - مبدأ اللياقة في التعامل والمحافظة على وشائج المودة. - مبدأ الاستقلال المهني في مباشرته لأعمال مهنته. - مبدأ المسؤولية الشخصية لكل مهني عما يقوم به من أعمال. 2- الواجبات تجاه الموكلين: - مبدأ النزاهة واللياقة: في جميع أعماله المهنية وعلى وجه الخصوص في كل مرحلة من مراحل علاقته مع الموكل عند الاستشارة، عند طلبه للمعلومات والبيانات ومصير الملف. يجب على المحامي أن يرفض الدفاع عن مصالحه متعارضة.و عليه أداء مهنته بدافع مناصرة الحق ونظرة المظلوم والتجرد عن أي هدف آخر. - مبدأ الإخلاص والتفاني في أداء الخدمة وذلك ببذل قصار جهده في الوصول إلى النتيجة التي يسعى الموكل إلى تحصيلها. ومن مقتضى واجب الإخلاص أن يمتنع المحامي عن قبول الدفاع في قضيته عندما يشعر أنه قادر على النهوض بها إما لأنه لا يملك التخصص المطلوب أو لأنه لا يملك الوقت. - الحفاظ على السرية. 3- واجبات المهني تجاه المهنة و تجاه النقابة: - المحافظة على كرامة المهنة : فالمحامي مرآة للمهنة التي يمارسها. ولذلك يجب أن يعكس سواء في كيفية أدائه لعمله أو في حياته الخاصة مستوى معينا من السلوك يتناسب مع مكانته الاجتماعية ويرفع من قدر المهنة التي ينتمي إليها.فليست المهنة التي تشرف الرجل، بل الرجل هو الذي يشرف المهنة، فيمارسها متحليا بمزايا الأمانة والتجرد والتضحية والاستقامة. - تجنب الأساليب التجارية في ممارسة المهنة. فللمهنة كرامتها التي يمنع من تحويلها إلى مجرد سلعة تستخدم الوسائل التجارية لترويجها واجتذاب الزبناء نحوها وزيادة الطلب عليها. - احترام القرارات الصادرة عن مؤسسة النقيب ومجلس الهيئة وأن يقوم المحامي بجميع الواجبات التي يفرضها عليه النظام الداخلي للهيئة. وأداء الاشتراكات في مواعيدها بانتظام. إضافة إلى ذلك، إن للمحامي واجبات تجاه المجتمع، باعتبار أن مهنة المحاماة هي ساعد من سواعد العدالة تسعى إلى إحقاق الحق ونصرة المظلوم. فكل محامي في موقع عمله الخاص أو الرسمي، مجند لخدمة المجتمع بكل إمكانياته وطاقاته. إن هذه الأعراف والتقاليد تعترضها معوقات خارجية، تؤدي بمهنتنا إلى الخروج بها إلى مجال الخدمات التجارية وإخضاعها لمنطق السوق وجرها إلى حلبة المنافسة الدولية، مما يمس بهويتها الأصلية. وحتى لا تفقد قواعدها وتقاليدها وأعرافها وثقة من يلجأ إليها، أصبح من اللازم الحفاظ عليها والتذكير بها ليكون الجميع واعيا بها. الأستاذ خالد خالص، المحامي بهيئة الرباط،يرى في دراسة لأعراف وتقاليد مهنة المحاماة، أن مهنة الدفاع ظهرت منذ ان وجدت الخصومة. والمحاماة توجد كلما كانت النزاعات بين الناس لا تحسم بالقوة. وهي مهنة مرتبطة ارتباطا لصيقا بنصرة الحق والدفاع عن المظلوم وإرساء دولة القانون والمؤسسات. كما تعد هذه المهنة معقلا للدفاع عن الحرية وعن استقلال القضاء. وحق الدفاع حق مقدس من الحقوق الأساسية للإنسان يقاس به مستوى الديمقراطية في المجتمع. وبعد أن أوضح أن لكل علاقة من العلاقات، ولكل فن من الفنون ولكل مهنة من المهن ولكل فئة من فئات المجتمع، آدابها وتقاليدها واعرافها، أكد أن المحاماة كرسالة وكفن