المغرب والجزائر يضعان أولى لبنات التعاون والبناء المغاربي الجديد بعد تصريحاتهما الديبلوماسية التي شكلت الحدث المغاربي بامتياز خلال الأسبوع المنصرم، يمضي المغرب والجزائر قدما نحو تعبيد الطريق لانفراج وشيك في العلاقات الثنائية من خلال إبرام أولى الاتفاقيات المدرجة في خارطة طريق ذوبان حاجز الجليد الذي عكر صفو علاقاتهما منذ عام 1994. بوادر الإرادة العلنية لكسر الجمود، والانطلاق نحو علاقات ثنائية طبيعية تستشرف المستقبل وتضع أسس تعاون اقتصادي يعود بالمنفعة على شعبي البلدين الجارين، تم إرساؤها يوم الثلاثاء الماضي، بالجزائر العاصمة، من خلال التوقيع على ثلاث اتفاقيات شراكة بين مهنيي القطاع الفلاحي في المغرب والجزائر تهدف النهوض بنقل التكنولوجيا والعلاقات التجارية بين البلدين. فقد تم التوقيع على هذه الاتفاقيات على هامش المعرض الدولي للفلاحة بالجزائر العاصمة، وذلك بحضور وزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش ونظيره الجزائري رشيد بن عيسى وكذا سفير المغرب بالجزائر عبد الله بلقزيز . الاتفاقية الأولى، التي وقعت بين الكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية والمجالس المهنية للفروع الفلاحية بالجزائر، تهدف القيام بأنشطة مشتركة من شأنها خلق الظروف الملائمة لتطوير التجارة وكذا نقل التكنولوجيا على مستوى أهم فروع القطاع الفلاحي. أما الاتفاقية الثانية، التي تروم تطوير تربية النحل، فقد تم التوقيع عليها من طرف الفيدرالية المهنية المغربية لتربية النحل والفيدرالية الجزائرية لجمعيات تربية النحل. فيما تهدف الاتفاقية الثالثة، التي وقعت بين جمعية المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب والمؤسسة الجزائرية «فلاحة»، إلى إقامة شراكة واسعة في مجال تنظيم معارض مخصصة للفلاحة بكل من المغرب والجزائر. وتميز حفل التوقيع على هذه الاتفاقيات الثلاثة بكلمة المغرب التي ألقاها وزير الفلاحة والصيد البحري في قلب العاصمة الجزائرية التي استقبلت وفدا مغربيا وازنا يضم حوالي 150 مهنيا مغربيا ونحو 30 شركة مغربية تشتغل في قطاع الفلاحة والصناعة الغذائية. فقد دعا عزيز أخنوش، في تدخل له خلال المنتدى الجزائري- المغربي الذي نظم على هامش المعرض الدولي للفلاحة، إلى تشجيع التقارب بين المهنيين المغاربة والجزائريين في قطاع الفلاحة والنهوض بشراكات في مختلف المجالات الفلاحية بين البلدين من أجل تمكين البلدين الجارين من رفع تحدي الأمن الغذائي لسوق تضم 69 مليون نسمة. وهي دعوة تعدى صداها القوي إطار أشغال المنتدى الجزائري – المغربي التي تم تخصيصها لاستراتيجية «مخطط المغرب الأخضر» و ل «سياسة التجديد الفلاحي والقروي» بالجزائر. فلا حديث في الأوساط المغربية والجزائرية، بل والمغاربية والفرنسية إلا عن ضرورة الإقرار بحتمية تعزيز أسس الشراكة المستدامة بين المغرب والجزائر للاستفادة من التجارب المتراكمة وتعزيز التعاون في مجالات أخرى، والعمل مع بلدان المنطقة من أجل تحقيق رؤية طموحة ومشتركة للمستقبل المغاربي. وهو ما يفسر إلى أبعد الحدود رهانات الدعوة الرسمية للمسؤولين السامين في البلدين، خلال منتدى التعاون التركي العربي الذي انعقد مؤخرا بالرباط، لتطبيع العلاقات بما يتناسب ومعالم النظام المغاربي الجديد الذي سيعقد قريبا اجتماعا لمجلس وزرائه. مثلما يفسر تصريحات مسؤولين تونسيين أعقبت الإعلان الفرنسي الصادر عن رشيدة داتي الذي تضمن حرصا فرنسيا على أهمية توطيد علاقات «الأخوة والتعاون» بين الرباط والجزائر ومواصلة توثيقها تحقيقا للمنفعة المشتركة لبلدان المنطقة. ولم تخف كل هذه التصريحات استعجالية الرفع من سرعة قطار التطبيع المغربي الجزائري بما يتناسب وسرعة التحولات العميقة التي تشهدها المنطقة المغاربية والعربية. سرعة لا يمكن بلوغها بطبيعة الحال دون تجسيد النوايا الحسنة على أرض الواقع من خلال فتح الحدود بين البلدين واعتبار إغلاقها غير مبرر بل عقابا جماعيا للشعبين يتنافي مع أواصر أخوتهما التاريخية ومستقبلهما المشترك ضمن مستلزمات الاندماج المغاربي. فالهدف الأسمى، في ظل التحولات العميقة التي تشهدها المنطقة العربية، يجب أن يكون هو التجاوب مع طموحات شعبين لا حواجز بينهما ومع طموحات الأجيال الصاعدة التي تتساءل عن السر وراء استمرار نزاعات مفتعلة تضيع في ثناياها طاقات من الأجدى والأنفع تسخيرها لضمان النمو وفرص العمل والعيش الكريم للشعبين الشقيقين.. ثروات وطاقات يتم تبديرها في السعي وراء وهم نزاعات عقيمة بدل تخصيصها لرفع التحديات الحقيقية للتنمية الشاملة.