صباح أمس الجمعة لم يكن أحد، داخل وحول أحد مستشفيات الرباط، يعرف لمن يوجه التعازي في وفاة المناضل الوطني والتقدمي الكبير شمعون ليفي، وصار الذين حضروا هناك يتبادلون التعزية فيما بينهم، الكل يعزي الكل في رحيل إحدى العلامات الدالة على الهوية الثرية لشعبنا. انتقل شمعون ليفي إلى دار البقاء عن عمر يناهز السابعة والسبعين، وفقد فيه المغرب واحدا من كبار المناضلين من أجل الاستقلال، ثم من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتقدم، وواحدا من أبرز المثقفين التقدميين، والباحث المتخصص والمجتهد في علوم اللغة وفي اللسانيات الإسبانية وفي اللهجات والثقافة المغربية اليهودية. لم يقبل شمعون يوما أن يساوم في وطنيته، وهو الذي التحق بصفوف الحركة الوطنية لمقاومة الاستعمار قبل أن يبلغ 20 سنة من العمر، ورغم أنه كان من الذين كانت لهم إمكانية الحصول على الجنسية الفرنسية بموجب القوانين الاستعمارية التي أعطت وقتها الجنسية الفرنسية لكل يهود المغرب الكبير حينما كانت فرنسا تحتل كلا من «الجزائر» الجزائر «تونس» تونس «المغرب» والمغرب. فقد فضل أن يعيش بدون أوراق وبدون جنسية أكثر من 24 عاما إلى أن صدر قانون الجنسية المغربية في نهاية 1958، وكانت حينها فرنسا منعت ليفي من الدخول إلى ترابها على خلفية موقفه غير المتوقع من الجنسية الفرنسية. لم يرضخ ليفي أيضا لماكينة البروباغندا الصهيونية، وبقي ثابتا على موقفه المدافع عن القضية الفلسطينية، والرافض بقوة للصهيونية، وفي نفس الآن عاش طيلة حياته مدافعا شرسا عن تعددية الهوية المغربية، وما كان يوما يتعاطى مع اليهودية المغربية من أية منطلقات دونية، إنما من منطلق المكون الأساسي للشخصية المغربية المتميزة والمنفتحة، ولم يفعل ذلك فقط بالمداخلات والعروض والمناقشات السياسية والثقافية، إنما ألف في ذلك الكتب والأطاريح العلمية، وأشرف على مؤسسة التراث الثقافي اليهودي المغربي ومتحفها الرائع في الدارالبيضاء، وبذلك كان يقرن ما يندرج ضمن البحث والتنظير بما هو عملي في الميدان. خسرنا فيه واحدا من حراس هويتنا المتعددة، وواحدا من رموز المغرب البهي والجميل... طيلة عهد الاستقلال حضر شمعون ليفي في قلب الحياة السياسية والاجتماعية كفاعل رئيسي، وكواحد من كبار القادة السياسيين في بلادنا، وسيذكر كثير من المناضلين التقدميين اليوم الدروس التكوينية التي أعدها الراحل ولقنها في الخلايا وفي الفروع بالمدن والبوادي والجبال، وحتى في لحظات الاختلاف الحزبي والسياسي لم ينكر أحد نضالية الرجل وثراء تاريخه الشخصي، السياسي والثقافي، وبقي واحدا من كبار الحزب ورموزه، ومن علامات المغرب النضالي التقدمي. شمعون ليفي اليوم يجاور ادمون عمران المالح، وأبراهام السرفاتي، وعلي يعته، وعبد السلام بورقية، وعبد الله العياشي، ومحمد فرحات، والمعطي اليوسفي، وكل الآخرين... سنذكره دائما... المواساة لرفيقة عمره روجيل اينكارناسيون، ولنجليه جاك وجون ولأشقائه ولكل أفراد العائلة ولجميع الرفاق... لروحه السلام والمحبة... هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته