تمهيد إن حيازة الدولة للمقومات الأساسية هو الشرط الأول للتفكير في صياغة دستور يحدد طبيعة النظام السياسي وشكل الدولة واختصاصات المؤسسات الدستورية والعلاقة فيما بينها، وهذا ما شذت عليه ما يسمى ب»الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية» وذلك بتبنيها لدستور مكتوب رغم افتقادها للعناصر الأساسية للدولة، حيث لا تملك شعبا محددا ولا إقليما واضح المعالم لتمارس داخله سلطة معترفا بها خارجيا. ورغم ما يعوز دستور هذه الدولة المزعومة لشروط التنزيل، فإنني سأحاول في هذه الورقة استقراء طبيعة النظام السياسي الذي تحلم جبهة البوليساريو تحقيقه، وذلك قصد الوقوف على ما يراودها من أحلام رغم استحالة رؤيتها للنور لعدم واقعيتها. إن أول ما يستوقف القارئ لدستور «الجمهورية الصحراوية» المعدل في أكتوبر 2003 مقارنة مع دستور 1995 الذي صيغ بطريقة بدائية، أن الدستور الحالي أكثر تفصيلا من الأول، حيث حاول محرروه إخراجه ظاهريا في شكل وثيقة دستورية شاملة شأنه شأن دساتير باقي الدول حتى العريقة منها، إلا أن الإطناب والإغراق في التفاصيل في بعض بنوده أفقده هيبة الدستور. ومن جهة أخرى فإن لجوء محرري هذه الوثيقة إلى استنساخ كلي أو جزئي للعديد من المواد التي تحدد بنية النظام السياسي من الدستور الجزائري لعام 2002 أسقطهم في سُبَّة «السرقة الدستورية»، الأمر الذي يعكس تبعية هذا «المشروع» السياسي للمنظومة السياسية والقانونية الجزائرية. ومن بين أهم خصائص هذا الدستور أيضا تكريسه لهيمنة جبهة البوليساريو على كل ما يرتبط بالمشروع الانفصالي حيث نص في المادة (52) على أن «الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب هو رئيس الدولة يتم انتخابه عن طريق المؤتمر العام للجبهة «، وهذا يعني إدامة سيطرة الجبهة على كل تفاعلات الأطروحة الانفصالية سواء داخل المخيمات أو في علاقاتها مع بعض الأطراف الخارجية، وذلك لقطع الطريق أمام أي هامش لتعدد الرأي وبالأحرى تعدد تمثيلية المشروع الانفصالي، وما يؤكد أكثر هذه النية نص المادة (31) من الدستور الحالي على أن «حق إنشاء الجمعيات والأحزاب السياسية معترف به فيما بعد الاستقلال»، وهذا نص فريد من نوعه لم تشهده أي تجربة أخرى في العالم، إذ كيف يكمن أن يتناسب منع وعدم الاعتراف بأي نوع من الاختلاف سواء أكان سياسيا أو ثقافيا مع الشعارات الكبرى التي ترفعها ادعاءً جبهة البوليساريو في الوقت الذي تحرم فيه على ما تسميه ب»الشعب الصحراوي» من أي اختلاف في الرأي أو التنظيم إلا ما توحي به جبهة البوليساريو، وهذا ما جاء تأكيده مرة أخري في المادة (32) التي تحيل على فلسفة نظام الحزب الوحيد عاكسة بوضوح الإيديولوجية المغلقة لقادة الجبهة حيث نصت هذه المادة على ما يلي: «إلى غاية استكمال السيادة الوطنية تبقى الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب الإطار السياسي الذي ينضوي فيه الصحراويون سياسيا للتعبير عن آمالهم وطموحاتهم وحقهم المشروع في تقرير المصير والاستقلال والدفاع عن وحدتهم الوطنية واستكمال بناء دولتهم المستقلة». إن دسترة الرأي الأحادي وتحريم التعدد والاختلاف يبين استمرار غيبوبة قادة البوليساريو في إيديولوجية ماضوية تحرم الاختلاف عن من يتقاسمونهم نفس الأفكار وبالأحرى الإقرار بذلك لخصومهم. رغم ما شهده العالم خلال العقدين الأخيرين من تغيرات عميقة في بنيته وتلاشي المعسكر الذي احتضن جبهة البوليساريو، فإنها لا تزال وفية لمبادئها