وكمهنة لها آدابها وقواعدها النابعة من تقاليدها واعرافها المتوارثة. وتقاليد واعراف المحاماة كانت غير مكتوبة وتنتقل من جيل الى جيل مع حرص كل جيل على اتباعها واحترامها. الا انه مع مرور الزمن وتطوره وامام بعض التحلل من القيم المتعارف عليها كان ولابد من تدخل المشرع لتقنين بعض تلك الآداب حتى لا تضيع وتضيع معها مهنة المحاماة. وأضاف صاحب الدراسة قائلا أن القانون المنظم لهذه الاخيرة لا يمكنه ان يقنن جميع تقاليد واعراف مهنة الدفاع نظرا لكثرتها غير انه يحيل دائما وابدا على هذه الاداب وهذه القواعد في عدة من فصوله... وتقاليد واعراف مهنة المحاماة تتسم بالعالمية نظرا لارتباط المحامين اينما كانوا باهداف واحدة. وان دل هذا على شيء فانما يدل على اهميتها وعلى سموها في توحيد عمل المحامي وفي توطيد علاقته بزملائه وبموكليه وبالقضاء ككل. واحترام الاعراف والتقاليد الموروثة، في نظر الأستاذ خالص، يوسع من ارضية التفاهم والاحترام بين المحامين. وقد يستهين البعض باعراف وتقاليد مهنة المحاماة لانها في ظنه لا تتلائم مع متطلبات العصر الحالي. ولكن المحامي اذا تمعن جيدا في الامر فإنه سيدرك ان حدوده الشخصية والاجتماعية وغيرها متواضعة للغاية وانه كلما احترم اسرة الدفاع التي ينتمي اليها بعاداتها وتقاليدها واعرافها ومحامياتها ومحاميها كلما ساهم في تماسك هذه الاسرة وكلما شعر هو ومن يتبع خطاه بقوة الجماعة وبروح التكافل والتضامن امام مصائب ومصاعب الحياة بصفة عامة وامام مصاعب ومخاطر المهنة بصفة خاصة. واستطرد المحامي خالص موضحا ومستنتجا ما يلي: «،،،أن في التقاليد والاعراف جسور لا يحس بصلتها الا من احترمها واعتبرها من بين اهم دخائره الشخصية لانها تفك عنه العزلة وتجعله يشعر بانتمائه لاسرة متماسكة قوية صامدة. فلمهنة المحاماة اذن قيمها وتوابتها النابعة من تقاليدها واعرافها، واذا تحلل المحامون من ثوابتهم انقطع التواصل بينهم وتفككت مهنتهم. فالحفاظ على الاصول والتمسك بها ليس اختيارا فكريا بقدر ما هو ضرورة تاريخية ترتبط مباشرة بوجود المحاماة. ويمكن الجزم بان تفحص الحالة التي توجد عليها مهنة المحاماة في مغرب اليوم تؤكد لا محالة على وجود خلل في مدى احترام واتباع القواعد السلوكية المتعارف عليها. ولا يمكن الكلام عن وحدة المحامين وتماسكهم ومن تم عن قوتهم بدون اتفاقهم هم اولا واخيرا على تقاليد واعراف تحكم سلوكم. فعلينا ان نحيي تقاليدنا واعرافنا المهنية ليس ولعا بالماضي ولا تشبتا اعمى بالقديم بل تمسكا رشيدا بهويتنا وبمهنتنا وايمانا راسخا في ان قوة المهنة تكمن في قوة من يمارسها وان قوة ممارسيها تتمركز في تمسكهم بقيم رسالتهم واحياء تقاليدهم واعرافهم التي تفرقهم عن غيرهم. وبدون هذا الاحياء لن نستطيع ان نكتشف قدراتنا ولن نسترجع قوتنا وستكون مهنة الدفاع في حاجة لمن يدافع عنها باعتبار ان أصحابها لم يكونوا في مستوى حمل المشعل الذي سلمه لهم اسلافهم. وكما قال النقيب عبد الكريم بنجلون التويمي: «ان في هجران التقاليد المأثورة قضاء مبرما على سلك المحاماة وسلاحا فتاكا في يد أعدائه والمتربصين لعثراته».