افتتح مؤخرا برواق محمد الفاسي بالرباط، معرض للفنان الفوتوغرافي جعفر عاقيل تحت عنوان «اقتفاء الأثر..». ويعتبر هذا المعرض، الذي نظمته وزارة الثقافة والجمعية المغربية للفن الفوتوغرافي، عملا متميزا ومبتكرا حول موضوع متفرد «الخطوات»، حيث استنفذ الفنان عاقيل وقته في هذا العمل الجديد، سواء في المغرب أو في الشيلي أو في فرنسا أو في أماكن أخرى، لتعقب خطوات المشاة من خلال الأضواء والظلال، الأمكنة والأزمنة، وفي كل مرَّة في حالات ووضعيات مختلفة، لكن دائما، بقصدية وحيدة، امتلاك هذا المرئي اللامرئي لهذا الفعل العادي «المشي»، ولمن يقوم به أي «الماشي». وتأخذ الصور ألوان الواقع الطبيعية، لكن وكأن عدسة عاقيل لا تلتقط سوى الصور التي تغلب عليها الألوان الرمادية والبنية مع ظلال سوداء، في تزاوج بهي تنجم عنه لوحات بالغة الجمال. وقال جعفر عاقيل بالمناسبة، إن العنوان باللغة الفرنسية (دي مارش آسويفر) يحتمل معنيين، معنى المقاربة ومعنى الخطوات، وأنه لعب على المعنيين معا، مشيرا إلى أنه قصد به الاستمرارية في المكان والزمان. وأضاف أن الأمر يتعلق بروبورطاج، لكن ليس بالمعنى الكلاسيكي، بل بمعناه التعبيري والتصويري، وأن المعرض عوض أن يلتقط الأشياء من الأعلى، يركز على الأسفل، ليتناول تنوع الخطوات في حركيتها وسكونها، وهذا لكي يبرز فكرة مفادها أن الفضاء بدون خطوات لا يساوي شيئا، «بمعنى أن خطونا هو الذي يعطي لفضاء المدينة معنى». واستطرد أن المعرض يقتفي آثار الأقدام داخل المغرب وخارجه، لإبراز فكرة أنه رغم اختلاف الثقافات يمكن الحديث عن وحدة بين الخطوات. من جهته، اعتبر الشاعر والروائي حسن نجمي أن الفوتوغرافي جعفر عاقيل يراكم الأفكار والتجارب مرتقيا سلم المهارة الجمالية والفنية، مستندا إلى مدخراته النظرية والمعرفية، واثقا في خطواته الهادئة والناعمة والعميقة، مقتفيا أثر المشاة في الظل والضوء، في الفضاء والزمن، كأنه يلتقط انعكاس الخطوة على الأرض، كما ينعكس ومض خفيف على مرآة الكون. وأضاف نجمي «هذا الفوتوغرافي الحاذق لا يلهو لهوا فوتوغرافيا مجانيا وهو يلاحق فعلا يوميا يكاد يكون منسيا أو +مبتذلا+ لا يفكر فيه أحد (وهل يفكر أحد في مشيته وهو يمشي ?). على العكس، إن جعفر عاقيل يصنع المعنى مركزا على التفاصيل صانعا قيمة وجودية بامتياز. وهيأ نظرته وقدرته الذاتية على تصيد الأثر، الأثر فقط وهو يكاد يمَّحي من الصورة، يكاد يكون خارج الصورة. إن هذا الأثر على حاشية الصورة، يستطرد حسن نجمي، يمضي به جعفر عاقيل كي يصبح أثر الإنسان على حافة الأرض. «ولا تمشي الخطوة فقط، في الصورة، وإنما هي تحدد توجها معينا في الفضاء. إنها تحدد الفضاء (ما يتجه إليه من يمشي، وما يتركه خلفه; ما يجاوره وهو يمشي، ولكنها لا تنفصل عن أفق بحثها المحايث عن..) ميتافيزيقا المعنى». وأعرب عن اعتقاده أن هذا الفوتوغرافي المتيقّظ، و»هو يترصد كل هذه الديدان التي تمشي على سطح الأرض، قبل أن تعود لتمشي تحتها، بتعبير نيتشه، يريد أن يقول من خلال هذا المعرض، وهذه التيمة الجميلة الطريفة العميقة، ومن خلال إبداعه بأن من لا يعرف كيف يقود خطاه، لا يعرف كيف يقود العالم من حوله». من جهته، اعتبر بنيونس عميروش أن من يرى معرض الفنان جعفر عاقيل يتشكل لديه الانطباع بتحديد المجموعة داخل مُصنّف الروبورتاج، باعتباره طريقة مرئية في التواصل مع الجمهور العام، تقوم على تثبيت علاقات توصيف واقعي (تمثيلي) لأحداث أو ظواهر أو أمكنة ... متسائلا إذا كان بإمكان الروبورتاج الفوتوغرافي تجاوز تشخيصيته الحكائية لملاحقة أفق جمالي صرف؟. وأجاب عن السؤال السالف قائلا: «لعل التجانس الأسلوبي والمستفيض الذي يُشْرِكُ بين أعمال الفنان الفوتوغرافي جعفر عاقيل، يمثل النبرة التعبيرية التي تمنح خصوصية هذا النوع من الروبورتاج الفني إذا صح القول». وأضاف أنه في مقابل اختفائه المادي، يحضر الجسد الرمزي من خلال آثاره الموحية بوجوده الحيوي، الواقع بين الحركة والثبات، الذهاب والإياب، الغياب والحضور. إنها الثنائيات التي تقيم معبرا مرئيا يُحَفِّز العين على استقبال منطق هذه التجزيئية التعبيرية التي سبق أن عمل على تطبيقها عاقيل في سياق تجريبي آخر قبل عقد من الزمن، ضمن اشتغاله على البورتريه (مجموعته المسماة : «أبي»، 2000 ). تجدر الإشارة إلى أن جعفر عاقيل فنان فوتوغرافي ولد سنة 1966 بمدينة مكناس، حاصل على دكتوراه في موضوع مرتبط جدا بهوايته «سيميائيات الصورة الإشهارية»، ليصبح بعد ذلك أستاذا باحثا متخصصا في الفوتوغرافيا الصحافية بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط. ويعود أول معرض له، وهو معرض جماعي، إلى سنة 1990. ومنذ حينه، سيضاعف من تجاربه الفوتوغرافية سواء داخل المغرب أو خارجه بلمسات كرافيكية وتشكيلية. وفي السنوات الأخيرة، اعتمد مقاربة فوتوغرافية تقوم على الروبورتاج متخذا من «الفضاءات الحضرية» موضوعا أساسا لكن ليس من منظور توثيقي وإنما من منظور تعبيري. ومنذ 1990 نظم عدة معارض فردية وجماعية داخل المغرب وخارجه، إذ نظم ثمانية معارض بكل من الشيلي وفرنسا وأوكرانيا وجزر الكناري (إسبانيا) وسورية وأوطاوا (كندا) كما عرض بمختلف المدن المغربية. ويستمر المعرض إلى غاية العاشر من شهر دجنبر القادم.