المؤسسة في حرمان حرية الرأي والتعددية وتنوع مؤسسات المجتمع مدني، حتى تستمر في الهيمنة على الحيز المجالي الذي يضم المخيمات التي تستبد بشأن مصيرها، يتم هذا رغم أن كل الحركات السياسية والعسكرية التي تتماثل مع تجربتها تلاشت أو على الأقل تكيفت مع معطيات الواقع الدولي الجديد منذ الأيام الأولى لانهيار جدار برلين، لكن السبب الذي يفسر لنا استمرارها هو الاحتضان الكامل وعلى مختلف المستويات الذي تحظى به من قبل الجزائر التي تغدق عليها بالمال والسلاح والدعم الدبلوماسي. ويحتوي دستور «الجمهورية الصحراوية» الحالي إضافة إلى الديباجة خمسة أبواب تندرج ضمنها 139 مادة. وقد خصص الباب الأول لتحديد الأركان المادية للدولة المزعومة، حيث عُنوِن ب»الإقليم والشعب والدولة»، ويلاحظ أن المواد التي كُرست لمعالجة مفهوم الدولة اقتبست في أغلبها حرفيا من الدستور الجزائري. بالنسبة للباب الثاني المعنون ب»الحقوق والضمانات والواجبات الدستورية»، حددت مواده ما ل»المواطن الصحراوي» من حقوق وما عليه من واجبات، وقد وردت أغلب مواد هذا الباب بإطناب كبير، حيث تضمنت تفاصيل تعهد عادة إلى قانون الحريات العامة والمسطرة الجنائية، ولا يليق إدراجها ضمن الوثيقة الدستورية. أما الباب الثالث فقد اهتم بتنظيم السلطات، والذي قُسم بدوره إلى ثلاثة فصول، تناول كل فصل منها مؤسسة معينة، حيث خُصص الفصل الأول للسلطة التنفيذية في شقي رئيس الدولة والحكومة، والفصل الثاني للسلطة الاستشارية والفصل الثالث للسلطة القضائية. أما الباب الرابع فقد تناول ما يرتبط ب»المؤسسات الرقابية والتشريعية» حيث حدد تكوين واختصاصات كلا من المجلس الدستوري في الفصل الأول والمجلس الاستشاري في الفصل الثاني. وأخيرا خُصص الباب الخامس لتحديد أحكام مختلفة، حيث عرف الفصل الأول الأعياد الدينية والوطنية، أما الفصل الثاني فقد حدد الجهاز الذي يعود إليه اختصاص تعديل الدستور والمتمثل في المؤتمر، أما الفصل الأخير فقد تناول بعض الأحكام الانتقالية. 1: التفسير التعسفي لركني الإقليم والشعب ورد في المادة الأولى تحديد غامض لإقليم الدولة المزعومة إذ نصت على أن الساقية الحمراء ووادي الذهب يشكلان، في حدودهما المعترف بها دوليا، «الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية». إن المجال الإقليمي الذي تحيل إليه المادة السابقة لا يخضع لأي معايير جغرافية أو ديموغرافية أو غيرها في تحديد حدوده، وإنما تم رسم حدوده الوهمية بشكل اعتباطي. إن ما يعرفه أي طالب في الأقسام الأولى من الدراسات التاريخية أن الحدود في الجهة الشمالية الغربية لأفريقيا بين الجزائر والمغرب وموريتانيا ومالي تم خطها بطريقة هندسية عند اقتسام هذا الجزء من الأراضي الإفريقية بين فرنسا وأسبانيا، ولا تعكس أي حقائق تاريخية أو جغرافية أو ديموغرافية، كما أن واقع الحال يؤكد أن ما يسمى ب»الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية» ليس لها أي وجود ترابي، فمقرها تندوف (التي تخلى عليها المغرب في ظروف تاريخية معينة للجزائر) كما أن ممارستها لسلطاتها لا يتحدى حدود المخيمات. وقد اتسمت المواد المخصصة لتعريف مفهوم الشعب بنفس الغموض، حيث لم تشر إلى أي محدد قبلي (القبائل التي يفترض أن تشكل الشعب الصحراوي) أو جغرافي (المجال الترابي الآهل لممارسة السلطة). إن الشعب الوحيد الذي يمكن لجبهة البوليساريو أن تدعي ممارستها لسلطاتها عليهم هم أولائك الذين تحتجزهم وتراقبهم في المخيمات