دعوة للتسامح وحوار الأديان والانفتاح على الآخر قدمت فرقة (مسرح الشامات) من مدينة مكناس، مؤخرا بالعاصمة الأردنية عمان، عرضها الثاني لمسرحية (تغريبة ليون الإفريقي)، وذلك في إطار فعاليات الدورة الثامنة عشرة لمهرجان المسرح الأردني. ونجح هذا العمل، الذي يستحضر أهم المحطات في حياة ليون الإفريقي (حسن الوزان) في رحلة بين الماضي والحاضر، امتدت من مدينة فاس إلى روما، في إثارة فضول عشاق المسرح في العاصمة الأردنية، وذلك بطرحه لمواضيع التسامح والتعايش بين الأديان وتقبل الآخر، لينزاح عن جل العروض التي قدمت في المهرجان، والتي طغت على تيماتها قضايا سياسية أو اجتماعية. كما تمكنت (تغريبة ليون الإفريقي)، التي عرضت على خشبة المسرح الرئيسي بالمركز الثقافي الملكي، من استقطاب جمهور غفير بفعل جرأتها في طرح هذه المواضيع، في قالب لم يخل من مشاهد كوميدية، وذلك من خلال شخصية متسامحة ترفض العنف والتعصب والعنصرية في ترحالها بين حضارات الشرق والغرب. وفي هذا السياق قال مدير المهرجان عبد الكريم الجراح، أن خصوصية العرض المغربي، الذي يندرج في خانة المسرح التاريخي، تكمن في منحاه الإنساني، مجسدا في الرسالة التي يسعى إلى إيصالها، والتي تتمثل في الدعوة إلى التسامح وتقبل الآخر وحوار الأديان وسيادة القيم الإنسانية، عبر تاريخ وفكر شخصية حسن الوزان. وأضاف الجراح، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن رسالة المسرحية وصلت بقوة، ولا أدل على ذلك من تفاعل الجمهور مع العرض بشكل جيد، معتبرا أن المواضيع التي ناقشها العمل تبقى من صميم اللحظة الراهنة وإن كانت الأحداث تدور في زمن ولى. وأشار إلى أن (تغريبة ليون الإفريقي) تحمل في طياتها رسالات لها علاقة بالقضايا الكبرى في الحياة والوجود، وأنها انحازت لمقولات إنسانية، أي اتجاه الأفكار الراقية التي يدافع عنها المسرح. وبخصوص المشاركات المغربية في دورات المهرجان، قال الجراح إن «تواصلنا مع ما يشهده الحراك المسرحي المغربي هو تواصل مستمر»، مشيرا إلى حرص المسرح المغربي، الذي أثبت حضوره على صعيد الوطن العربي، على التواجد في هذا المهرجان الذي يعد من المهرجانات التي لها وقعها على الساحة المسرحية العربية. ومن جهته، قال مخرج المسرحية بوسلهام الضعيف، إن المسرحية تشتغل على شخصية تاريخية عرفها المغرب في القرن السادس عشر، ولكنها في الوقت نفسه «شخصية حية ومعاصرة، تخاطب المجتمعات الحالية في مشاكلها الراهنة». وأوضح، في تصريح مماثل، أن الرهان في هذا العمل استهدف تقديم شخصية تاريخية يتجسد فيها حوار الثقافات، حيث كان حسن الوزان يتقن العديد من اللغات، مما أهله للتواصل مع الناطقين بها، والتعايش بين الشعوب، مسلمة كانت أم مسيحية، على اعتبار أنه كان سفيرا عايش مشاكل هذه الشعوب وعمل على المصالحة بينها، خاصة وأنه تنقل في فضاء جغرافي مفتوح، مما جعله يؤمن بفكرة تقبل الآخر. وأضاف أن (تغريبة ليون الإفريقي) هي دعوة للتسامح وحوار الأديان والإنفتاح على الآخر، مشيرا إلى أن إسناد دور البطولة لممثل فرنسي (فريدريك كلميس) جاء لكونه عاش مسارا يكاد يكون مشابها لمسار حسن الوزان، ولكن بشكل معكوس، فإذا كان الوزان قد انتقل من إفريقيا إلى أوروبا، فالممثل انتقل من أوروبا ليعيش في المغرب، وهو ما مهد الطريق أمامه لتقمص شخصية الوزان وأداء دورها ببراعة. يشار إلى أن (تغريبة ليون الإفريقي) هي من تأليف الكاتب والناقد أنور المرتجي، وسينوغرافيا عبد الحي السغروشني، وأداء كل من بوسلهام الضعيف ومصطفى الخليلي وفريدريك كلميس وبنعيسى الجراري ورضى بنعيم وساندية أبو تاج الدين.