منذ أكثر من ثلاثين سنة في ظروف قاسية رغمًا عنهم ورغمًا عن كل الدعوات الإنسانية لفك أسرهم، والذين يُجهل إلى حد الآن عددهم بالضبط أو حتى بالتقريب، رغم الطلبات الكثيرة التي تقدمت بها منظمة الأممالمتحدة بهذا الشأن. ويكمن الهدف من إبقاء عددهم مجهولا لدى الرأي العام الرسمي والشعبي سواء في المنطقة المغاربية أو على المستوى العالمي في ضمان تدفق أقصى ما يمكن من المساعدات الإنسانية إلى المخيمات والتي ينتهي مصير جزء مهم منها إلى جيوب أعضاء البوليساريو. إن مفهوم «الشعب الصحراوي» أو «الأمة الصحراوية» وما يدخل ضمن هذا الإطار وما يخرج منه وحتى مدى دقة وصحة هذا المفهوم هو محط نقاش قانوني وسوسيولوجي واكب ولا يزال جميع مراحل قضية الصحراء، وقد اكتفى هذا الدستور بالإشارات العامة التي ترد عادة في دساتير الدول التي لا يشكل تحديد مفهوم شعبها أو سكانها أو مجال ممارستها للسيادة أي إشكال قانوني أو سوسيولوجي، وهذا ما يعكس انغماس محرري هذا الدستور في نسخ البنود و ملاءمة بعضها دون التمعن عميقا في الإشكالات الدستورية والسوسيولوجية الحقيقية التي تطرحها قضية الصحراء. يشير في هذا الإطار الخبير الاقتصادي أنطوني هودجز (Anthony Hodges) الذي يشتغل منذ عشرين عاما على مشكلات التنمية والأقليات في إفريقيا أن''الصحراء الغربية لم يسبق أن كانت أمة قبل احتلالها، والنزعة القومية اليوم هي ظاهرة حديثة لم تظهر إلا في الفترات الأخيرة للاحتلال الإسباني''. وحتى إذا اعتبرنا أن سكان الصحراء يشكلون شعبا في حد ذاتهم فإن الصحراويين أو بالأحرى -القبائل الصحراوية- لا يوجدون في الصحراء المغربية فحسب، بل يحتضن الجزء الجنوبي الغربي من الجزائر بكامله من بشار إلى الحدود بين موريتانيا ومالي قبائل صحراوية كثيرة. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن دستور «الجمهورية الصحراوية» أورد تعبير «تقرير المصير» في مناسبتين اثنتين: في المادة ( 24) التي جعلت من بين الأهداف التي تعمل «الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية» لتحقيقها في سياستها الخارجية «الدفاع عن الحق العادل للشعب الصحراوي في تقرير المصير واستكمال سيادته على كامل ترابه الوطني. ومساندة ودعم حق الشعوب في تقرير مصيرها السياسي والاقتصادي بنفسها»، وفي المادة (32) التي نصّت على أن «الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب» أو ما يسمى بجبهة البوليساريو «الإطار السياسي الذي ينضوي فيه الصحراويون سياسيا للتعبير عن آمالهم وطموحاتهم وحقهم المشروع في تقرير المصير والاستقلال والدفاع عن وحدتهم الوطنية واستكمال بناء دولتهم المستقلة» إلى «غاية استكمال السيادة الوطنية». ويعكس هذا الفهم لمبدأ تقرير المصير تفسيرا ضيقا لمبدأ عالمي اتخذ تطبيقه أشكالا وصيغا مختلفة حسب كل تجربة على حدة. إن الدراسة القانونية والفقهية المعمقة للمفهوم السياسي والقانوني لهذا المبدأ لا توصلنا بالضرورة إلى الإقرار لمجموعة بشرية معينة أو إقليما محددا بالانفصال التام، بل يمثل هذا المعنى أحد تطبيقات مبدأ تقرير المصير الذي تنوعت مظاهره حسب التجارب التي عرفها العالم خلال القرن الماضي، حيث نجد شعوبا جنحت للانفصال التام أو الاستقلال، بينما فضلت أخرى الحكم الذاتي سواء الموسع منه أو المحدود، وآثرت أخرى الاندماج التام في مكونات الدولة الأصلية، وعليه فليس هناك ما يؤكد تطابق مفهوم تقرير المصير مع عملية الانفصال التامة. ومن جهة أخرى فإن مبدأ تقرير المصير الذي هو من مفاهيم القانون الدولي التي تطورت عبر مراحل تاريخية مختلفة وتكيفت مع البيئة الدولية المتغيرة شأنها في ذلك شأن مفاهيم أساسية أخرى مثل الدولة والسيادة الوطنية والإقليم وغيرها. إضافة إلى هذا العيب الفقهي في التفسير الجامد لمبدأ تقرير المصير كما تطالب به جبهة البوليساريو والجزائر، فإن رؤيته للنور حسب هذه الصورة ستكون له تداعيات سياسية وأمنية لا مثيل لها، لأنه سيشعل الفضاء المغاربي بفتن لا نهاية لها، والتي لن يقف لهيبها في حدود دولة معينة، خاصة إذا استعرضنا التركيبة الإثنية واللغوية والقبائلية لدول المنطقة و على رأسها الجزائر. إن هذه التركيبة البشرية المتنوعة لدول المنطقة تشكل في الأصل عامل قوة وثراء إذا أحسن توظيفها، وفي نفس الآن قد تتحول إلى عامل فتنة يمزق أوصال شعوب المنطقة وتطال شرارته الجميع دون استثناء. إن تطبيق التفسير الجزائري لمبدأ تقرير المصير له أبعاد خطيرة، لأنه يعني العودة إلى نقطة الصفر في تركيب دول المنطقة بل العالم بأكمله، وسيبرر لأي مجموعة بشرية بغض النظر عن حجمها وامتدادها بحق الانفصال لأدنى مبرر، ومن ثم تَحوُل بعض مكونات الدولة إلى أسافين في جسم الوطن الأم. 2- مركزية الرئيس في دستور «الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية» يشكل رئيس جبهة البوليساريو الذي هو رئيس «الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية» بقوة الدستور محور النظام السياسي الذي تحلم به الأطروحة الانفصالية، ويعود المركز الدستوري المهيمن لضرورة ضبط الحركية السياسية الانفصالية بكل تفاصيلها، وعدم السماح بأي هامش للاختلاف مخافة تحوله إلى معارضة قوية قد تزعزع أركان القيادة التقليدية لجبهة البوليساريو، وهذا ليس فقد رغبة قيادة البوليساريو وحدها، بل يعود أيضا إلى عدم رغبة الأطراف الخارجية وخاصة النظام الجزائري في تعدد مراكز صنع القرار داخل جبهة البوليساريو الأمر الذي قد يُصَعِّب عليهم مستقبلا التحكم في توجيهها واستتباعها. يمكن أن نستشف الموقع الدستوري المتميز لرئيس «الجمهورية الصحراوية» من طبيعة و سِعة الاختصاصات الممنوحة له، والتي سأركز عليها من خلال استعراضي لسلطاته المختلفة في علاقته مع باقي المؤسسات خاصة الحكومة والمجلس الوطني الذي يعتبر بمثابة برلمان «الجمهورية الصحراوية». اختصاصات الرئيس التنفيذية أعطى دستور «الجمهورية الصحراوية» للرئيس سلطات تنفيذية واسعة تطال مختلف جوانب السياسة العامة للدولة المزعومة، وقد وردت بعض مواد الدستور بصيغ عامة تتيح للرئيس الاجتهاد في تفسيرها بشكل واسع مثل المادة (53) التي تنص على أن «رئيس الدولة ينسق السياسة العامة ويدافع عن احترام الدستور ويسهر على تطبيق القانون وإرساء وتطوير مؤسسات الدولة». وتبعا لذلك فهو الذي «يعين الوزير الأول وينهي مهامه» (المادة 54)، ويستشف من المادة (65) أن الوزير الأول لا يمكن له اختيار أعضاء حكومته إلا بعد استشارة قَبْلية للرئيس. وتعد سلطة تعيين الوزير الأول إلى جانب باقي السلطات الدستورية التي تعهد للرئيس سلطات حصرية لا يجوز له تفويضها مهما كان مبرر ذلك وهذا ما أكدته المادة (60) بتعبير صريح وواضح حيث نصت على أنه «لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يفوض رئيس الدولة سلطته في تعيين الوزير الأول وباقي المهام المنصوص عليها دستوريا». ويتمتع رئيس الدولة أيضا بصلاحية رئاسة مجلس الوزراء (المادة 55) الذي يتيح له سلطات واسعة، ولكن الأمر الذي يميز أكثر علاقة الرئيس مع الحكومة في «الجمهورية الصحراوية» هو مسؤوليتها أمامه وحده وهذا ما ورد في المادة (64) حيث نصت على أن «الحكومة جهاز تنفيذي مسؤول أمام رئيس الدولة» دون النص بصراحة على مسؤوليتها أمام «المجلس الوطني الصحراوي» الذي تعتبره المادة (73) الهيئة التشريعية للبلاد وهذا ما سنعود لتحليه لاحقا، كما لا نجد أيضا في نص الدستور أي أثر لمسؤولية الرئيس أمام أي مؤسسة أخرى بما في ذلك المجلس الوطني. اختصاصات الرئيس التشريعية إضافة إلى ما يتمتع به الرئيس من سلطات تشريعية من خلال رئاسته للمجلس الوزاري الذي هو المختبر الرئيسي لكل مشاريع القوانين في الدول الحقيقية، فإن «رئيس الدولة يوقع القوانين التي تنشر باسمه فور مصادقة المجلس الوطني عليها» (المادة 56)، كما يتمتع الرئيس بسلطة إصدار القوانين في أجل ثلاثين يوما ابتداءً من تاريخ تسلمه (المادة 107)، كما يحق له طلب إجراء مداولة ثانية لقوانين تم التصويت عليها من قبل المجلس الوطني وذلك في غضون ثلاثين يوما الموالية لتاريخ إقراره، وفي هذه الحالة لا يتم إقرار القانون إلا بأغلبية ثلثي المجلس الوطني (المادة 108). وفي إطار صلاحيات الرئيس أمام المجلس الوطني تعطي المادة (110) للرئيس إمكانية إلقاء خطاب أمام المجلس الوطني. وفي حالة حل المجلس الوطني يحق للرئيس عند الضرورة إصدار مراسيم قوانين إلى غاية انتخاب مجلس وطني جديد (المدة 103). ويحق للرئيس أيضا دعوة المجلس الوطني للاجتماع في دورة طارئة وذلك في حالة وقوع قضايا وطنية طارئة أو حينما تصبح الشروط المطلوبة لممارسة الحكومة لمهامها لا تتوفر في واحد أو أكثر من أعضائها، وذلك لاتخاذ الإجراءات الضرورية التي قد تصل إلى حجب الثقة أو عند وقوع اختلالات تهدد المجلس الوطني في أداء وظائفه، أو لضرورات ملحة للتشريع (المادة 84) . اختصاصات الرئيس الدبلوماسية يعطي الدستور لرئيس «الجمهورية الصحراوية» اختصاصا حصريا في تحديد السياسة الخارجية للدولة المزعومة حيث نصت الفقرة الثانية من المادة (57) على أن رئيس الدولة هو الذي «يوجه السياسة الخارجية ويقر خططها» وهو الذي يضطلع باختصاص تعيين السفراء والبعثات بالخارج (الفقرة الثانية من المادة 58)، كما «يتلقى أوراق اعتماد السفراء الأجانب» (الفقرة الرابعة من المادة 57). وهذه الاختصاصات الممنوحة للرئيس في الجانب الدبلوماسي لا تختلف عموما عن ما يُعترف به لرؤساء الدول، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو قابلية ممارسة مثل هذه الاختصاصات لاسيما ما يتعلق بتلقي أوراق اعتماد السفراء الأجانب، فمن هي الدولة التي، مهما كان حجم تأييدها للأطروحة الانفصالية، سترضى أن تعين مبعوثا لها في دولة لا وجود لها على أرض الواقع، وحتى المخيمات التي يتعسكر فيها بعض قادة البوليساريو هي أرض أجنبية، وهذا يبين مرة أخرى عدم واقعية هذه الوثيقة موضوع القراءة وإغراقها في الوهم والخيال. اختصاصات الرئيس العسكرية أعطى الدستور موضوع الدراسة لرئيس «الجمهورية الصحراوية» صفة «القائد الأعلى للقوات المسلحة» (الفقرة الأولي من المادة 57)، كما عهد إليه أيضا سلطة «التعيينات في المؤسسة العسكرية» وتعيين مسؤولي أجهزة الأمن (الفقرتين الرابعة والسابعة من المادة 58). ويلاحظ خلو دستور «الجمهورية الصحراوية» من الإشارة إلى حالة الحرب ومن يملك سلطة إعلانها وإيقافها كما هو شأن جميع دساتير دول العالم، عكس ما كان منصوصا عليه في دستور 1995 الذي خول للرئيس في المادة (105) سلطة إعلان الحرب وتوقيع معاهدات السلام. هذا التراجع عن الإشارة إلى قضية الحرب في متن الوثيقة الدستورية الحالية، قد يعني إحالة كل ما يرتبط بالحرب وسلطات إعلانها إلى مؤسسات جبهة البوليساريو، حتى تستطيع أجهزة «الجمهورية الصحراوية» التملص من المسؤولية المباشرة إذا لجأت جبهة البوليساريو في أي لحظة إلى العمل المسلح، خاصة وأن حذف المادة الخاصة بسلطة الرئيس في إعلان الحرب في الدستور الحالي الذي تم تعديله عام 2003 جاء بعد فشل مشروع الاستفتاء وتلويح جبهة البوليساريو أكثر ما مرة باللجوء إلى العمل المسلح، وهذا ما يضفي ظلالا من الريبة والشك على النوايا الحقيقية لقادة الأطروحة الانفصالية، كما يبين من جهة أخرى التداخل والغموض في علاقة الجبهة كحركة وتنظيم عسكري بما يسمى ب»الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية». 3- ضعف مركز الحكومة وتبعيتها للرئيس تظهر تبعية الحكومة للرئيس وموقعها الهامشي إزاءه في نص الدستور صراحة في المادة (64) على مسؤوليتها أمام الرئيس فقط دون المجلس الوطني، لكن القراءة البسيطة للدستور توضح جليا ورود بنود تعطي لهذا المجلس الوطني سلطات الرقابة على الحكومة بما في ذلك حق سحب الثقة منها، فمثلا تنص المادة (97) على أنه «في إطار ممارسة الرقابة على السلطة التنفيذية يحق للمجلس الوطني سحب الثقة من الحكومة جماعة أو فرادى». إن تضارب معاني هذه النصوص حول مسؤولية الحكومة وتأكيد المادة (64) بشكل صريح على المسؤولية الأحادية للحكومة أمام الرئيس، لا يسعنا إلى الاستنتاج بانتفاء المسؤولية المزدوجة للحكومة أمام الرئيس والمجلس الوطني، واعتبار ما يتمتع به المجلس الوطني من صلاحيات الرقابة على الحكومة مجرد اختصاصات رقابية عادية ولا يترتب عنها الإقرار له بامتياز مسؤولية الحكومة أمامه، خاصة وأن اختصاصاته الرقابية لاسيما سحب الثقة يعترض تطبيقها قيود كثيرة. إن مبدأ مسؤولية الحكومة الأحادية أمام رئيس الدولة قد هجرته مختلف دساتير الدول التي كانت تأخذ به في الماضي، وإيراده في وثيقة دستورية صيغت سنة 2003 يعكس أحد الأمرين، إما الجهل بالحركية الدستورية التي شهدها العالم خلال العقود الأخيرة، أو –وهذا هو الراجح- التعزيز من سلطة الرئيس وجعلها محور المنظومة السياسية التي يحلم بها محررو هذه الوثيقة. ومن جهة أخرى، يتمتع الرئيس حسب المادة (54) بسلطة تعيين الوزير الأول وإنهاء مهامه، ولا يحق للوزير الأول المعين اختيار أعضاء حكومته إلا بعد استشارة الرئيس حسب نص المادة (65)، وهذا معناه أن مهمة اختيار تشكيلة الحكومة ليست من اختصاص الوزير الأول وحده، بل يتدخل الرئيس أيضا في جميع مراحل اختيار الوزراء. كما أن رئاسة الرئيس للمجلس الوزاري (المادة 55) تتيح له التحكم في عمل الحكومة وتوجيهه حسب ما يريد، خاصة وأن أهم القرارات الحكومية تتخذ في هذا المجلس، الأمر الذي يعزز أكثر من مركزية منصب الرئيس في علاقته بالحكومة. 4- الموقع الهامشي وغير العملي للسلطة التشريعية يعتبر «المجلس الوطني الصحراوي هو الهيئة التشريعية» (الفقرة الأولى من المادة 73). وقد أفرد محررو دستور «الجمهورية الصحراوية» حيزا مهما للمجلس الوطني من المادة (64) إلى المادة (111) أي 47 مادة، وهذا حيز مهم من الناحية الكمية مقارنة مع باقي المؤسسات، وقد توزعت اهتمامات المواد التي خُصصت للمجلس الوطني بين تنظيمه وتحديد سلطاته التشريعية وتنظيم عمله الرقابي لنشاط أعضاء الحكومة. إن ما يثير الانتباه في هذا الصدد هو أنه على الرغم من أن الدستور يعهد للمجلس الوطني «بمهام الرقابة على الهيئات والأجهزة التنفيذية» (الفقرة الثالثة من المادة 73)، إلا أن نص الدستور يخلو من أي إشارة إلى مسؤولية الرئيس أمام المجلس الوطني وأن هذا الأخير لا يملك أي آلية لمراقبة عمل الرئيس، ما يعني في الأخير أن الرئيس غير مسؤول سياسيا أمام أي مؤسسة دستورية ولا يخضع لأي نوع من المساءلة، وذلك لعدة اعتبارات أهمها افتقاد المجلس الوطني لسلطة تعيين أو اختيار شخص الرئيس، الذي يعود أمر انتخابه حسب المادة (52) من الدستور إلى المؤتمر العام لجبهة البوليساريو. وعلى النقيض من هذا نجد أن الدستور أعطى للمجلس الوطني اختصاصات كثيرة لمراقبة عمل الحكومة عبر مختلف الآليات المتعارف عليها مثل الأسئلة ولجن التحقيق وسحب الثقة. ومن جهة أخرى فإن افتقاد «الجمهورية الصحراوية» لمقومات الحياة يجعل من هذه الاختصاصات المعترف بها للمجلس الوطني مجرد اختصاصات شكلية ولا أمل لها في التطبيق. خاتمة يظهر من خلال هذه القراءة لدستور ما يسمى ب»الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية» أن محرري هذه الوثيقة قصدوا أمرين: أولا الإيحاء لقرائها وخاصة الأجانب منهم بأنها وثيقة دستورية متكاملة وشاملة، وكأنها تمثل حقا دستورا حقيقيا لدولة قائمة وتدبر شأنها العام بشكل عادي، إلا أن استحضار المقومات الأساسية للدولة والتي تفتقدها ما يسمى ب»الجمهورية الصحراوية» يجعلها في نهاية المطاف مجرد لغو قانوني لا يحمل أي قيمة واقعية. أما المقصد الثاني فهو تعزيز موقع الأمين العام لجبهة البوليساريو باعتباره بقوة نص الدستور رئيس «الجمهورية الصحراوية» وذلك من أجل التحكم في مسار الأطروحة الانفصالية وعدم ترك أي هامش لاختلاف وتعدد الآراء حتى داخل هذه الأطروحة، حتى يسهل على قيادة البوليساريو إدامة سيطرتها على مستقبل تدبير هذه القضية من جانبها وربما أيضا من جانب حلفائها الإقليميين. * يعنى مركز الدراسات الدولية، و مقره الرباط ، بالأبحاث و الدراسات السياسية. و يعتبر فاعلا نشطا في إغناء النقاش حول التكامل المغاربي ، كما يهتم كذلك بالمشاكل المرتبطة بالهجرة ، الإرهاب ، و الإشكاليات المتعلقة بتجزئة و تقسيم الدولة. في العام 2010 قام مركز الدراسات الدولية بإصدار كتاب ، باللغة الفرنسية ، تحت عنوان «عقد من الإصلاحات بالمغرب (1999-2009)، هدا الكتاب هو نتاج عمل جماعي لعدد من الأساتذة الجامعين و الباحثين المتخصصين. ثم نشره من طرف مؤسسة النشر كارتالا. في يناير 2011، قام المركز بإصدار، لدى نفس مؤسسة النشر، كتاب ثاني باللغة الفرنسية تحت عنوان «المغرب- الجزائر: مقاربات متقاطعة لجوار عدائي» 0 و قام المركز بإصدار كتابه الثالث باللغة الفرنسية تحت عنوان « النزاع حول الصحراء أمام منظمة الأممالمتحدة». كما يتوفر المركز على عدد من المواقع الالكترونية التي ينشر فيها بعضا من أبحاثه. من بين هده المواقع نذكر موقع «ابن خلدون» الذي تم إنشاؤه مؤخرا. يمكن الإطلاع على هذا الموقع من خلال العنوان HYPERLINK «http://www.ibn-khaldoun.com/» \t «_blank» www.ibn-khaldoun.com رغم إعلان جبهة البوليساريو لسنوات عديدة عن وجود ما بين 155.000 و170.000 شخص في مخيمات تندوف، لكن منظمات دولية مستقلة وملاحظين محايدين يقدرون أن العدد الحقيقي للموجودين في هذه المخيمات قد تراجع كثيرا إلى ما بين 70.000 و90.00 شخص. انظر في هذا الإطار: Claude Moniquet, The Polisario Front: Credible Negotiations Partner or After-Effect of the Cold war and Obstacle to a Political Solution in Western Sahara?, European Strategic Intelligence & Security Center (ESISC), November 2005. ويستخلص هذا التقدير أيضا ضمنيا من تقارير بعض المنظمات غير الحكومية، أذكر على سبيل المثال تقرير المنظمة النرويجيةNorwegian People's Aid التي قامت بتنفيذ برنامج خاص بتحسيس كل سكان المخيمات بمخاطر القنابل المضادة للأفراد حيث قامت ما بين 1998 و2000 بتحسيس حوالي 90.000 فرد. انظر: The 2000 Report of Landmine Minotor, «Sahara occidental, développements majeurs depuis 1999», http://www.icbl.org/lm/2000/country/sahara/index.php3 تواترت خلال السنوات الأخيرة اتهامات لأعضاء جبهة البوليساريو بالسطو على المساعدات الإنسانية الموجهة أساسا للمحتجزين في مخيمات تندوف، وهذا الأمر الذي جعل المفوضية السامية لشؤؤون اللاجئين في تقريرها لشهر مايو 2006 إلى تخفيض حجم مساعداتها إلى 43 في المائة. انظر على سبيل المثال: Laurence Ammour, «The Frozen Conflict in Western Sahara: Who Benefits?», NATO Defense College, Academic Research Branch, Rome, Research Paper, n.30, November 2006, p.7. وما يعزز هذه الاهتمامات المتواترة اعتقال أحد اعضاء جبهة البولساريو في تومبوكتو في شهر فبراير 2006 متلبسا ببيعه الأغذية المقدمة من قبل المنظمات الدولية لسكان مخيمات تندوف. انظر في هذا الصدد: Le Matin, 31 février 2006. Anthony Hodges, «The origins of Saharawi Nationalism», in Richard Lawless and Laila Monahan, War and Refugees: The Western Sahara Conflict, Pinter, London, 1987, p.31. عرفت المادة الأولى (الفقرة الأولى) الموحدة من عهدي حقوق الإنسان لعام 1966 (العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية) بأن «لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها، وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي». أما الجمعية العامة للأمم المتحدة فقد عرفته في قرارها رقم 2625 الصادر في 24/11/1970 الذي تضمن التصريح الخاص بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقاً لميثاق الأممالمتحدة إلى أن مبدأ التسوية في الحقوق وحق الشعوب في تقرير مصيرها من مبادئ HYPERLINK «http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=937&vid=33» القانون الدولي لهذه العلاقات وجاء فيه «بموجب مبدأ التسوية في الحقوق وتقرير المصير للشعوب المعلنين في ميثاق الأممالمتحدة، لكل الشعوب HYPERLINK «http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=8311&vid=33» الحق في أن تقرر، دون تدخل أجنبي، مركزها السياسي وأن تسعى لتأمين نموها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وعلى كل دولة واجب احترام هذا HYPERLINK «http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=8311&vid=33» الحق وفق نصوص الميثاق». لقد حرصت قيادة البوليساريو دوما على الهيمنة على كل ما يحيط بجبهة البوليساريو و»الجمهورية الصحراوية» وجعلهما طوع أيديها، وهذا ما تعززه الشهادات المختلفة التي يدلى بها العائدون من مخيمات تندوف إلى المغرب وخاصة الشخصيات التي تقلدت مناصب عليا (وزراء وسفراء وغيرهم) داخل ما يسمى ب»الجمهورية الصحراوية».